مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    عثمان ميرغني يكتب: إيقاف الحرب.. الآن..    البرهان بين الطيب صالح (ولا تصالح)..!!    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    مان سيتي يجتاز ليفربول    التحرير الشنداوي يواصل إعداده المكثف للموسم الجديد    كلهم حلا و أبولولو..!!    السودان لا يركع .. والعدالة قادمة    وزارة الثقافة والإعلام والسياحة: قناة "سكاي نيوز عربية" ممنوعة من العمل في السودان    البرهان يطلع على أداء ديوان المراجع العام ويعد بتنفيذ توصياته    مساعد البرهان يتحدث عن زخم لعمليات عسكرية    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع الجزيرة والدمار الممنهج ... مأساة اقتصادية
نشر في الراكوبة يوم 27 - 10 - 2014

حينما خرج الحكم الانجليزي من السودان في الاول من يناير من العام 1965 م ترك بالسودان كما يقول اهله وقاطنوه ثلاثة اشياء لو تمت المحافظة عليها فانها ستمثل قوة دفع هائلة للسودان واهله وتتطور الاقتصاد السوداني الي ابعد الحدود وهي بالترتيب : مشروع الجزيرة الذي كان عماد الاقتصاد السوداني، والسكة حديد الناقل الاقل كلفة والاكثر امنا وجدارة والخدمة المدنية التي كانت تعمل مثل الساعة كما هو معلوم ، لكن كل هذه الاشياء تدهورت الي حد بعيد فتوقفت القطارات وحركتها تماما الآن وصارت الخدمة المدنية مترهلة لا تقدم أي دعم للاقتصاد السوداني لكن ماحدث في مشروع الجزيرة يدمي القلوب بلا شك فمن مشروع كان الداعم الاكبر للاقتصاد السوداني والممول الرئيسي بالعملات الصعبة الي اراضي جرداء وقاحلة كيف حدث ذلك هذا ما سنحاول ان نجيب عليه عبر هذا التحقيق
كان المشروع يعمل بكفاءة منقطعة النظير علي كل مساحته 2 مليون فدان وحسب مسؤولين فيه كانت المعلومة تصل الي كل هذه المساحة خلال نصف ساعة فقط ، ومنذ مجيء نظام الانقاذ عبر انقلاب 30 يونيو 1989م بدأ التدهور في المشروع ، وبدأت محاولات الاثراء علي حساب المزارع البسيط من قبل الحكام الجدد تتواصل منذ دخول البنك الزراعي ومحفظة البنوك في تمويل المشروع باسعار فائدة عالية الي ان وصل الامر الي قانون 2005 م الذي دمر ما تبقي من المشروع ونسف كل ما تبقي فيه من نظام ري ونظام زراعي وكل النظم الزراعية والادارية ، واصبح المشروع الذي كان به 10500 عامل يدار عبر 100 موظف فقط يتم اختيارهم وفق امزجة البعض وتبعيتهم للنظام الحاكم في الخرطوم وتنفيذ اجندته حتي صار المشروع بقرة حلوب تدر في جيوب افراد لا علاقة لهم بالزراعة ، وتحكم فيه افراد يحسبون علي اصابع اليد الواحدة نقابيين واداريين سابقين بالمشروع استفادوا من قانون المشروع المجاز من البرلمان لتصفية المشروع لمصلحتهم الخاصة .
بدأ من القرار الذي زور في العام 2008 بتوقيع رئاسة الجمهورية حيث دار حديث ان القرار لم توقع عليه الرئاسة بل سرق خاتم وتوقيع النائب الاول السابق للرئيس رئيس دولة الجنوب الحالي سلفاكير ميارديت حتي تتم تصفية المشروع لمصلحة هؤلاء الافراد ، وتواصل الامر حيث كلف كمال محمد محمود النقر الامين العام لنقابة عمال مشروع الجزيرة وبعض اعضاء النقابة بادارة اكبر مشروع مروي في السودان وافريقيا بالري الانسيابي وهو غير مؤهل لادارة مثل هكذا مشاريع ، لكن هو عضو فاعل بالمؤتمر الوطني الحزب الحاكم في السودان وينفذ كل ما يطلب منه لذلك لم يكن غريبا ان يكلف بنعي مشروع الجزيرة في حضور وزير الزراعة ومدير المشروع ورئيس مجلس مشروع الجزيرة الذين رفضوا تحمل المسؤلية التاريخية في اعلان وفاة المشروع وتركوها لشخص صعد من سائق في زمن الانقاذ لا يجيد القراءة والكتابة الي امين عام لنقابة اكبر مشروع في الشرق الاوسط ومن ثم مكلف بتصفية مشروع الجزيرة ، لذلك لم يكن غريبا ان يتم بيع كل اصول المشروع والسرايا والمنازل التي تم توزيعها لضباط في الشرطة ، كما تم بيع الاراضي والمكاتب الى جانب السرقة االمنظمة لكل ممتلكات المشروع بمجرد توقيع خروج القرار من مكتب النائب الاول حينها علي عثمان محمد طه ، وقد كان وراء ذلك لجنة برئاسة (كمال النقر) مع مجموعة منتقاة من اعضاء نقابته تتبع له حتي وصل الامر بالمشروع الي هذا الحال الذي نراه الآن.
مراحل اغتيال المشروع
دخول التمويل عبر محفظة البنوك والبنك الزراعي كان واحدا من اهم المشاكل التي عملت علي تدمير المشروع منذ بواكير حكومة الانقاذ ، حيث ارتفعت اسعار الفائدة غير انه لم يعد هناك أي فوائد يجنيها المزارعين من الزراعة مما جعل كثير منهم يهجر العمل في الزراعة بعد ان صار المزارع بسببها الى جانب الاعسار يقبع في السجون، ثم حدث التدهور الكبير في مردود المشروع بعد ذلك حتى الوصول الي قانون 2005م الذي اعتبره الكثيرون المسمار الاخير في نعش مشروع الجزيرة ، لكن هل كان القانون وحده هو المشكلة الكبري في المشروع ام ان مع القانون كانت هناك اسباب اخري مثل الفساد الذي فاحت رائحته في شركة الاقطان ومحالج مشروع الجزيرة ؟ وهل كان وراء ذلك الملفات الكبيرة التي دمرت المشروع بصورة لم يسبق لها مثيل ؟ بلا شك كل هذا مجتمعا هو السبب في ما آل اليه حال المشروع حاليا حيث تضافرت كل هذه العوامل في تدمير هذا المشروع الحيوي والكبير وعماد الاقتصاد القومي في السودان منذ الاستقلال ، فكيف حدث هذا؟
بعد ان كان المشروع يدار عبر عشرة الف وخمسمائة عامل وموظف تم تقليصهم في 2008م بعد اجازة المشروع الي الى ثلاثة الف وخمسمائة عامل ، سلمت ادارة امرهم الي لجنة بغرض تصفية المشروع ، وكما هو معلوم كان الآمر والناهي هو كمال محمود النقر الامين العام لنقابة العاملين ويقال ان مدير المشروع في العام 2011م حين سئل عن المشروع ، قال ( انا لا اعرف شيئا عن المشروع اذهبوا الي كمال النقر فانا تم تعيني في هذا المنصب حتي تكتمل عملية تصفية وبيع المشروع علي يديه وهو يمتلك تفويضا بعمل كل ما يلزم من اجل انفاذ قانون العام 2005م حتي النهاية ) ، وهو ما قد كان في نهاية الامر حيث لم يتبقي من ممتلكات المشروع شيئا مثل ماهو واضح في الوثائق المرفقة.
من سخرية القدر فان كمال النقر وبحسب قانون الخدمة العامة من المفترض ان يكون قد غادر الخدمة اواحيل الى المعاش منذ 1/1/2004م ، حسب ( بطاقة التأمين الصحي المرفقة والتي توضح تاريخ ميلاده في 1/1/1944م ) ، لكن من غيره يستطيع ان ينفذ سياسات الانقاذ في الجزيرة ويدمر المشروع الاكبر لذلك ابقت عليه السلطة الحاكمة في السودان ومنحته من الحماية ما لم يكن يحلم به حيث كان نائب الرئيس السابق علي عثمان محمد طه يقول وعلي رؤوس الاشهاد (كمال النقر خط احمر ) ، وقد شكلت له والمجموعة التي يقودها حماية من قبل الدولة حتي قاموا بتصفية المشروع عن اخره ، وياليت الاموال المتحصله من ذلك ذهبت الي الخزينة العامة علها تخفف قليلا من الدمار لكن للاسف ذهبت الي حساباتهم وحسابات من جاء بهم للقيام بهذه العملية وظهرت عليهم اثار الثراء بسرعة متناهية ولا غرو فالرجل هو الممول لكل انشطة المؤتمر الوطني بولاية الجزيرة حسب المعلومات التي يتم تداولها بصورة واسعة في الولاية.
اذا هذه هي قيادات المزارعين المنوط بها الدفاع عنهم لكنها لم تقدم خداماتها لهم منذ تعيينها، بل عملت لصالحها وعاداها المزارعون واشتكوها في المحاكم، لأنها غير شرعية ولا تمثلهم وتمترست هذه القيادات في عدم الغاء قانون 2005 الذى أخرج من يد المزارعين المحصول النقدي، وجعل أراضيهم مرهونة يدخلون السجن بسبب الإعسار حتى باعوا حواشاتهم، وقد سيطرت عليها الادارة بكل ما تملك من قوة بدون تاهيل بل أن آخر ما وصلت إليه هذه القيادات هو إنشاء مجلس لشركات الخدمات الزراعية المتكاملة التي تم تمويلها من البنك الزراعي بتوصية من القيادة العليا في الدولة برأسمال قدره ( 220 ) مليار جنيه ، وكل ذلك خارج الاجراءات المتبعة للتمويل بالمصارف، والمشكلة أن هذه الشركات ليست لديها الخبرة الهندسية والفنية التي تؤهلها للعمل بالمشروع ما أدى إلى تخريب الترع وعدم صلاحيتها لأي معالجات، إضافة إلى ذلك تملك هذه الشركات آليات لا تلائم طبيعة المشروع ولا تلتزم بالعمل داخله، بل تعمل في أنشطة أخرى خارج مشروع الجزيرة مثل التنقيب عن الذهب .
ويقول تقرير نشره بروفيسور عبد الله عبد السلام: إن بنيات المشروع المميزة التي بنيت عبر سنوات طويلة تم التصرف فيها في الاعوام الأخيرة ، وتم توزيعها على بعض المؤسسات التي سميت باسم المزارعين في اطار سياسة تمليك المزارعين وسائل التمويل والتسويق، ومثال لذلك شركة الأقطان التي آلت اليها ممتلكات مشروع الجزيرة في بورتسودان ليمثل ذلك مساهمة مزارعي المشروع في الشركة، ومثل آخر بنك المزارع التجاري الذي أعطى حق جلب المدخلات مثل: المبيدات والاسمدة فتم التنافس بين أعضاء اتحاد المزارعين في توزيع المناصب رغم أن قانون تنظيمات العمل لا يمنحهم ذلك الحق في تمثيل المزارعين في مختلف تلك المؤسسات دون تفويض منهم
وقد تدهورت البنية الأساسية للإدارات التي تقدم خدمة جليلة للمشروع، مثل: الهندسة الزراعية، سكك حديد الجزيرة ، المحالج والاتصالات السلكية واللاسلكية، بل وصل إلى حد التصرف في البنيات الهيكلية التي يدار من خلالها المشروع، مثل: رئاسات الأقسام ومكاتب التفتيش وكل المساكن التي كان يستغلها العاملون وكذلك العمالة المؤقتة، وظل هذا النهج مستمرًا تحت سمع وبصر متخذي القرار حتى فترة قانون 2005، حيث شعر مجلس إدارة مشروع الجزيرة امتلاكه كامل الحرية في التصرف في البنية التحتية للمشروع، فشرع في بيع العديد من المقتنيات حتى بات المشروع يعيش حالة من عدم الاستقرار والانفلات، فأوحى ذلك إلى المزارعين وقاطني المشروع أن إدارة المشروع بدأت في تشليعه ما ساعد في وتيرة الاعتداء على ممتلكات المشروع، وفشلت كل المحاولات في ايقاف هذا النهج حتى صار المشروع نهباً لكل من هب ودب داخل المشروع وخارجه
ويقول عدد من الموظفين تحدثوا الى فريق ( عاين ) أن الحكومة رغم انها تدرك كل ما لحق بالمشروع وتعرف حجم الضرر الذي وقع عليه من جراء قانون 2005 م والفساد الذي استشري فيه علي ايدي من ملكوا القرار وقاموا بتصفية المشروع وعلي الرغم من تقارير لجنة تاج السر مصطفي ولجنة عبد الله عبد السلام وكل اللجان التي مرت علي المشروع ، الا أنها لم تقم باي اجراءات لمحاسبة من قاموا بسرقة المشروع سواء كانوا من اللجنة التي كلفت بالتصفية او اعضاء مجلس الادارة المعين لتنفيذ قانون 2005 حتي صار المواطن العادي في قري المشروع يقوم بأخذ قضبان السكك الحديدية التي كانت تنقل قطن المشروع الي المحالج (تلك قصة اخري) والي مواني التصدير ببورتسودان باعتبار ان المشروع قد تدمر بالكامل ولم يعد ينتج اصلا
تعتبر محالج مشروع الجزيرة من أكبر العوامل التي أدت إلى تنمية وعمران منطقة وسط السودان منذ عشرات السنين، إذ أن هذه المنطقة من أكثر مناطق السودان كثافة سكانية وتنمية عمرانية، وقد كانت لإدارة المشروع في ذلك الوقت نظرة استراتيجية في طريقة توزيع المحالج على المنطقة، فقد أقيمت في منطقة مارنجان والحصاحيصا والباقير .ااا
وفي منطقة الباقير الواقعة على تخوم العاصمة ادى قيام المحلج فيها الى انشاء منطقة الباقير الصناعية، فيما بعد واجتذبت قاعدة سكانية عاملة بطريقة غير مسبوقة وقدمت تنمية الى المنطقة وعمرانها ودخول كافة الخدمات إليها من تعليم وصحة وخدمات الأمن والهاتف والأسواق الكبيرة وتشغيل العمال ، كذلك الحال بالنسبة لمنطقة الحصاحيصا، والذين يستخدمون طريق مدني يمكنهم ملاحظة ذلك بسهولة .
ومن خلال الجولة داخل المشروع تري منطقة مارنجان التي تقام عليها المحالج مفتوحة لا يحرسها أي أشخاص كما كان موجودًا في السابق ما يدل على أن المحالج سرقت أصولها ولم يعد هناك أي داع لحراستها ، وكانت جوالات القطن القديمة ملقاة بإهمال في الساحة، وقد تساقط القطن على جنباتها في منظر قذر ، والسؤال الذي يتبادر للذهن ( لماذا يلقى ببقايا القطن في هذا المكان؟ )، ولكن المفاجأة تلجمك حين تعلم بأن هذه الجوالات هي معدة لدخول المحلج للحلج، وأن هذا القطن هو من نوع القطن المخلوط الذي اكتشف داخل الماكينات .
الآن المحالج خربة وقد صارت مأوى للغربان والعديد من الحشرات، بل أن مواقع المحالج الأخرى صارت مكان لمهن وأشخاص يجلسون داخلها دون معرفة للأسباب، أبواب ونوافذ هذه المحالج غير موجودة، وليس هناك أي أثر يدل على أن هذه الخرابات كانت في يوم من الأيام مواقع لصنع المحصول الذي أقام الاقتصاد السوداني لعشرات الأعوام وكان منظر إدارة المحالج وهي بعيدة عن إدارة المشروع، يحكي عن أمر جلل شل قدرة الإدارة وأقعدها حتى حركة الموقع لا تدل على وجود محالج وعمال كما كان يوجد في السابق، وهو المحلج الوحيد الذي تعمل ماكيناته تدور بخمول وهي تصارع القطن المخلوط الذي أفرزته سياسة الدمار وهي تحرص على تصفية وحدة اكثار البذور من جذورها حتى تسمح للفوضى والربحية بتحطيم سمعة القطن في الأسواق العالمية .
ومحالج مشروع الجزيرة من أعظم المعالم في المشروع وأهمها على الإطلاق، لأنها قامت لخدمة المحصول النقدي المهم وهو القطن إلى جانب أن غالبية العمال بالمشروع هم يعملون في المحالج ، والشئ الذي يسترعي الانتباه فعلاً في عمال المحالج خبرتهم التامة بهذا العمل مهما تطورت أساليبه إلى درجة اكتشاف الأخطاء قبل بقية الموظفين، وهذا ما حدث بالفعل في حادثة القطن المخلوط.
وقد ذكر عامل في محلج مارنجان لشبكة ( عاين ) أن الإدارات السابقة كانت تقوم بتحفيزهم على الانتاج وتهتم بتدريبهم ولا تبخل عليهم بحق التعرف على الجديد في هذه الصناعة الشئ الذي جعل عملهم متقناً على عشرات السنين ولم تصل يوماً شكوى من حلج القطن من مرتادي أسواق القطن العالمية .
تاريخ وأنواط
يقول تقرير دكتور عبد الله عبد السلام حول مشروع الجزيرة الحالة الراهنة: إن محالج مشروع الجزيرة تأسست في العام 1924 ووزعت جغرافياً على ثلاثة مواقع الحصاحيصا ، الباقير ورئاسة المحالج بمارنجان بالقرب من رئاسة المشروع ببركات.
ويبلغ عدد المحالج بالمشروع (12) محلجاً منها ( 10) محالج أسطوانية ، ( 2 ) محلج منشاري ومعها ( 5 ) مكابس تستخدم لحلج كل أنواع القطن ( طويل ، متوسط وقصير التيلة ) ، أضيف للمحالج القائمة ( 2 ) محلج للزغب أحداها بمارنجان والآخر في الحصاحيصا، وذلك في تسعينيات القرن الماضي بغرض توفير بذور للتقاوي النظيفة ولأغراض الصناعة وفوق هذا وذاك يوفر عائدًا كبيرًا من بيع الزغب الذي يدخل في عشرات الصناعات ومنها على سبيل المثال المفرقعات .
الطاقة المحليجية للمحالج الاسطوانية العشرة حوالي ( 750. 248 .1 ) قنطار من القطن الزهرة في الموسم وهي تعمل على حلج الأصناف طويلة التيلة (بركات ) والمحالج المنشارية 2 محلج بطاقة (000 . 324 ) قنطار من القطن الزهرة في الموسم مخصصة للأصناف متوسطة وقصيرة التيلة أكالا وشمبات.
والمحالج تعتبر من أهم مراحل تجهيز القطن للمصانع المحلية أو الصادر، حيث يتم انتاج القطن الشعرة والبذرة من القطن الزهرة وهذه المخرجات ومواصفاتها تعتمد تماماً في جودة عملية الحلج وخاصة درجة الرطوبة والنظافة ما يتطلب حسن الصيانة والتشغيل، والمحالج أصابها ما أصاب المشروع من مشاكل ومصاعب في الصيانة والمحافظة على مستواها الذي عرفت به ، وقد ربطت المحالج بسكك حديد الجزيرة بصورة متميزة وكذلك بسكك حديد السودان، وأن كانت الأخيرة قد توقفت من زمن طويل .
والمحالج آلت ملكيتها للعاملين بالمشروع في اطار ما عرف بتصفية الإدارات الخدمية بالمشروع وهي المحالج والسكة الحديد والهندسة الزراعية والمحالج تظل بدون جدوى إذا قرر مزارعو المشروع عدم زراعة القطن بالمشروع فحينها تكون المحالج عبئاً ثقيلاً على العاملين، ولكن طبيعة الأشياء تقول غير ذلك حيث يظل القطن أحد الخيارات المهمة بالنسبة لمزارع الجزيرة لملاءمة طبيعة ومناخ المشروع لزراعته وللخبرة الكبيرة المكتسبة في هذا المجال إضافة إلى أن أغلب البنية الأساسية بالمشروع صممت أساساً لخدمة هذا المشروع، وتظل المحالج أهم مقومات مشروع الجزيرة برغم ما حدث وما سوف تصير إليه الأمور .
والمحالج مزودة بعربات إطفاء ومعدات مكافحة الحرائق وشبكة المواسير والصهاريج الأرضية وطلمبات المياه وأجهزة إطفاء ذاتي داخل كل المحالج بالمواقع الثلاثة وعدد من الموازين عالية الدقة وتصلح للأحمال الكبيرة التي تزيد عن 80 طناً وترلات السطح لترحيل القطن الزهرة وعربات نقل يدوية وهي مربوطة بشبكة النقل بسكك حديد الجزيرة وسكك حديد السودان
ظلت المحالج تعمل بصورة جيدة رغم ضعف التكلفة التي تفرضها عليها إدارة المشروع، وبالرغم من ذلك كانت تدعم إدارة المشروع بفائض ايراداتها في بعض الأحيان، وقدرت الأصول الثابتة والمتحركة للمحالج عام 2006 بنحو 135 مليون جنيه (مليار) بالقديم .
قضت أحكام مشروع الجزيرة لعام 2005 بخصخصة المحالج وتمليكها للعاملين بالمشروع ، وحسب تقرير الإدارة الحالية للمحالج هناك مشكلة مالية ناجمة عن قلة الإيرادات لضعف العمل بسبب قلة القطن الوارد للحلج مما اضطرها لبيع بعض الأصول لتوفير موارد مالية لمقابلة التزاماتها ، وأوصت تقارير اللجان التي تم تعيينها للمشروع (تاج السر :عبد الله عبد السلام) بإجراء تحقيق قانوني للاجراءات التي اتخذت لتنفيذ القرارات الرئاسية بتمليك العاملين المحالج دون تقييمها وبدون اجراءات تسليم وتسلم المستندات وتحديد المسؤولية عن هذه التجاوزات وتقييم المحالج المملوكة لمشروع الجزيرة لتحديد قيمتها وتضمينها في الشركة الخاصة بالعاملين واستبعادها من سجل أصول المشروع والتأكد من ملكيتها لكل العاملين بالمشروع 3577 عاملاً حسب اخر عدد تمت الغاء وظائفه ، كما جاء في القرارات الرئاسية القاضية بذلك والعمل على استكمال المستندات والاجراءات وتوثيق عملية التصرف بطريقة تثبت حقوق الدولة وتسترد الأصول والممتلكات وتحفظ حقوق الجهات والأشخاص الذين آلت إليهم بعض الأصول بطريقة غير قانونية ، فمن هم هؤلاء الذين آلت اليهم هذه الاصول هم مديري شركة ارض المحنة سابقا والشركات اللاحقة التي قام بانشائها كمال النقر واخرين لتصفية المشروع وللغرابة ، فان شركة ارض المحنة بعد ان قامت بتصفية المشروع تماما من محالج ، اراضي ، منازل ، سرايات وكل ممتلكات المشروع اختفت هي واوراقها واختامها عن الوجود كان لم تكن اصلا موجودة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.