شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    قرارات وزارة الإعلام هوشة وستزول..!    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تنصح الفتيات وتصرح أثناء إحيائها حفل بالخليج: (أسمعوها مني عرس الحب ما موفق وكضب كضب)    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    إصابة مهاجم المريخ أسد والنادي ينتظر النتائج    السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    إبراهيم عثمان يكتب: عن الفراق الحميم أو كيف تخون بتحضر!    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأهلي مدني يدشن مشواره الافريقي بمواجهة النجم الساحلي    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    إبراهيم جابر يطمئن على موقف الإمداد الدوائى بالبلاد    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أرسطو .. فكر تحتاجه بلادنا
نشر في الراكوبة يوم 05 - 08 - 2014

سلالة غير عادية من البشر، هي التي أنجبها ركن صغير من المعمورة يدعى بلاد الإغريق في القرن الرابع قبل الميلاد.
بقلم: محمد زكريا توفيق
كان ياما كان يا سعد يا إكرام
أي واحد يعلم شيئا عن أفلاطون، يعرف أن كان له تلميذ نجيب يدعى أرسطو، الذي أصبح فيما بعد فيلسوفا يضاهي بل ربما يفوق أستاذه في الشهرة وغزارة الإنتاج الفكري.
ربما يعرف أيضا، أن أرسطو له هو الآخر تلميذ يسمى الاسكندر الأكبر الذي، بمجرد تخطيه سن الطفولة، أضحى واحدا من أعظم القادة العسكريين، وأحد ألمع الغزاة وبناة الامبراطوريات، الذين عرفهم التاريخ.
سلالة غير عادية من البشر، هي التي أنجبها ركن صغير من المعمورة يدعى بلاد الإغريق في القرن الرابع قبل الميلاد. لكن التلميذ، غالبا، لا يسلك نفس الدرب الذي يسلكه أستاذه. لقد أنشأ أرسطو مدرسته، في مدينة أثينا. كانت تضاهي بل تتفوق على مدرسة أفلاطون، الأكاديمية.
امبراطورية الاسكندر الأكبر، كتبت سقوط اثينا، المدينة - الدولة، التي كان يعتبرها أرسطو أفضل صيغة ممكنة للحكم. امبراطورية الاسكندر، كانت عبارة عن تجمع كبير من الأجناس والممالك المختلفة، تمتد شرقا من بلاد الإغريق حتى تصل إلى مشارف بلاد الهند.
داخل الامبراطورية، المدن الإغريقية التي بنى عليها أرسطو كل الآمال لتقدم الإنسان، فقدت حريتها وكبرياءها، الذي لم تستطع استرجاعه أبدا.
قصة أرسطو، 384 – 322 ق. م، نجدها متشابكة مع الأحداث التي وقعت في مقدونيا. وهي بلد تقع شمال اليونان على ساحل بحر إيجة، نصف سكانها خليط من الإغريق والبرابرة. البرابرة هنا تعني الشعوب غير الإغريقية.
أرسطو، لم يولد في أثينا، مثل سقراط وأفلاطون. والده كان طبيبا في بلاط ملك مقدونيا. عندما كان صبيا، كان يعيش في جو علمي، ربما كان يعد لكي يصبح طبيبا مثل والده.
في سن السابعة عشرة، عندما توفي والده، ترك وطنه وتوجه جنوبا إلى أثينا، عاصمة الحضارة الإغريقية، لكي يلتحق بأكاديمية أفلاطون ويتعلم على يديه.
هناك، ظل في الأكاديمية مدة 20 سنة. يدرس ويكتب ويدّرس الفلسفة والرياضيات وعلوم الأخلاق والسياسة والجمال. هل الجمال له علم؟ نعم، وهو فرع من فروع الفلسفة.
أرسطو، قبل الميلاد بثلاثة قرون، كان يدّرس الفلسفة وعلم الجمال في أثينا، ونحن في القرن الواحد والعشرين نناقش عذاب القبر والثعبان الأقرع ورجم القرد الزاني، ونقيم محاكم التفتيش لمن ينكر ذلك.
كان أفلاطون يصف أرسطو، بأنه العقل المفكر لمدرسته (الأكاديمية). لكن عند وفاة أفلاطون، عين غيره رئيسا للأكاديمية. لذلك، ترك أرسطو أثينا، وتوجه شمالا إلى ساحل آسيا الصغرى وجزيرة لسبوس.
قضى أرسطو فترة زمنية عند زميل دراسة قديم، صار حاكما لمقاطعة ساحلية غير مهمة، وتزوج من ابنة أخيه. خلال هذه المدة، عاد له اهتمامه الأول بالعلوم الطبيعية. فكان يأخذ الملاحظات والبيانات، وخصوصا عن أشكال وعادات الأحياء المائية التي صادفها على الساحل.
في ذلك الوقت، كان فيليب، ملك مقدونيا، رجلا ذات مقدرة هائلة وعزيمة قوية. كان، ولعدة سنوات، يقوم بهمة، بتحويل بلده مقدونيا، من دولة فقيرة بائسة يشتغل شعبها بالصيد، إلى مملكة غنية قوية، لها جيش جرار لا يقهر.
كان جيش فيليب منظما، يتدرب على نظام جديد للقتال، يتكون من كتل عديدة ضخمة من المشاة، ويعرف بالتشكيلات السلامية المقدونية. بهذا الجيش والثروة الجديدة المكتسبة، حاول إغراء المدن اليونانية لكي تنضم إليه لغزو الامبراطورية الفارسية القديمة، التي تمثل خطرا يهدد بلاد الإغريق على الدوام.
لكن المدن اليونانية، كانت في شك من نوايا فيليب المقدوني. في أثينا، على سبيل المثال، نجد الخطيب ديموثينيس يهاجم فيليب، ويصفه بأنه طاغية. تحت ادعاء مساعدة شعبه، قام بتحويلهم جميعا إلى عبيد له.
في نفس الوقت، كان فيليب يبحث عن مدرس إغريقي متميز لتعليم ابنه الوحيد النجيب، الاسكندر، الذي كان صبيا يبلغ من العمر 13 عاما في ذلك الوقت. في عام 343 ق. م، عرض الوظيفة على أرسطو، الذي قبلها عن طيب خاطر.
لم يكن يعلم فيليب شيئا عن رأي أرسطو السياسي بالنسبة لما يدور في بلاد الإغريق. في عام 340 ق. م، في سن الخامسة عشرة، حكم الإسكندر مقدونيا، نيابة عن والده فيليب أثناء غزوه لبلاد الإغريق.
في عام 338 ق. م، واجه جيشا أثينا وطيبة جيش فيليب، لكن الإغريق هُزموا هزيمة منكرة أمام جيش فيليب، في موقعة خيرونيا. ثم سقطت باقي بلاد الإغريق تباعا تحت الاحتلال المقدوني.
بعد ذلك بعامين، أغتيل فيليب المقدوني، وهو على وشك التحرك لغزو بلاد فارس. خلفه ابنه الاسكندر. الذي ورث عن أبيه، وربما أكثر من أبيه، العبقرية والطموح.
أول ما فعله الاسكندر، هو اجبار الإغريق على الامتثال لحكمه. بعد ذلك قام بغزو كل بلاد شرق المتوسط، الواحدة بعد الأخرى، بلاد ما بين النهرين، مصر، وفارس.
جاء كمخلص، ليحارب العنصرية والطائفية والعوائق السياسية. وليبني المدن، على النمط الإغريقي، ويجعلها مراكزا للنور والثقافة والحضارة والإدارة.
مدينة الاسكندرية في مصر على سبيل المثال، ومدن أخرى شرق تركستان وعلى حدود الهند. في عام 323 ق. م وعلى غير المتوقع، توفي الاسكندر بسبب الحمى، ثم قام قواده بتقسيم امبراطوريته الوليدة فيما بينهم بعد حروب طاحنة.
بعد أن تقلد الاسكندر مقاليد الحكم، عاد أرسطو إلى أثينا، التي أصبحت الآن تحت الحكم المقدوني. هناك استأجر مبنى كان مخصصا للإله "أبوللو ليسيوس"، والذي يعني اسمه، أبوللو أمير الضياء. ليسيوس كلمة مشتقة من كلمة الضياء باليونانية. ومن ثم كان اسم المدرسة التي أنشأها أرسطو "الليسيوم".
في مدرسة الليسيوم، قام أرسطو بجمع الكتب والمخطوطات، وعينات علمية من المواد والأحياء المختلفة بغرض الأبحاث والدراسة. وأنشأ أرسطو حديقة نباتات وحديقة حيوانات وطيور بغرض الدراسة.
أحد تلاميذه أو أكثر، كانوا يرافقون الاسكندر في حملته نحو الشرق، ويقومون بإرسال ما يصادفهم من نباتات وحيوانات أو طيور غريبة، إلى مدرسة أرسطو.
في مدرسة الليسيوم، كان أرسطو يدير ويقوم بالأبحاث ويحاضر في كل فرع من فروع العلوم المعروفة في ذلك الوقت. وكان يقوم بالتدريس في الهواء الطلق أثناء السير، وفي الشرفات المكشوفة التي تطل على الحديقة.
هذا الأسلوب الجديد في التدريس، جعل الليسيوم مركزا لدراسة وأبحاث العلوم الحديثة، مثل: العلوم الطبيعية، الفلسفة، العلوم السياسية، وغيرها. بالنسبة لنشاط المدرسة وحجمها ومدة بقائها وعدد طلبتها، أضحت تتجاوز مدرسة أفلاطون، الأكاديمية، التي ظلت تعمل وفقا للبرنامج الذي وضعه لها أفلاطون قبل وفاته.
لكن الموت المبكر للاسكندر الأكبر وضع نهاية لنشاط أرسطو في أثينا. الشعور الوطني المتنامي ضد المقدونيين، بدأ يتكثف في المدينة، بسبب وجود المحتل. تحول هذا الشعور بعد وفاة الاسكندر إلى كره وعداء سافرين لكل من كانت له صلة بالمقدونيين.
أرسطو، كمدرس سابق للاسكندر، والذي عاد لأثينا بعد نصر المقدونيين المؤزر على الإغريق، لا بد أنه وضع تحت المراقبة وصادف بعض المضايقات. ثم علت الأصوات تطالب بمحاكمته، كما حاكمت أثينا من قبل سقراط وأعدمته، منذ 80 سنة مضت.
لكن قبل أن تعقد محاكمة لأرسطو، فر مرة ثانية إلى الشمال، حتى لا تجرم أثينا في حق الفلسفة مرتين. هناك في كالسيس، توفى أرسطو بعد سنتين من وصوله. ترك وصية يحرر فيها عبيده من الرق.
مدرسة الليسيوم، استمرت يديرها تلامذته لمدة ثمانية قرون بعده. حتى تم اغلاقها بالضبة والمفتاح، وكذلك أكاديمية أفلاطون، على أيدي الامبراطور المسيحي، قسطنطين. الفلسفة حرام.
بذلك، يكون قد تم الانتقال من الفلسفة إلى الدين، ومن أفلاطون إلى المسيح. وأسبل الستار الكثيف على العقل والفكر. وبدأت رحلة الألف سنة. العصور المظلمة، والعصور الوسطى. حالكة السواد والبؤس.
فترة حياة أرسطو، شاهدت مجد المدن الإغريقية، التي استطاعت أن تدافع عن حرياتها وأسلوبها في الحياة، ضد غزوات الفرس المتكررة.
الآن بعد أن فشلت هذه المدن الإغريقية في وأد خلافاتها، فقدت استقلالها وأُغلقت مدارسها وخبت شعلة حضارتها. وإذا استثنينا فترات قليلة قصيرة من عمر بلاد الإغريق، نجد أن هذا الوضع البائس ظل على حاله حتى نصل إلى القرن التاسع عشر.
عاصر أرسطو بداية هذه الأحداث. كان يعرف أبطالها. وترك لنا فكرا عميقا عظيما رائعا في كثير من المواضيع. في كل المعلومات التي تركها لنا، لم يعقب بكلمة واحدة على ما كان يدور في وقته من أحداث، أو عن أبطال هذه الأحداث.
لم يحدثنا أرسطو عن الثورات التي كانت تدور حوله. لقد شاهد سقوط بلاد الإغريق وغزوات الاسكندر، ولم يعرها اهتماما. هذه أحداث ليست لها قيمة دائمة خالدة في نظره.
لقد كان تركيز أرسطو على أشياء أفضل وأخلد. كان تركيزه على معنى أعمق. على المبادئ وقوانين الطبيعة التي لا تتغير. على وجود وسلوك الإنسان المتحضر وعلى العقل والمنطق والمعرفة ذاتها والفنون.
لدينا مذكراته ومحاضراته التي كان يلقيها على طلبته في الليسيوم خلال ال 13 سنة الأخيرة من حياته. لكن ثلاثة أرباع إنتاج أرسطو الفكري فقد أثناء الحروب التي أعقبت موت الاسكندر، واشتعلت بين قواده، أثناء صراعهم على السلطة.
من بين هذه الأعمال التي فقدت، المحاورات التي كتبها على نمط محاورات أفلاطون وهو شاب صغير، وكل شيء كتبه للتوزيع على طلبته. باستثناء دراسة قصيرة عن دستور أثينا، اكتشفت عام 1890 في مصر، مكتوبة على ورق البردي.
عن طريق الصدفة البحتة، مجموعة متنوعة من الملاحظات والمذكرات التي كان يحاضر بها في الليسيوم، كتبت في أوقات مختلفة، تم اكتشافها في آسيا الصغري مخبوءة تحت الأرض، حتى لا يستولي عليها ملوك بير غامون، لزوم مكتبتهم الخاصة، وهي مدينة في آسيا الصغرى.
بعد قرنين من الزمان، نسيت هذه الوثائق المدفونة، وأكلتها العتة والعفن والديدان. حتى زمن غزو الرومان لآسيا الصغرى، حيث تم اكتشافها ونقلها إلى روما.
في روما، كان هناك عالم عرف قيمة هذه المخطوطات التي وصلت في حالة يرثى لها. ثم قام النساخ بنقل محتوياتها وملء الفراغات بقدر المستطاع وتصنيفها حسب الموضوع.
في عام 70 ق. م، قام أندروميكوس من رودس، بتنقيح أعمال أرسطو هذه، وأصبحت هي النسخة الرسمية. هذه النسخة، هي التي اتطلع عليها سيسرو في زمانه، وهي نفسها التي نستخدمها الآن. لم نجد شيئا أقدم من ذلك لأرسطو. ثم تختفي أعمال أرسطو ويطويها النسيان أكثر من ألف عام.
ليست هناك قصص وحكايات أكثر إثارة وتشويقا من قصص اكتشاف علوم ومعارف قديمة، كان الاعتقاد بأنها فقدت للأبد. هذه المعارف تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول، معارف ومفاهيم، لا تسبب ثورة كبيرة في معارفنا ومفاهيما، مثل مخطوطات البحر الميت وأناجيل نجع حمادي السرية. القسم الثاني، معارف ومفاهيم، تمثل طفرة عظيمة في الفكر الإنساني والحضارة.
في فيلم "أوديسة الفضاء 2001"، اكتشف علماء الفضاء حجرا أسود كبيرا على شكل لوحة مدفونا في أرض القمر. يمثل رسالة من سكان كواكب أخرى إلى الإنسان. لمساعدته، في الوقت المناسب، على البدء في ثورة علمية جديدة، تجعله قادرا على السفر والاتصال بين سكان الكواكب والأجرام الكونية.
كان ياما كان يا سعد يا إكرام، في بلد كنا نسميها الأندلس، إسبانيا حاليا، توجد مجموعة مخطوطات مركونة في مكان مظلم، لا يدري بها أحد. ظلت مدفونة لأكثر من ألف عام. ثم فجأة ظهرت هذ المخطوطات إلى النور. تأثير هذا الاكتشاف، يعتبر ثورة حقيقية في عالم الفكر والعلوم.
مؤلفات أرسطو، لمسيحيي أوروبا في القرون الوسطى، كانت بمثابة رسالة من العوالم الأخرى لسكان الكرة الأرضية. كان لها تأثير معجز ومبهر غير مسبوق. ما يقرب من ثلاثة آلاف صفحة، تغطي مساحات عريضة من العلوم والمعرفة.
وأعتقد أن مؤلفات أرسطو لسكان الشرق الأوسط وبلادنا المنكوبة، هي أيضا الخلاص الوحيد لحالة العته والهرتلة التي نعيشها الآن. وهذا هو السبب في كتابتي لهذه المقالات عن أرسطو. لعل وعسى!
أعمال أرسطو تشمل علوم البيولوجيا والفيزياء والمنطق وعلم النفس والأخلاق والفلسفة والعلوم السياسية وغيرها. هذه العلوم والمعارف، تبدو كأنها قد أتت من حضارة سكان كوكب آخر فائق التقدم والرقي.
لم تكن كتب أرسطو المكتشفة، مكتوبة بلغتها الأصلية، وهي اليونانية. ولم تكن مكتوبة على ألواح من الطمي أو الحجر، أو مدفونة في جرار فخارية كمعظم الاكتشافات المهمة. إنما كانت في صورة مخطوطات باللغة العربية، وموزعة بين مراكز المعرفة في ذلك الوقت: بغداد والقاهرة وتوليدو وقرطبة.
بعد سقوط الامبراطورية الرومانية، وانهيار النظام في أوروبا، أصبحت أعمال أرسطو وباقي الفلاسفة اليونانيين، من ممتلكات الحضارة العربية الوليدة التي حكمت منطقة الشرق الأوسط وفارس وشمال أفريقيا والأندلس، بينما كانت أوروبا لا تزال تغط في سبات القرون الوسطى العميق.
ما وجدناه من بعض أعماله، هو كل ما لدينا للحكم عليه. وهي كافية لكي تبين لنا عظمة هذا الرجل وسعة مداركة التي أصبحت أساس، أو عمود الخيمة، التي بنيت عليها الحضارة الغربية الحديثة التي نعيشها الآن.
أرسطو، عقل منهجي أكثر من عقل أستاذه أفلاطون. أعماله معقولة منطقية، مقالات تعليمية، كل منها يغطي موضوعا معينا. بعكس أفلاطون، الذي تأتي معلوماته أثناء الكلام والحوار، ينتقل من موضع لآخر، ثم يعود إلى الموضوع الأول.
من بين وثائق أرسطو هذه، موضوعات عن: المنطق، الميتافيزيقا، الفلك، الفيزياء، البيولوجيا، الفيسيولوجيا، علم النفس، الأخلاق، السياسة، البلاغة، الشعر.
في كل مجال، يبين لنا أرسطو طرقا متقدمة واكتشافات جديدة. لم يعتمد على الترغيب في الجنة والحور العين، أو التخويف من النار وعذاب القبر والثعبان الأقرع، لإقناعك بصحة معلوماته.
لم يخبرك أن هذه المعلومات قد جاءت إليه من الوحي وهبطت عليه من السماء بينما كان يتعبد في خلوته في الغار أو فوق الجبل وحده. إنما هي معلومات عامة للجميع، يمكن أن يحصل عليها كل من يرغب في المعرفة.
يمكن الوصول لهذه المعلومات عن طريق التجربة والمشاهدة والاستنتاج، وهي أمور متاحة للجميع. إن قبلتها كان بها، وإن رفضتها فهذا حقك. لا إجبار هنا ولا قتل ولا تهديد ولا وعيد ولا تعذيب ولا بتر. فقط المطلوب هو استخدام قدرات عقلك وبديهيتك وفطرتك السليمة.
يتميز أرسطو عن أفلاطون، في كونه ابن طبيب. ورث عن والده حبه للعلوم الطبيعية وقوة الملاحظة بالنسبة لكل الكائنات الحية. إذا أضفنا إلى ذلك، أنه كان تلميذا نجيبا لأفلاطون، ورث عن أستاذه نظرة فلسفية عميقة عن العالم ككل، وعن طبائع الإنسان وقدراته، عرفنا سعة مدارك أرسطو.
كان يستخدم الأسباب والمُثل والمبادئ المجردة والنظريات، مثل أفلاطون، عندما يخرج الموضوع عن نطاق التجربة والمشاهدة. لكنه كان في نفس الوقت، حريصا على تعديل أية نظرية تثبت التجربة عدم صحتها.
لقد كان مفكرا عظيما صادقا، وفي نفس الوقت، عالما تجريبيا رائعا. كان يقول، توخيا للدقة في بعض الحالات، إن نتائج هذه التجارب ليست كافية للوصول للنظرية الصحيحة. وإذا ثبت في المستقبل بالتجربة عكس ذلك، فلا بد من تعديل النظرية. ليست هنا قداسة ولا تعصب في البحث عن الحقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.