شاهد بالفيديو.. الفنانة توتة عذاب تشعل حفل غنائي بوصلة رقص مثيرة وساخرون: (هدى عربي برو ماكس)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد بهدف لكلٍ في كأس العالم للأندية    مانشستر سيتي يستهل مونديال الأندية بالفوز على الوداد المغربي بهدفين دون مقابل    وزارة الصحة تستقبل طائرة مساعدات إنسانية وطبية تركية تبلغ 37 طناً لمكافحة الكوليرا    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    تقرير أممي: الجيش مسؤول عن الجرائم وتدهور الوضع الإنساني في السودان    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    أمام الريال.. الهلال يحلم بالضربة الأولى    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    كامل إدريس يؤكد عمق ومتانة العلاقات الثنائية بين السودان والكويت    "الدعم السريع" تبسط سيطرتها الكاملة على قاعدة الشفرليت العسكرية    ترامب: "نعرف بالتحديد" أين يختبئ خامنئي لكن لن "نقضي عليه" في الوقت الحالي    كامل إدريس ابن المنظمات الدولية لايريد أن تتلطخ أطراف بدلته الأنيقة بطين قواعد الإسلاميين    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    عَوض (طَارَة) قَبل أن يَصبح الاسم واقِعا    إنشاء حساب واتساب بدون فيسبوك أو انستجرام.. خطوات    عودة الحياة لاستاد عطبرة    السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أرسطو .. فكر تحتاجه بلادنا
نشر في الراكوبة يوم 05 - 08 - 2014

سلالة غير عادية من البشر، هي التي أنجبها ركن صغير من المعمورة يدعى بلاد الإغريق في القرن الرابع قبل الميلاد.
بقلم: محمد زكريا توفيق
كان ياما كان يا سعد يا إكرام
أي واحد يعلم شيئا عن أفلاطون، يعرف أن كان له تلميذ نجيب يدعى أرسطو، الذي أصبح فيما بعد فيلسوفا يضاهي بل ربما يفوق أستاذه في الشهرة وغزارة الإنتاج الفكري.
ربما يعرف أيضا، أن أرسطو له هو الآخر تلميذ يسمى الاسكندر الأكبر الذي، بمجرد تخطيه سن الطفولة، أضحى واحدا من أعظم القادة العسكريين، وأحد ألمع الغزاة وبناة الامبراطوريات، الذين عرفهم التاريخ.
سلالة غير عادية من البشر، هي التي أنجبها ركن صغير من المعمورة يدعى بلاد الإغريق في القرن الرابع قبل الميلاد. لكن التلميذ، غالبا، لا يسلك نفس الدرب الذي يسلكه أستاذه. لقد أنشأ أرسطو مدرسته، في مدينة أثينا. كانت تضاهي بل تتفوق على مدرسة أفلاطون، الأكاديمية.
امبراطورية الاسكندر الأكبر، كتبت سقوط اثينا، المدينة - الدولة، التي كان يعتبرها أرسطو أفضل صيغة ممكنة للحكم. امبراطورية الاسكندر، كانت عبارة عن تجمع كبير من الأجناس والممالك المختلفة، تمتد شرقا من بلاد الإغريق حتى تصل إلى مشارف بلاد الهند.
داخل الامبراطورية، المدن الإغريقية التي بنى عليها أرسطو كل الآمال لتقدم الإنسان، فقدت حريتها وكبرياءها، الذي لم تستطع استرجاعه أبدا.
قصة أرسطو، 384 – 322 ق. م، نجدها متشابكة مع الأحداث التي وقعت في مقدونيا. وهي بلد تقع شمال اليونان على ساحل بحر إيجة، نصف سكانها خليط من الإغريق والبرابرة. البرابرة هنا تعني الشعوب غير الإغريقية.
أرسطو، لم يولد في أثينا، مثل سقراط وأفلاطون. والده كان طبيبا في بلاط ملك مقدونيا. عندما كان صبيا، كان يعيش في جو علمي، ربما كان يعد لكي يصبح طبيبا مثل والده.
في سن السابعة عشرة، عندما توفي والده، ترك وطنه وتوجه جنوبا إلى أثينا، عاصمة الحضارة الإغريقية، لكي يلتحق بأكاديمية أفلاطون ويتعلم على يديه.
هناك، ظل في الأكاديمية مدة 20 سنة. يدرس ويكتب ويدّرس الفلسفة والرياضيات وعلوم الأخلاق والسياسة والجمال. هل الجمال له علم؟ نعم، وهو فرع من فروع الفلسفة.
أرسطو، قبل الميلاد بثلاثة قرون، كان يدّرس الفلسفة وعلم الجمال في أثينا، ونحن في القرن الواحد والعشرين نناقش عذاب القبر والثعبان الأقرع ورجم القرد الزاني، ونقيم محاكم التفتيش لمن ينكر ذلك.
كان أفلاطون يصف أرسطو، بأنه العقل المفكر لمدرسته (الأكاديمية). لكن عند وفاة أفلاطون، عين غيره رئيسا للأكاديمية. لذلك، ترك أرسطو أثينا، وتوجه شمالا إلى ساحل آسيا الصغرى وجزيرة لسبوس.
قضى أرسطو فترة زمنية عند زميل دراسة قديم، صار حاكما لمقاطعة ساحلية غير مهمة، وتزوج من ابنة أخيه. خلال هذه المدة، عاد له اهتمامه الأول بالعلوم الطبيعية. فكان يأخذ الملاحظات والبيانات، وخصوصا عن أشكال وعادات الأحياء المائية التي صادفها على الساحل.
في ذلك الوقت، كان فيليب، ملك مقدونيا، رجلا ذات مقدرة هائلة وعزيمة قوية. كان، ولعدة سنوات، يقوم بهمة، بتحويل بلده مقدونيا، من دولة فقيرة بائسة يشتغل شعبها بالصيد، إلى مملكة غنية قوية، لها جيش جرار لا يقهر.
كان جيش فيليب منظما، يتدرب على نظام جديد للقتال، يتكون من كتل عديدة ضخمة من المشاة، ويعرف بالتشكيلات السلامية المقدونية. بهذا الجيش والثروة الجديدة المكتسبة، حاول إغراء المدن اليونانية لكي تنضم إليه لغزو الامبراطورية الفارسية القديمة، التي تمثل خطرا يهدد بلاد الإغريق على الدوام.
لكن المدن اليونانية، كانت في شك من نوايا فيليب المقدوني. في أثينا، على سبيل المثال، نجد الخطيب ديموثينيس يهاجم فيليب، ويصفه بأنه طاغية. تحت ادعاء مساعدة شعبه، قام بتحويلهم جميعا إلى عبيد له.
في نفس الوقت، كان فيليب يبحث عن مدرس إغريقي متميز لتعليم ابنه الوحيد النجيب، الاسكندر، الذي كان صبيا يبلغ من العمر 13 عاما في ذلك الوقت. في عام 343 ق. م، عرض الوظيفة على أرسطو، الذي قبلها عن طيب خاطر.
لم يكن يعلم فيليب شيئا عن رأي أرسطو السياسي بالنسبة لما يدور في بلاد الإغريق. في عام 340 ق. م، في سن الخامسة عشرة، حكم الإسكندر مقدونيا، نيابة عن والده فيليب أثناء غزوه لبلاد الإغريق.
في عام 338 ق. م، واجه جيشا أثينا وطيبة جيش فيليب، لكن الإغريق هُزموا هزيمة منكرة أمام جيش فيليب، في موقعة خيرونيا. ثم سقطت باقي بلاد الإغريق تباعا تحت الاحتلال المقدوني.
بعد ذلك بعامين، أغتيل فيليب المقدوني، وهو على وشك التحرك لغزو بلاد فارس. خلفه ابنه الاسكندر. الذي ورث عن أبيه، وربما أكثر من أبيه، العبقرية والطموح.
أول ما فعله الاسكندر، هو اجبار الإغريق على الامتثال لحكمه. بعد ذلك قام بغزو كل بلاد شرق المتوسط، الواحدة بعد الأخرى، بلاد ما بين النهرين، مصر، وفارس.
جاء كمخلص، ليحارب العنصرية والطائفية والعوائق السياسية. وليبني المدن، على النمط الإغريقي، ويجعلها مراكزا للنور والثقافة والحضارة والإدارة.
مدينة الاسكندرية في مصر على سبيل المثال، ومدن أخرى شرق تركستان وعلى حدود الهند. في عام 323 ق. م وعلى غير المتوقع، توفي الاسكندر بسبب الحمى، ثم قام قواده بتقسيم امبراطوريته الوليدة فيما بينهم بعد حروب طاحنة.
بعد أن تقلد الاسكندر مقاليد الحكم، عاد أرسطو إلى أثينا، التي أصبحت الآن تحت الحكم المقدوني. هناك استأجر مبنى كان مخصصا للإله "أبوللو ليسيوس"، والذي يعني اسمه، أبوللو أمير الضياء. ليسيوس كلمة مشتقة من كلمة الضياء باليونانية. ومن ثم كان اسم المدرسة التي أنشأها أرسطو "الليسيوم".
في مدرسة الليسيوم، قام أرسطو بجمع الكتب والمخطوطات، وعينات علمية من المواد والأحياء المختلفة بغرض الأبحاث والدراسة. وأنشأ أرسطو حديقة نباتات وحديقة حيوانات وطيور بغرض الدراسة.
أحد تلاميذه أو أكثر، كانوا يرافقون الاسكندر في حملته نحو الشرق، ويقومون بإرسال ما يصادفهم من نباتات وحيوانات أو طيور غريبة، إلى مدرسة أرسطو.
في مدرسة الليسيوم، كان أرسطو يدير ويقوم بالأبحاث ويحاضر في كل فرع من فروع العلوم المعروفة في ذلك الوقت. وكان يقوم بالتدريس في الهواء الطلق أثناء السير، وفي الشرفات المكشوفة التي تطل على الحديقة.
هذا الأسلوب الجديد في التدريس، جعل الليسيوم مركزا لدراسة وأبحاث العلوم الحديثة، مثل: العلوم الطبيعية، الفلسفة، العلوم السياسية، وغيرها. بالنسبة لنشاط المدرسة وحجمها ومدة بقائها وعدد طلبتها، أضحت تتجاوز مدرسة أفلاطون، الأكاديمية، التي ظلت تعمل وفقا للبرنامج الذي وضعه لها أفلاطون قبل وفاته.
لكن الموت المبكر للاسكندر الأكبر وضع نهاية لنشاط أرسطو في أثينا. الشعور الوطني المتنامي ضد المقدونيين، بدأ يتكثف في المدينة، بسبب وجود المحتل. تحول هذا الشعور بعد وفاة الاسكندر إلى كره وعداء سافرين لكل من كانت له صلة بالمقدونيين.
أرسطو، كمدرس سابق للاسكندر، والذي عاد لأثينا بعد نصر المقدونيين المؤزر على الإغريق، لا بد أنه وضع تحت المراقبة وصادف بعض المضايقات. ثم علت الأصوات تطالب بمحاكمته، كما حاكمت أثينا من قبل سقراط وأعدمته، منذ 80 سنة مضت.
لكن قبل أن تعقد محاكمة لأرسطو، فر مرة ثانية إلى الشمال، حتى لا تجرم أثينا في حق الفلسفة مرتين. هناك في كالسيس، توفى أرسطو بعد سنتين من وصوله. ترك وصية يحرر فيها عبيده من الرق.
مدرسة الليسيوم، استمرت يديرها تلامذته لمدة ثمانية قرون بعده. حتى تم اغلاقها بالضبة والمفتاح، وكذلك أكاديمية أفلاطون، على أيدي الامبراطور المسيحي، قسطنطين. الفلسفة حرام.
بذلك، يكون قد تم الانتقال من الفلسفة إلى الدين، ومن أفلاطون إلى المسيح. وأسبل الستار الكثيف على العقل والفكر. وبدأت رحلة الألف سنة. العصور المظلمة، والعصور الوسطى. حالكة السواد والبؤس.
فترة حياة أرسطو، شاهدت مجد المدن الإغريقية، التي استطاعت أن تدافع عن حرياتها وأسلوبها في الحياة، ضد غزوات الفرس المتكررة.
الآن بعد أن فشلت هذه المدن الإغريقية في وأد خلافاتها، فقدت استقلالها وأُغلقت مدارسها وخبت شعلة حضارتها. وإذا استثنينا فترات قليلة قصيرة من عمر بلاد الإغريق، نجد أن هذا الوضع البائس ظل على حاله حتى نصل إلى القرن التاسع عشر.
عاصر أرسطو بداية هذه الأحداث. كان يعرف أبطالها. وترك لنا فكرا عميقا عظيما رائعا في كثير من المواضيع. في كل المعلومات التي تركها لنا، لم يعقب بكلمة واحدة على ما كان يدور في وقته من أحداث، أو عن أبطال هذه الأحداث.
لم يحدثنا أرسطو عن الثورات التي كانت تدور حوله. لقد شاهد سقوط بلاد الإغريق وغزوات الاسكندر، ولم يعرها اهتماما. هذه أحداث ليست لها قيمة دائمة خالدة في نظره.
لقد كان تركيز أرسطو على أشياء أفضل وأخلد. كان تركيزه على معنى أعمق. على المبادئ وقوانين الطبيعة التي لا تتغير. على وجود وسلوك الإنسان المتحضر وعلى العقل والمنطق والمعرفة ذاتها والفنون.
لدينا مذكراته ومحاضراته التي كان يلقيها على طلبته في الليسيوم خلال ال 13 سنة الأخيرة من حياته. لكن ثلاثة أرباع إنتاج أرسطو الفكري فقد أثناء الحروب التي أعقبت موت الاسكندر، واشتعلت بين قواده، أثناء صراعهم على السلطة.
من بين هذه الأعمال التي فقدت، المحاورات التي كتبها على نمط محاورات أفلاطون وهو شاب صغير، وكل شيء كتبه للتوزيع على طلبته. باستثناء دراسة قصيرة عن دستور أثينا، اكتشفت عام 1890 في مصر، مكتوبة على ورق البردي.
عن طريق الصدفة البحتة، مجموعة متنوعة من الملاحظات والمذكرات التي كان يحاضر بها في الليسيوم، كتبت في أوقات مختلفة، تم اكتشافها في آسيا الصغري مخبوءة تحت الأرض، حتى لا يستولي عليها ملوك بير غامون، لزوم مكتبتهم الخاصة، وهي مدينة في آسيا الصغرى.
بعد قرنين من الزمان، نسيت هذه الوثائق المدفونة، وأكلتها العتة والعفن والديدان. حتى زمن غزو الرومان لآسيا الصغرى، حيث تم اكتشافها ونقلها إلى روما.
في روما، كان هناك عالم عرف قيمة هذه المخطوطات التي وصلت في حالة يرثى لها. ثم قام النساخ بنقل محتوياتها وملء الفراغات بقدر المستطاع وتصنيفها حسب الموضوع.
في عام 70 ق. م، قام أندروميكوس من رودس، بتنقيح أعمال أرسطو هذه، وأصبحت هي النسخة الرسمية. هذه النسخة، هي التي اتطلع عليها سيسرو في زمانه، وهي نفسها التي نستخدمها الآن. لم نجد شيئا أقدم من ذلك لأرسطو. ثم تختفي أعمال أرسطو ويطويها النسيان أكثر من ألف عام.
ليست هناك قصص وحكايات أكثر إثارة وتشويقا من قصص اكتشاف علوم ومعارف قديمة، كان الاعتقاد بأنها فقدت للأبد. هذه المعارف تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول، معارف ومفاهيم، لا تسبب ثورة كبيرة في معارفنا ومفاهيما، مثل مخطوطات البحر الميت وأناجيل نجع حمادي السرية. القسم الثاني، معارف ومفاهيم، تمثل طفرة عظيمة في الفكر الإنساني والحضارة.
في فيلم "أوديسة الفضاء 2001"، اكتشف علماء الفضاء حجرا أسود كبيرا على شكل لوحة مدفونا في أرض القمر. يمثل رسالة من سكان كواكب أخرى إلى الإنسان. لمساعدته، في الوقت المناسب، على البدء في ثورة علمية جديدة، تجعله قادرا على السفر والاتصال بين سكان الكواكب والأجرام الكونية.
كان ياما كان يا سعد يا إكرام، في بلد كنا نسميها الأندلس، إسبانيا حاليا، توجد مجموعة مخطوطات مركونة في مكان مظلم، لا يدري بها أحد. ظلت مدفونة لأكثر من ألف عام. ثم فجأة ظهرت هذ المخطوطات إلى النور. تأثير هذا الاكتشاف، يعتبر ثورة حقيقية في عالم الفكر والعلوم.
مؤلفات أرسطو، لمسيحيي أوروبا في القرون الوسطى، كانت بمثابة رسالة من العوالم الأخرى لسكان الكرة الأرضية. كان لها تأثير معجز ومبهر غير مسبوق. ما يقرب من ثلاثة آلاف صفحة، تغطي مساحات عريضة من العلوم والمعرفة.
وأعتقد أن مؤلفات أرسطو لسكان الشرق الأوسط وبلادنا المنكوبة، هي أيضا الخلاص الوحيد لحالة العته والهرتلة التي نعيشها الآن. وهذا هو السبب في كتابتي لهذه المقالات عن أرسطو. لعل وعسى!
أعمال أرسطو تشمل علوم البيولوجيا والفيزياء والمنطق وعلم النفس والأخلاق والفلسفة والعلوم السياسية وغيرها. هذه العلوم والمعارف، تبدو كأنها قد أتت من حضارة سكان كوكب آخر فائق التقدم والرقي.
لم تكن كتب أرسطو المكتشفة، مكتوبة بلغتها الأصلية، وهي اليونانية. ولم تكن مكتوبة على ألواح من الطمي أو الحجر، أو مدفونة في جرار فخارية كمعظم الاكتشافات المهمة. إنما كانت في صورة مخطوطات باللغة العربية، وموزعة بين مراكز المعرفة في ذلك الوقت: بغداد والقاهرة وتوليدو وقرطبة.
بعد سقوط الامبراطورية الرومانية، وانهيار النظام في أوروبا، أصبحت أعمال أرسطو وباقي الفلاسفة اليونانيين، من ممتلكات الحضارة العربية الوليدة التي حكمت منطقة الشرق الأوسط وفارس وشمال أفريقيا والأندلس، بينما كانت أوروبا لا تزال تغط في سبات القرون الوسطى العميق.
ما وجدناه من بعض أعماله، هو كل ما لدينا للحكم عليه. وهي كافية لكي تبين لنا عظمة هذا الرجل وسعة مداركة التي أصبحت أساس، أو عمود الخيمة، التي بنيت عليها الحضارة الغربية الحديثة التي نعيشها الآن.
أرسطو، عقل منهجي أكثر من عقل أستاذه أفلاطون. أعماله معقولة منطقية، مقالات تعليمية، كل منها يغطي موضوعا معينا. بعكس أفلاطون، الذي تأتي معلوماته أثناء الكلام والحوار، ينتقل من موضع لآخر، ثم يعود إلى الموضوع الأول.
من بين وثائق أرسطو هذه، موضوعات عن: المنطق، الميتافيزيقا، الفلك، الفيزياء، البيولوجيا، الفيسيولوجيا، علم النفس، الأخلاق، السياسة، البلاغة، الشعر.
في كل مجال، يبين لنا أرسطو طرقا متقدمة واكتشافات جديدة. لم يعتمد على الترغيب في الجنة والحور العين، أو التخويف من النار وعذاب القبر والثعبان الأقرع، لإقناعك بصحة معلوماته.
لم يخبرك أن هذه المعلومات قد جاءت إليه من الوحي وهبطت عليه من السماء بينما كان يتعبد في خلوته في الغار أو فوق الجبل وحده. إنما هي معلومات عامة للجميع، يمكن أن يحصل عليها كل من يرغب في المعرفة.
يمكن الوصول لهذه المعلومات عن طريق التجربة والمشاهدة والاستنتاج، وهي أمور متاحة للجميع. إن قبلتها كان بها، وإن رفضتها فهذا حقك. لا إجبار هنا ولا قتل ولا تهديد ولا وعيد ولا تعذيب ولا بتر. فقط المطلوب هو استخدام قدرات عقلك وبديهيتك وفطرتك السليمة.
يتميز أرسطو عن أفلاطون، في كونه ابن طبيب. ورث عن والده حبه للعلوم الطبيعية وقوة الملاحظة بالنسبة لكل الكائنات الحية. إذا أضفنا إلى ذلك، أنه كان تلميذا نجيبا لأفلاطون، ورث عن أستاذه نظرة فلسفية عميقة عن العالم ككل، وعن طبائع الإنسان وقدراته، عرفنا سعة مدارك أرسطو.
كان يستخدم الأسباب والمُثل والمبادئ المجردة والنظريات، مثل أفلاطون، عندما يخرج الموضوع عن نطاق التجربة والمشاهدة. لكنه كان في نفس الوقت، حريصا على تعديل أية نظرية تثبت التجربة عدم صحتها.
لقد كان مفكرا عظيما صادقا، وفي نفس الوقت، عالما تجريبيا رائعا. كان يقول، توخيا للدقة في بعض الحالات، إن نتائج هذه التجارب ليست كافية للوصول للنظرية الصحيحة. وإذا ثبت في المستقبل بالتجربة عكس ذلك، فلا بد من تعديل النظرية. ليست هنا قداسة ولا تعصب في البحث عن الحقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.