نجمتان وعشرون كوكباً شكلوا مجموعة مضيئة رحلت خفافاً في العام المنقضي لتترك غصة وحزناً عميقاً لا ينمحي بين جنبات الوطن العزيز إعداد: حسن الجزولي ما كادت تهاني العام الجديد تكف عن التدول بغبطة وبهجة حتى يفاجأ الناس بفجيعة الرحيل المباغتة منها والمتأنية والبطيئة تبدأ مع أول شهور العام الجديد، رغماً عن الأمنيات القلبية الواسعة بقضاء عام سعيد تترى فيه الأفراح تباعاً لتخفف رويداً من رهق الأحزان التي تسارعت خطاها في العام السابق. المناضل عبد الحميد علي القيادي بالحزب الشيوعي السوداني، كان في أول قائمة تلك الكوكبة المضيئة من الراحلين الذين تحرك قطار قافلتهم من محطة الحياة إلى دار الخلود، ثم تُفجع البلاد في رحيل شاعر الشعب محجوب شريف بعد معاناة طويلة مع المرض اللعين الذي تسببت فيه الاعتقالات وزنازين الحجز طويلة الأمد، يرحل في العام المنقضي أيضاً أكاديمي بارز وأستاذ جامعي وكادر آخر من قيادات الحزب الشيوعي في قامة البروفيسور فرح حسن آدم، ويلحق به أكاديمي أخر هو الشاعر والأستاذ الجامعي محمد الواثق، ثم لا تلبث دوائر الحزب أن تفجع مرة أخرى في رحيل الأستاذ بابكر محمد علي أحد رؤساء تحرير صحيفة الميدان البارزين في حقبة سابقة، يفجع الشيوعيون آخيراً في الرحيل الفجائي للكاتب المرموق بروفيسور كامل إبراهيم حسن. وفي حقل الابداع والفنون والأدب تفجع البلاد التي ظلت تتوجع على الدوام في قاماتها برحيل الشاعر محمد عثمان عبد الرحيم شاعر "أنا سوداني" ويرحل المطرب الشعبي عثمان اليمني، كما تنقل الأنباء الحزينة الرحيل المفاجئ للمطرب الفاتح قميحة، ليعقبه المطرب الشعبي إدريس إبراهيم، كما يرحل كل من يس عبد العظيم ومطربة الحركة الشعبية قطاع الشمال نعيمة أبيض إثر غارة حربية مؤسفة أودت بحياتها ضمن عدد من المدنيين الأبرياء، وتعزف موسيقى الكمان والناي الحزين أنغام الوداع في رحيل كل من الموسيقار البارز والمحبوب محمدية والملحن حسن بابكر ووتدور أصوات الساقية الحزينة بأنينها الموجع فتنقل نبأ رحيل الملحن القدير ناجي القدسي. وفي فنون التشكيل والكاريكاتير يرحل عبد العظيم بيرم بعيداً وهو في وحدته يجتر آلام الاهمال والنسيان الذي لحق به. في أروقة الاذاعة والتلفزيون تنقل لنا موجات الأثير فاجعة رحيل كل من عفاف صفوت أول مذيعة سودانية بالاذاعة والتلفزيون ثم الاذاعي المخضرم الفاتح الصباغ بعد معاناة طويلة مع مرضه العضال. تتوالى أحزان الشعب والوطن عندما تنقل الأنباء المؤسفة رحيل شوقي ملاسي المحامي أحد الكوادر الوطنية البارزة التي صارعت الديكتاتوريات العسكرية من مواقعه القيادية في حزب البعث. وفي دوائر حزب الأمة القومي تفجع البلاد برحيل الأمير عبد الحميد الفضل عبد الحميد القيادي بالحزب العريق والناطق الرسمي باسم المكتب السياسي لحزب الأمة حتى لحظة وفاته. وتفجع البلاد أكثر من مرة في الرحيل المباغت لرجل البر والاحسان محمود صالح المثقف المرموق والرأسمالي الوطني ورجل الأعمال البارز والسفير المتجول لمركز عبد الكريم ميرغني الثقافي. وتمتد الأحزان لمجتمع الرياضة فيختطف الموت كابتن ماجد لاعب المريخ الدولي والفريق الأهلي السوداني خمسينات وستينات القرن الماضي. لقد مضى جمعهم خفافاً والبلاد في أمس الحوجة لهم ولأمثالهم في هذا الظرف الحساس والدقيق والذي تمر به بلادهم، لهم جميعاً الرحمة والمغفرة والخلود في أفئدة وضمائر نسائ السودان ورجاله من الذين يعرفون قدر المخلصين والمخلصات والبقاء لله وللوطن والشعب الذي عرف وخبر كيف يدفن موتاه وينهض.