(ظلم الحبش لمتين؟) سؤال دار في ذهني عشرات المرات, بل كلما أبصرت أثيوبيا أو أثيوبية وعلى عينيه أو عينيها تقاسيم انكسار ما, ليس نتاج قسوة حياة هؤلاء الأشقاء, بل لكثرة ما ينالونه من ظلم أهليهم وديار جيرانهم وبعض من شعب بلادي, والأمر هنا ليس متعلقا بعدم ترحاب الشعب السوداني بهؤلاء اللاجئين أو الفارين من بلدانهم لسبب أو آخر, فالظلم الذي أعنيه هنا نوعان, الأول متعلق بالأهوال التي يواجهها المتسللون بطرق غير شرعية لحدود البلاد عبر أكثر من منطقة حدودية سواء على حدود السودان مع أثيوبيا أو مع إريتريا, وكثيرا ما يحكي ناجون من هؤلاء عن رحلة الموت التي يلاقونها وهم بصحبة عصابات تهريب البشر, وما يدفعونه من أموال مقابل تهريبهم عبر دروب الخطر, فالمسافة التي تفصل ما بين الخرطوم وحدود الدولتين المشار إليهما تمثل منطقة انتهاكات غير محدودة من قبل متجاوزين بالأساس للقانون– هم المهربون- انتهاكات تنتهي بصمت الضحايا.. ومحاولات تناسي جراحهم النفسية والجسدية.. فتيات وشبان, وليس ثمة مؤسسة أو منظمة تنشط في هذا الجانب، فمعتمدية اللاجئين كذراع حكومي أو مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تنشطان في عملهما في معسكرات اللجوء بالشرق، أو تقديم خدماتهما لحاملي بطاقات اللجوء أو طالبي اللجوء, أما الآخرون فلا أحد يلقي لهم بالا بسبب الإجراءات, وصحيح أن السودان استقبل التدفق الأول للاجئين القادمين من دول الجوار في العام 1976م، لتصل ذروة التدفقات في منتصف الثمانينيات إبان موجات الجفاف التي ضربت أثيوبيا, وكانت محطات اللجوء الأول في ولاية القضارف، حيث معسكر (أم سقطة) في العام 1967، وتلا ذلك أن استقبلت معسكرات جديدة بولاية كسلا، حيث استقبلت لاجئين من إريتريا في العام 1974. غير أن هذا الشعب الكريم ومع ترحابه بضيوفه منذ ما يقارب نصف القرن لم تنشأ به أية مجموعات محلية داعمة لهؤلاء اللاجئين أو المتسللين, ليس لجهة نيلهم حقوقا غير حق البقاء وحق الكرامة, ولم ترتفع لافتة لحمايتهم على الأقل من التمييز, قولا وفعلا, وهناك ألف حقيقة على أن سلسلة انتهاكات جسيمة ومستمرة تواجه هؤلاء، حتى بعد وصولهم واستقراهم بالعاصمة, فالابتزاز بأنواع مختلفة يمارس, وإتاوات تفرض حتى على بائعات الشاي.. ولا أحد يتكلم, كما ليست هناك مؤسسة رسمية أو طوعية جلست لإجراء دراسات موسعة حول هذه الموجات من البشر الذين ذابوا في كرش الفيل هذه، ولا أحد تساءل ما هي التداعيات الاقتصادية والاجتماعية؟ وهل من إمكانية لتوظيف هذا الواقع بما يخدم موارد الدولة أو حماية حقوق هؤلاء؟.. فمع تاريخ اللجوء الطويل، وخطورة ظاهرة تهريب وتجارة البشر التي تكشف عنها يوميات الشرطة من حين لآخر إلا أن التوعية بمخاطرها لا تزال محدودة, وربما تكون تلك الإدارة التي تتولى هذا العمل لا تملك ما تملكه إدارات أخرى في الشرطة.. ومن هنا فأكثر من ضرورة تلزم الشرطة بدراسة هذا الملف بكامل تفاصيله, بعيدا عن إلحاق التهم بهؤلاء الأشقاء.. أشقاء لأنه، وحسب علمي، نسب تعاطيهم مع الجريمة تدلل على أنهم متسامحون.. أشقاء لأنهم لم ينشئوا تشكيلات جريمة منظمة كما يجري في مناطق أخرى.. أشقاء لأنهم ومع نظرة بعض مواطنينا لهم يعاملوننا كسودانيين باحترام على أرض السودان أو ببلدهم.. أشقاء لأنهم أهل ديار كانت ملاذ المسلمين الأوائل في هجرتهم الأولى.. هذا في الخرطوم العاصمة.. أما في معسكرات اللجوء بشرق السودان فمأساة عشرات الآلاف أكبر, ويبدو أنهم تحولوا– أي اللاجئين الأثيوبيين وغيرهم- إلى ملف جديد من ملفات الشرق المنسية، التي تواريها الجبال أو الإهمال.. وضعف صوت الحال هناك.. فأصبحت حياة اللاجئين واحدا من بين تلك الملفات... فعشرات الآلاف من اللاجئين بلغوا حدود السودان من معابر (قلسا, اللفة, شللوب, حمدايت, أبو قمل, عواض) وغيرها لتضمهم معسكرات اللجوء، حيث المأساتان.. مأساة ما هربوا منه من ظروف قاهرة سياسية كانت أم اقتصادية أو دينية، والآثار النفسية للجوء، والمأساة الثانية أوضاعهم الحياتية، التي لولا جهود وتمويل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وإدارة معتمدية اللاجئين لعاش اللاجئون ظروفا أقسى من تلك التي دفعتهم للهرب من بلادهم.. عدة معسكرات تقبع هناك يسمع بها الناس ويروون بعض آثارها كلما انتبهوا لسحنات القادمين في قلب المدن، أملا في الوصول لمدن أخرى شمال الأبيض المتوسط أو وراء المحيط.. وهناك على الأرض في معسكرات (26– شقراب 1- شقراب 2- شقراب 3- ود شريفي وغيرها) تتجلى المشكلة التي أعيت من أعيت وأخفق في حلها من أخفق... ويخطط الآن من يخطط.. حتى مهربي البشر يبحثون فيها عن سوق عمل!!! لاجئون قدامى يبلغ عددهم 20613 لاجئ، أما الجدد في الفترة من 2008– 2009 وحتى منتصف فبراير 2010 فقد بلغ عددهم 43 464 لاجئ, الموجود منهم وقتها بالمعسكر يبلغ 7 آلاف لاجئ، ومن بين اللاجئين 233 من الأطفال, ولندع قسوة الحياة في المعسكرات جانبا، فعلى الأقل هناك جهتان، أممية ووطنية، تعملان عليها, ولكن ما بين أسوار المعسكرات والحدود مآسٍ أخرى, فالطريق من المعابر الحدودية وحتى المعسكر تكمن فيها عدة مخاطر تواجه بعض اللاجئين، حيث يتعرضون للاختطاف والتهريب والابتزاز في بعض الأحيان. رسالة للجميع: بعيدا عن تعقيدات السياسة والصراع الإقليمي، وكل الأجندة عدا الأجندة الإنسانية.. ملف الأثيوبيين والإريتريين بالبلاد يحتاج إلى حديث وعمل طوعي ورسمي كبيرين, حيث بات وجودهم واقعا حتميا، وواجب الجميع التعامل معه بدراسة عميقة تحقق لهم حياة كريمة وتحفظ لبلادنا ثقافتها.. أما الاكتفاء بالحملات وإهمال ما يواجهه هؤلاء من انتهاكات سبة في تاريخ شعبنا, وطالما أن بلادنا آوتهم فلتؤويهم بكرامة أو فلتغلق حدودها أو ترحلهم قسرا.. ويقول أحدهم (اقبلني أو ارفضني كما تريد فقط تذكر أن هنا أو هناك أحيا بكرامتي). الاخبار