لو أردت أن تحصل على صورة وردية للأوضاع في ولاية الجزيرة، لا صلة لها بالفراغ الذي يكفن الشوارع هنالك، فليس أمامك إلا أن تسأل وزير التخطيط العمراني الصادق محمد علي، سيجيبك الرجل في الحال، كل شيء على ما يرام، وربما يسقط في أذنك معنى تلك الأغنية الشهيرة في حفلات الولاية (مدني كيف؟ مدني كده)!.. سيما وأن من الأسماء البارزة التي تزاحم الوالي على منصات الظهور والتأثير، هما أزهري خلف الله والصادق محمد علي، كانا ولا يزالا.. والأخير يستأثر بنصيب الأسد في الدعاية المقروءة، والتي تحكي عن واقع، لا يمت للمحنة بصلة، فما يمت للمحنة -كما هو مشهود- أن الصراع على الأرض هنالك، أخذ طابعا مخيفا، وتنامى على طريقة كلاسيكيات الدراما المصرية، عطفاً على ذلك فمن المرجح أن يشتعل الفضاء مرة أخرى بسيرة (دريم لاند). يوم الأربعاء المقبل سوف يلتئم شمل حكومة الولاية في نفرة جديدة لدعم الانتخابات، النفرة هذه المرة تحت لافتة المؤتمر الوطني ليتداعى لها نفر من أبناء الحزب، لكن المثير في الأمر أن النفرة في الخرطوم وليست في الجزيرة، ما يشي بأن الحزب هنالك لم يفلح في ملء ما هو شاغر من الأماكن غير المروية، فلجأ للعاصمة ليوحي بزحام عصي في قاعة المنسقية العامة للخدمة الوطنية ما كان له أن يكون أبداً في براح آخر، مثل مزرعة متسعة في المشروع، لكن يبدو أن النفرة ذات طابع مغاير، وأن الهدف منها هو الحصول على دعم مالي، فالدعوة مشمولة لرؤساء المؤسسات ورجال الأعمال وبعض القيادات. هنا يبرز سؤال كبير، هل الحزب هنالك فقير حتى يتسول الدعم من جيوب أخرى، وأين أثرياءه؟ ولماذا النفرة الآن والحملة الانتخابية في أيامها الأخيرة؟ بلا مواربة يمكننا القول إن الدكتور محمد يوسف لم يصرف على الانتخابات على الوجه المطلوب، وليست هناك ندوات ولا حتى ملصقات، ما يشي بأن القلم بيد شخص آخر، ومعظم الدوائر هنالك شبه محسومة لصالح المؤتمر الوطني، حتى ولو غاص في نوم عميق، يبقى من المهم القول إن هذه النفرة هي الثانية، فالأولى لم تحقق ما هو مرجو منها، هكذا يردد البعض، علاوة على ذلك فقد شهدت ولاية الجزيرة أمس الأول وقفة احتجاجية، بحسب ما هو منشور في الصحف، الوقفة السلمية نظمها حوالي ألفين من مفصولي المشروع أمام مبنى حكومة الولاية للتظلم، وكانت قد ألغيت وظائفهم من إدارة مشروع الجزيرة قبل عدة سنوات، ولم ينالوا حقوقهم حتى اضطروا إلى مقاضاة إدارة المشروع. كان عشم الناس أن تبعث الحملة الانتخابية الروح فيما هو ساكن طوال السنوات الأخيرة، في الأندية والمسارح ودور الأحزاب، لكن شيئا من ذلك لم يحدث! المحلية الوحيدة التي تتقدم بشكل لافت، هي محلية الكاملين، فبعيد أن استقرت الأمور في يد المعتمد الشاب الشازلي مصطفى، بدأ الرجل يعيد ترتيب الصفوف والأوراق دون انحياز لفئة، على ما كان يحدث في السابق، ودخل معركة التنمية، بقلب راسخ وروح خلاقة، انتفى الصراع في شكله القديم، وبدأت دفقات الأمل تنسكب في مواعين الحياة، ومع ذلك شملتها أزمة غاز الطبخ الذي ضرب الولاية، وارتفعت الأسعار بشكل جنوني، لتعود مرة أخرى وتضطرب، في المسيد تم افتتاح السوق الجديد، وهو أكبر سوق للخضروات في ولاية الجزيرة، على مقربة من مناطق الإنتاج، حيث تتغذى منه الخرطوم وما يجاورها، وتمت هندسته ليواكب المرحلة، غير ذلك تشهد المحلية حراكا تنمويا كبيرا، مع انتظار طويل لإكمال طريقي المسيد المعيلق وطريق (السائح). ورغم أن المؤتمر الوطني أعاد ترشيح بعض الوجوه القديمة، بالخصوص في دائرة المعيلق وسادت حالة من الإحباط، إلى أنه شيء فشيء لم يعد أحد يبالي، لأن الرجل هو مرشح الحزب، وغيره لم يفلح، فكل الملفات التنموية تحت يد المعتمدية والولاية بطبيعة الحال، وما هو متبق للعون الشعبي، لذا لم يندهش الكثيرون عندما تمكن شخص كفيف من بناء مدرسة من تسعة فصول في قرية حلة حمد الترابي، وانفردت (اليوم التالي) بحكايته المثيرة التي ملأت الأسافير، فبين يوم وليلة اشتهر (علي عبد الرحمن) ورفيق عمره (التوم عتيق)، وسمق مجهودهما ليحكي كيف أنه ليس ثمة مستحيل طالما أنه لم يتقاصر العزم من الرجال والنساء اليوم التالي