ظروف الحياة وتقلبات الوظيفة العامة دفعت بالاب صوب الخرطوم قبل سبع سنوات كموظف فى الدرجات الدنيا، كل عزاه ان النقلية مصحوبة ببيت حكومة يوفر علىه كثيرا من الصرف المالى المنهك ..فالدخل محدود والحيل مهدود وأمامه أبناؤه الستة يريدون التربية والتعلىم .. طلبات الابن الذى دخل توا الى المرحلة الثانوية بصفها الاول اخذت تتغير عن مجريات ما سبق نظراً للحالة الاجتماعية التى يعيشون فيها ولكن انتقاله لمدرسة تجمع بين أبناء الميسورين والمعسرين جعل ذلك من طلباته تتغير (حق البيرقر وحق البيتزا) علماً بأن لفظة ابوى تغيرت لبابا وكذلك نوعية وجبة الافطار التى غالبا كانت ساندوتشاً مما تبقى من طعام العشاء تحول الى وجبات لم يعهدها ولم يعهدها دخل والده الذى لا يتجاوز ال (500) جنيه شهريا .. فلم يطل التفكير فى ارسال ابنه للدراسة باحدى قرى الشمال (مع جدته) ليعينها فى ما تبقى لها من حياة ويقلل من مصاريفه المستحدثة بسبب البيتزا والبيرقر وما شابه. فى وداع رفاقه قبل التوجه للقرية لم يبد الطالب(ا.ب) ضجرا من اختيار والده للمكوث بمقربة من جدته لسنوات ثلاث قادمة باحدى قرى الشمال واعتبر ان الحياة المدرسية وجدها مرتفعة فى المستوى من نواحي الملبس والمأكل والمشرب وفى نفس الوقت لا يريد ان يحرج دخل والده الضعيف فانصاع للرحيل للقرية دون (زعل). الباحثة سلوى بابكر المختصة فى علم الاجتماع تجد ان ضبط التغييرات التى لدى الطلاب فى المرحلة العمرية هذه مطلوبة وتحتاج لجهد اسرى مضاعف فالتفاعل المجتمعى مع المحيط الجديد بمتغيراته له انعكاسات سلوكية ومزاجية ويتأثر بذلك ايجابا او سلبا خصوصا فى ظل العولمة والانفتاح الفضائى ومستحدثات المأكل والمشرب التى طرأت على المجتمع السودانى فى السنوات العشر الاخيرة، واعتبرت ان التغيير من النمط الغذائى المنحرف فى حد ذاته يقود لمشاكل بنائية فى الصحة.. قرار والد الطالب فسرته الباحثة بأنه فطن لمتقلبات حياتية ربما تؤثر على بقية سلوكه فى مقبل السنوات الدراسية، ورأى من منظوره الخاص بأن القرية ومجتمعها التقليدى الانسب فى تنشئته بطريقة يعرفها هو، ولكن هنالك بعض الأخطاء التربوية فى المجتمع بترك الأبناء لدى الجد/ او الجدة وفى الغالب تكون التنشئة معتمدة على (الدلال)، وفى المقولات الشعبية(اعز من الود ولد الولد) فكثيرا من الذين قامت بتربيتهم الحبوبة تقل اعتماديتهم على الذات ودائما بطلعوا (خمجانين)!! الاستاذ الرشيد سعيد بالمدارس الثانوية بامدرمان يرى ان المدارس فى سابقها كانت تتوافر فىها وجبات مشتركة موحدة خصوصا تلك التى ساد فيها نظام الداخليات، ولكن دخو ل التعلىم الخاص استصحب معه الانفرادية فى تناول الوجبات اثناء الىوم الدراسى، واضاف ان الفروقات المجتمعية تزيد الشرخ المجتمعى بين الطلاب ..ولم ينس ان يذكر بأن بعض محلات (الدليفرى) وجدت من المدارس الثانوية سوقاً رائجاً تقوم بتوصيل الوجبات للطلاب ولا يقل سعر الطلبية عن الثلاثين جنيهاً، في حين أن المعلمين ما زالوا يتحلقون حول صحن (البوش)!!