الخرد مهنة قديمة يتخذها العديد من ناس كمصدر دخل يستطيعون من خلاله تسيير متطلبات حياتهم اليومية، وشهدت الآونة الأخيرة انتعاشاً كبيراً لهذه المهنة، وخاصة حديد الوزن بشتى أنواعه (الخرد)؛ حيث تتعالى أصوات المارة بين أزقة الأحياء؛ ينادون عبر مكبرات الصوت، وآخرون يطرقون الأبواب، طلباً لهذه الخرد، يشترون ما يفيض عن حاجة المنزل وكل ما تعاقبت عليه السنين وأصبح بالياً، بثمن بخس تذهب بعضاً منها الى سوق (الخرد بالسوق الشعبي) وما تبقى الى مصانع الصهر وإعادة التدوير، حيث يمكن لأي عابر بالقرب من استوب إبراهيم عوض بأم درمان بعد عملية فرز وبحث مطولة يعثر على قطعة يعيد بها الحياة لإحدى آلاته الكهربائية، أو يصلح بِها ما تعطل من أدوات منزلية. جلس يوسف عبد الصمد متناسياً مشقة الظروف الاقتصادية التي تحيط به في ركن، وجمع ما تيسر من مواد قد تبدو للبعض بالية، وغير صالحة للاستعمال، من قطع غيار منزلية وأدوات طبخ مستعملة، وقطع كهربائية وغيرها، ووضعها أمامه على قطعة قماش الواحدة بجانب الأخرى ومن ثمة بدأ بهتافه اليومي "رب ضارة نافعة" مناشداً بذلك المارة عله يجذب بعضاً منهم، فهو يجمع قوت يومه مما يحصل عليه في هذه السوق، الذي ظهر مثله وبصورة أكبر في بعض الأحياء الطرفية، بل في قلب أم درمان مثال سوق دلالة حلايب، التي يوجد بها كل ما يبحث عنه الإنسان، حتى الهواتف النقالة وما شابهها، ويبدأ العاملون ومنذ الصباح الباكر البحث عن أدوات أو آلات مستعملة يحتاجونها، يجد المتسوق ضالته في هذه السوق، وبسعر زهيد يقتني منها ما لا يمكنه العثور عليه في أي مكان آخر، وما لا توفره له حتى المحلات التجارية الكبرى. ويقول العم يوسف عبد الصمد أحد الباعة الذين ليس لديهم مورد رزق آخر سوى تجارتهم البسيطة في سوق (الدلالة)، هناك إقبال كبير من قبل السودانيين على هذه السوق، خاصة أن أغلب الزبائن ينتمون إلى الطبقات المتوسطة والفقيرة، كما أن هناك من يبحثون دائماً عن المنتجات القديمة، غير المتوفرة في محلات بيع الأدوات العصرية مثلاً، لأنهم يؤمنون بأنها تدوم أكثر من الجديدة – على حد قولهم - فهي حسب اعتقادهم ذات صلاحية أكبر. من جانبه، يرى أحمد يحيى وهو كثيراً ما يرتاد هذه السوق، أنها ضالة الفقراء والبسطاء وعامة الناس، لأن أسعارها في متناول الجميع، وحكى لنا عن اقتنائه "لبوتاجاز " منذ أكثر من سنة، وقال إنه كان أفضل من ذاك المعروض في المحلات التجارية باهظة الثمن. أما عبد الحكم عبد الله الذي رافق هذه السوق طيلة 10 سنوات، من العمل في مجال تجارة الخردة، يعتبرها سوق الفقراء فهنا لا يبالي الباعة بحالة الطقس مهما كانت، إذ لا المطر ولا الشتاء ولا حرارة الشمس في الصيف السودان الحارق تثنيه من أن يأتي في الصباح الباكر محملاً ببضائعه ليعرضها. كما يرى جلال الدين أحد "المكنيكية " أنه لا يأتي إلى هنا سوى الشخص الفقير والبسيط؛ حيث يجد كل ما يريد من مواد منزلية مصنوعة من نحاس وحديد وألمونيوم وغيرها بأسعار مناسبة وزهيدة وأنه لا يرتاد هذه الأماكن سوى من يعرف جيداً قيمة الأشياء المعروضة فيها التغيير