كان للجمال في الماضي ثمن غالي تدفعه الفتاة من عافيتها وصحتها، وكانت مقاييس الجمال ايضا تختلف اختلافاً جوهرياً عن مقاييس الحاضر، فالفتاة منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى منتصف الستينات تحديداً، كانت تعاني ايما معاناة في سبيل الحصول على قدر من الجمال. ولعل مقاييس الجمال تلك، كانت تتسم كذلك بالكثير من الغرابة، ف(الشلوخ) ودق (الشلوفة) كانتا هي آخر صيحات الموضة، وكان الرجال لا ينظرون الا للمرأة (المشلخة) باعتبارها احدى الجميلات والفاتنات في ذلك العصر.. ولعل العذاب والألم الذي كانت تعاني منه المرأة قديما، كان ضريبة حقيقية كي تتزوج وتكون أسرة صغيرة. الحاجة (بتول) كانت احدى النساء اللائي فلتن من مقصلة (الشلوخ) بقدرة قادر، بعد ان تم تهريبها عبر خالتها الى خارج المدينة، فور اعلان والدتها عن الرغبة في تزويجها، وتحكي الحاجة (بتول) قائلة: (اصابني الهلع عندما علمت برغبة والدتي في تزويجي، فالفتاة التي تصبح على اعتاب الزواج لابد ان تخضع لعملية جراحية قاسية على ايدى احدى الدايات لاكمال مراسم (الشلوخ)، وتضيف (بتول) انها لجأت لخالتها واخبرتها بأنها ستنتحر اذا نفذت والدتها ذلك الامر، مما حدا بها تهريبها لخارج المدينة، واحدى الولايات البعيدة، حتى هدأت الاجواء وعادت (بخدها) سليمة. لكن الحظ الذي لعب دوره بصورة جيدة مع الحاجة (بتول) افتقدت درهمه اغلب نساء ذلك الزمان، حتى صار لايخلو (خد) من بعض الشلوخ، تتنوع حسب متطلبات كل أم وعائلة. لكن مع تطور العصر ودخول المرأة للتعليم بصورة كبيرة، تراجعت تلك المفاهيم وصارت المرأة السودانية اكثر دراية وعلما بخطورة تلك العادة التي تستهدف (الخد) دون اجزاء الجسد، وتهدد حياة كل امرأة بسبب الحصول على قدر من الجمال، الذي صار اليوم من السهل جدا الحصول عليه دون اية معاناة تذكر. بحلول الالفية الثالثة صار من النادر جدا ان تلتقي بامرأة (مشلخة)، او(حبوبة) تحمل ذلك الطابع الجمالي بمقاييس الماضي على خدها، وربما هذا دفع بالكثيرين للتساؤل حول انقراض ذلك الخد المختلف، الذي نطالع من خلاله، مرحلة مهمة جداً وتاريخية من مراحل المجتمع السوداني، بل ان البعض ومن بينهم الزميل (علي البصير) من صحيفة «الانتباهة»، اوصى بضرورة التقاط الصور التذكارية مع كل (حبوبة) تحمل تلك الصفة على خدها، وان يلجأ كل شاب لاتزال بينهم تلك الحبوبة الاستثنائية، على ضرورة التوثيق لها، قبل ان ينقرض ذلك (الخد) المختلف والى الابد. الخرطوم: احمد دندش