سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مطار الخرطوم الجديد.. حلم تغلفه الأسرار..عبد الرحيم حمدي: تصريحات وزير المالية بشأن تمويل المشروع (نتف نتف)!.. الناطق بإسم الطيران المدني: علاقتنا بالمطار الجديد صارت في ذمة التاريخ
مشروع بدأ بآمال عراض، ربما كان مبعثها دراسة نُسبت إلى شركة طيران (لوفتهانزا) الأوروبية، خُلصت إلى أن مدينة الخرطوم، إلى الجنوب من الصحراء الأفريقية الكبرى، هي أنسب موقع لخدمة الطيران المار بأفريقيا من وإلى أوربا، من حيث تزويد الطائرات العابرة بالوقود والطعام، وكذا خدمات الترانزيت (التوقف المؤقت) الأخرى. فكان من شأن ذلك الإسراع بنفض الغبار عن مشروع بقى حبيسا في أضابير هيئة الطيران المدني منذ أربعين عاما، والسعي قدما لتنفيذه على أرض الواقع، فضلا عن ضيق المطار الحالي ومحاصرته بالعمران المتنامي، كسبب مضاف إلى جملة بواعث إنشاء مطار الخرطوم الدولي الجديد. على أنه سرعان ما خفتت سيرة المشروع، وصار يسمع عنه لماماً.. لماما، لأسباب سعينا لمعرفتها، وهذا حقنا في الصحافة، وليس من جهة مهما بلغت سيادتها أن تمنعنا من ممارسته!. مطار الخرطوم الدولي الجديد، حلم صار في طريقه إلى النسيان، أولا، المعلومات حوله تكاد تكون غائبة مخفية بفعل فاعل ربما، أو لدواع توقف التمويل، احتمال، بيد أن الجهة المسئولة عن تنفيذه، لا تكاد تبارح محطة الصمت العميق دون البوح بما في الجرة من أسرار!. فتبعية الهيئة المتابعة لتنفيذ المشروع إلى رئاسة الجهورية، (وحدة تنفيذ مطار الخرطوم الدولي الجديد) يكسبها بعدا سياديا بلا شك، مثلها والهيئة التي نفذت سد مروي، (وحدة تنفيذ السدود) ، التي أريق بشأن سلطاتها المهولة، الحبر الكثيف، هذه التبعية جعلتها كائنا فوق النقد أو التقصي أو مجرد السؤال عن عملها، ذلك من واقع تجربة شخصية معهم، أحساس القائمين عليها، هو هذا الإحساس. مارسوا ما يحسون به من علو، ومارسنا ما نؤمن به من سيادة. فما هو مشروع المطار الجديد، وإلى أين مضى تنفيذه؟، مصادر تمويله؟، حقائق هذا التمويل؟، جدوى إنشاء وحدة تنفيذ خاصة بمطار الخرطوم الجديد بعيدا عن هيئة الطيران المدني ذات الخبرات الفنية المتراكمة منذ إنشائها في أربعينيات القرن الماضي؟، ولما خبأ الحديث عن المطار في وسائل الإعلام والمنابر العامة؟. قضايا حاولنا التطرق إليها في سياق التحقيق التالي، دون أن نستجيب لتهميش مسئولي الوحدة لحقنا في السؤال والتقصي؟!.. المطار الجديد.. الفكرة والمولد: بدأ التفكير في إنشاء مطار جديد بديلا عن المطار الحالي، في سبعينيات القرن الماضي. وأجريت الدراسات التمهيدية حول اختيار الموقع لكنها توقفت لأغراض التمويل. ثم حدث واستؤنفت الدراسات من قبل إدارة التخطيط بهيئة الطيران المدني، منتصف عقد التسعينيات الماضية. وتم اختيار الموقع بالمفاضلة بين ثلاثة مواقع اقترحت للمطار الجديد (شرق النيل-جنوبالخرطوم-جنوبأم درمان). ووفقا للمعايير والأوزان المتعارف عليها دوليا والتي نصت عليها منظمة الطيران العالمية (الايكاو)، استخدامات الأرض والمساحة المتاحة، قابلية التوسع، شبكة الطرق، البعد عن مركز المدينة، والأثر على التخطيط المستقبلي للمدينة. ثم العوامل الفنية والتشغيلية، وتشمل التداخل في المجال الجوي، وضوح الرؤية، العوائق حول المطار، عامل التأمين، والطيور. فالعوامل الطبيعية وتشمل طبوغرافية الأرض، طبيعة التربة، توفر مواد التشييد. والعوامل البيئية والاجتماعية والسياحية وتشمل التلوث البيئي، التأثير على تركيبة السكان، المقومات السياحية الطبيعية، والطيران فوق مساحات مأهولة بالسكان. كان أن نال موقع جنوبأم درمان نسبة (86%) وموقع شرق النيل نسبة (81%) وموقع جنوبالخرطوم نسبة (74 %)، وعليه تم تفضيل واختيار موقع جنوبأم درمان، الذي يبعد 40 كم من وسط مدينة الخرطوم. وعلى غرار نهج تنفيذ مشروع سد مروي، بعيدا عن وزارة الري، تقرر بموجب القرار الجمهوري رقم (443) لسنة 2005م إنشاء وحدة متابعة تنفيذ مشروع مطار الخرطوم الدولي الجديد، على أن تكون لها شخصية اعتبارية مستقلة إدارياً وفنياً ومالياً (عن هيئة الطيران المدني) وتتبع لإشراف وزير رئاسة الجمهورية. وهكذا تقرر بناء مطار الخرطوم الدولي الجديد على أحدث طراز وفي المواعيد المحددة ليسع حركة الطيران لمدة 25 سنة. بدأ العمل في موقع المشروع في مايو 2006م، وطبقا للتقديرات الأولية في ذلك التاريخ، أن ينتهي العمل منه في العام 2009م، فيما يبدأ التشغيل في الربع الأول من العام 2010م. ملامح وطموحات: طبقا للمعلومات المضمنة، الموقع الإلكتروني لوحدة تنفيذ مطار الخرطوم الجديد، ينتظر أن ينشأ المطار في مساحة قدرها 77 كلم، على أن يبدأ بمدرجين على الأقل بطول 4000 متر وعرض 60 مترا لكل مدرج، وتباعد 2 كلم، وعلى حسب التصميمات التي وضعت من قبل شركة (دورش) الألمانية، تبلغ سعة المطار 7,4 مليون راكب في السنة، على أن يتدرج ليصل إلى 10 ملايين في السنة. وملحق بالمطار فندق عالمي بسعة 300 غرفة، ومركز متطور للمؤتمرات، إضافة إلى مركز لرجال الأعمال بمساحة 13 ألف متر ويسع 15 غرفة مساحة الغرفة من 50- 100 متر مربع. مركز تجارى بمساحة 8 آلاف متر مربع، ومركز تموين للطائرات بمعدل 300 وجبة في اليوم، يستوعب 450 عاملا. يضم أيضا مركز لصيانة الطائرات بموقف مساحته 65 ألف متر مربع و300 عامل عبر نظام الورديات، وبالمطار 18 بوابة بهدف أن تتم كل إجراءات دخول المطار خلال 20 دقيقة وتستوعب 200 راكب في الساعة. وبالنسبة للطاقة الكهربائية، تقرر إنشاء مولدين منفصلين قدرة كل منهما 1000 كيلو فولت، يتم توصيلهما معاً لضمان استمرار الطاقة في حالات الأعطال أو الصيانة لإحدى المحطتين ويعملان بالتبادل مع كافة توصيلاتهما. رسم مخطط لحفر بئرين وخطي مياه بطول كلي 15 كلم من مواسير (بي. في. سي) عالية الكثافة بقطر 225 ملم لتوصيل المياه، بالإضافة إلى محطة لتنقية المياه. ومن ضمن الأعمال الإنشائية الرئيسية للمطار، تشييد صالات مسافرين (مغادرة- وصول) للرحلات الدولية والمحلية، تشييد صالات حج وعمرة، صالة رئاسية، صالة الطيران الخاص، إضافة إلى تشييد مجمع قرية البضائع. إلى ذلك حدد إنشاء محطة وقود رئيسية للطائرات، إنشاء مبنى إدارة المطار، مدينة سكنية للعاملين، مواقف سيارات، والطرق الرئيسية وأخرى فرعية تربط المطار بالمدينة. التمويل.. سر الأسرار: على الرغم من ذكر وحدة تنفيذ المطار الجديد، في موقعها، أن مجموعة "رايات عالية السعودية" هي الممول لمشروع بناء مطار الخرطوم الدولي الجديد، إلا أنه لا معلومات متوفرة حول هذه المجموعة، كما أن الوحدة لم تبين التكلفة التقديرية لإنشاء المشروع والمبالغ المقدرة لإكمال التنفيذ والتي هي بتمويل من رايات عالية المذكورة!. ليس هذا فحسب، بل وأغلقت الوحدة الباب أمام الصحافة للاستفسار عن هذه النقطة. فمن خلال تجربتي الشخصية بالذهاب إلى مقر وحدة تنفيذ المشروع بطريق عبيد ختم شرقي مطار الخرطوم الدولي الحالي، والتي حصدت من خلالها، خفي حنين، كان عنوانهما المماطلة والتسويف، من قبل عناصر الأمن والاستقبال بالبهو الرئيسي للمقر الفخم للوحدة، لمجرد طلب (الأخبار) إتاحة الفرصة لمقابلة المسئولين بالوحدة، للإجابة على التساؤلات الخاصة بالتمويل وما يعيق تنفيذ المشروع إجمالا، لفائدة صديقنا القارئ. ولكن لا يهم كل ما مضى، المهم أن نتقصى أكثر دون الالتفات للعوائق الصناعية والمطبات الطبيعية. فكان أن استطلعنا الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق، د. عبد الرحيم حمدي، والذي قال ل(الأخبار) في إجابة مقتضبة لسؤال عن مالية المشروع، أن الحقائق غير واضحة، ولا وجود لمعلومات ناصعة يمكن الاستيثاق منها، وأن ما يخرج من وزير المالية من تصريحات، عبارة عن (نتف.. نتف)، فمرة عن تمويل من صندوق عربي وأخرى عن تمويل مجلس من بيوتات التمويل، على حد تعبيره. كان رئيس وحدة متابعة تنفيذ مشروع مطار الخرطوم الدولي الجديد، اللواء د. عبد الكريم عبد الله، قال في تصريحات صحافية الشهر الماضي، إن الصناديق العربية أعلنت عن المشاركة في تقديم التمويل لمشروع مطار الخرطوم بمبلغ (680) مليون دولار.. مضيفا أن هذه المبالغ سيتم استخدامها في تمويل البنيات الأساسية للمشروع من المدرج، والطرق الداخلية، وبرج المراقبة، ومجمع الخدمات. وفي الأسبوع الأول من مايو المنصرم وقّعت الحكومة والبنك الإسلامي للتنمية جدة، بالأحرف الأولى على اتفاقية قرض بمبلغ (120) مليون دولار، لصالح تنفيذ مطار الخرطوم الجديد. وقال رئيس بعثة التقييم بالبنك الإسلامي جدة، إنه سيقوم برفع الاتفاقية، التي تمّ التوقيع عليها مع الحكومة السودانية لمجلس إدارة البنك، لإجازتها في صورتها النهائية، مطلع أغسطس المقبل. يذكر أن وزارة المالية وقعت بالأحرف الأولى اتفاقية في فبراير الماضي، لتمويل مطار الخرطوم الجديد، بين السودان والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بمبلغ 175 مليون دولار. وقفة مع خبير: لم أعجز من البحث خلف سياج السرية المضروب حول المشروع. ما أرقني ابتداءً مسألة الجدوى الاقتصادية من إنشاء وحدة خاصة لمتابعة تنفيذ مشروع المطار، وبسؤالي للناطق الرسمي باسم هيئة الطيران المدني، الأستاذ عبد الحافظ إبراهيم، والذي أجابني في جملة واحدة، بأنه لا علاقة لهيئة الطيران المدني بمشروع مطار الخرطوم الدولي الجديد، منذ أن صدر القرار الجمهوري بإنشاء وحدة متابعة تنفيذ المطار الجديد، فعلاقتنا بالمشروع من مجرد تاريخ خاص بالدراسات الأولية عن المشروع المعدة من الهيئة في حقبة السبعينات. توجهت بحيرتي إلى الخبير الاقتصادي، د. محمد الناير، بذات السؤال، فأجاب (الأخبار) بالقول، لا جدوى من ذلك. فأولا، الوزارة المعنية، إذا كانت فاعلة وناجزة بمعنى لديها القدرة على تحقيق الانجازات، فلا داعي لقيام وحدات تنفيذية خاصة للمشروعات الكبرى، إذ أن في قيام الوحدات الخاصة إلقاء بأعباء صرف وموازنات ضخمة على كاهل الدولة. ثانيا، فإن وجود هذه الوحدات يحدث ازدواجية بالنسبة للسلطات الخاصة بتنفيذ المشروعات المعنية لأن الوزارة معنية تذخر بالفنيين والكوادر والخبراء المختصين ذوي المقدرة على متابعة المشروعات الكبيرة. ويضيف بأنها تبدو وكأنها ظاهرة، فمع وجود وزارة مختصة بالري، أنشئت وحدة تنفيذ السدود، ومع وجود هيئة للطيران المدني، أنشئت وحدة تنفيذ المطار الجديد، ومع وجود وزارة للزراعة، أُنشئت أمانة النهضة الزراعية، معتبرا ذلك، إما لعجز الوزارة المعنية عن قيامها بالمهمة المحددة، وهذا يستدعي إعادة النظر في هيكلية الوزارة، أو لأهداف سياسية، موضحا أن هذه الظاهرة، في حال استشرت، ستشكل خطورة، إذ أنه ستصبح بمثابة وزارات ظل موازية للوزارات القائمة، ولا نستبعد حينها، إنشاء وحدة لإدارة المراكز الصحية في الأحياء السكنية مع وجود وزارة الصحة. وفي إجابته على سؤال حول تواري سيرة مطار الخرطوم الجديد، يرى د. الناير، أن ذلك يعود لمجموعة من الأسباب، بيد أن هذا المطار الجديد يفترض أن لا يتأخر إنشاؤه على الإطلاق، لأن المطار الحالي لديه الموارد الضخمة من خلال الخدمات التي يقدمها للطائرات عموما، كما أن المطار الجديد سيستقطب خدمات جديدة لا يستطيع المطار القديم تقديمها. ويمضي موضحا ليزيد، إن مطار نيروبي يقدم خدمات التزود بالوقود وخدمات أخرى للطيران العابر لأفريقيا شمالا وجنوبا، بينما أن الموقع الجغرافي للسودان هو الأنسب ويمكنه من التقدم بهذه الخدمات بشرط إنشاء مطار بمواصفات عالمية وبمستوى خدمات بمعايير الجودة العالمية ومن شأن ذلك أن يدر موارد ضخمة للسودان. الخبير الاقتصادي، يعتقد بأن بيوتات التمويل والصناديق العربية تعلم تماما أنها إذا ضخت أموالها في مشروع المطار الجديد، ستعود إليها بنسبة 100% وبالزيادة، إذا ما أنشئ قرية للصادر على سبيل المثال ضمن مشروع المطار، تمكن من تصدير اللحوم إلى الخارج، بأفضل من ما يحدث حاليا، حيث تخزن لحوم الصادر بعد أن تستجلب من مسافة تقدر ب50 كم، في ثلاجات، قد تتوقف لأي سبب وقد ترجع إلى مصدرها، مما يأتي بخسارة مالية. ويضيف إلى أسباب تأخر تنفيذ المشروع والذي أُفترض بداية أن يبدأ العمل به في الربع الأول من العام الجاري، الأمر الذي لم يحدث، بالطبع، إلى نقص التمويل، (لم يقطع الخبير الاقتصادي برقم محدد للتكلفة الكلية للمشروع إلا أنه رجح رقما قد يتخطى مبلغ الألف مليون دولار) لعدم المتابعة السياسية للمشروع، بمثل ما حظيت به وحدة تنفيذ سد مروي، من متابعة مستمرة للمشروعات بدقة، وإن حدث تأخير أحيانا إلا أنه لم يكن مخلا. لكن د. محمد الناير، ينبه في إفادته ل(الأخبار) إلى أن الناظر إلى موقع المطار الحالي، باعتبار النظر بالعين مؤشر من أرض الواقع، يكاد يصل إلى قناعة بأن المطار الجديد مشروع قد يستغرق سنوات وسنوات إضافية، إذ أن المباني والإنشاءات الجديدة في المطار الحالي لا تمنح الشخص العادي، سوى إحساس بأن المطار القديم سيبقى عاملا لعشرات السنوات. تحقيق: عادل حسون