الإسكندرية قال د. فاروق الباز مدير مركز أبحاث الفضاء بجامعة بوسطن الأميركية والأستاذ غير المتفرغ بجامعة عين شمس إن مشروع ممر التنمية بدأ منذ عام 1974؛ حيث كان يعمل في الولاياتالمتحدة الأميركية وتمت دعوته هو وعدد من زملائه من رواد "أبولو" لإلقاء محاضرات في دول خليجية، وهنا طلب منه إسماعيل فهمي؛ وزير الخارجية إبان عصر السادات، مقابلة الرئيس. وأضاف أن السادات أراد منه عمل أبحاث في مصر، ووعده بحل أي معوقات تواجهه. وبالفعل عمل مع فريق من جامعة عين شمس على وضع مخطط بحث علمي لتعمير الصحراء الغربية؛ حيث درسوا عدد من الواحات في المنطقة؛ وهي: الواحات الداخلة والخارجة والفرافرة والبحرية. وأوضح الباز في محاضرة ألقاها الأحد في مكتبة الإسكندرية، أنه تبين له صعوبة أن ينتقل المصريون من جانب النيل إلى الصحراء؛ حيث يرتبطون بالنيل، مما يحتم أن تكون التنمية قريبة منه، وهذا ما يحققه مشروع ممر التنمية الذي يهدف إلى إنشاء طريق بالمواصفات العالمية في صحراء مصر الغربية، يمتد من ساحل البحر المتوسط شمالا حتى بحيرة ناصر في الجنوب، وذلك لفتح آفاق جديدة للتوسع العمراني والزراعي والتجاري. ويتضمن المشروع إنشاء طريق رئيسي سريع وطرق فرعية عرضية للربط بمراكز التجمع السكاني، ثم شريط سكة حديد بموازاة الطريق الرئيسي، وكذلك خط للماء العذب، وخط كهرباء لخدمة المشروع؛ بحيث يستفيد من الطاقة الشمسية. وأكد على أن المشروع يحقق العديد من المزايا؛ منها: الحد من التعدي على الأراضي الزراعية التي أثبتت الدراسات أنه في حال استمرارها بالمعدلات الحالية فإن جميع الأراضي الزراعية في مصر ستختفي على إثر زحف العمران في خلال 183 سنة. كما يوفر المشروع فرصة إعداد عدة مناطق لاستصلاح الأراضي غرب الدلتا ووادي النيل، لافتا إلى أنه على سبيل المثال فإن هناك منطقة بين كوم أمبو وأسوان تعد من أحسن الأماكن للزراعة؛ إذ إن بها حوالي نصف مليون فدان صالح للزراعة. ويتيح المشروع أيضا مجالا كبيرا من العمران قريبا من المدن المتكدسة؛ خاصة أن تعداد السكان في مصر من المتوقع أن يزيد 60 مليون شخص بحلول عام 2050. ويفتح "ممر التنمية" آفاقا جديدة للعمالة ومئات الآلاف من فرص العمل في الزراعة والصناعة والتجارة، كما ينمي مواقع جديدة للسياحة في الشريط المتاخم للنيل، ويخلق أمل لدى شباب مصر بتأمين مستقبل أفضل، ويضمن مشاركة الشعب في المشروع والتمتع بآثار الإنجاز في مشروع وطني. وتهكم الدكتور الباز على كلمة "مشروع قومي" التي كان يطلقها النظام السابق على كافة المشروعات التي يقوم بها، قائلا إن المشروع كي يكون قوميا فإنه يتعين مشاركة الشعب فيه، وإلا فيكون مشروع الحكومة مثل توشكى على سبيل المثال. ونوّه في هذا الإطار إلى أن عدم نجاح مشروع توشكى ربما يكون نابعا من كونه بعيد تماما عن العمران ولا تتوفر به الخدمات الملائمة، مضيفا أن مشروع ممر التنمية سيربط توشكى بالمدن مثل كوم أمبو وأسوان والقاهرة. وشدد في هذا السياق على ضرورة ألا يكون "ممر التنمية" مرتبطا بالحكومة، وإنما يتم تقنين إنشاء مؤسسة لها مجلس إدارة ومدير ويتم وضع خطة توافق عليها الحكومة، وعمل اكتتاب؛ بحيث يكون السهم بجنيه واحد لإتاحة الفرصة لكل المصريين للمشاركة في المشروع، ويتم وضع الأموال في بنك خاضع تشرف عليه المؤسسة. وأوضح أن الأسهم لن تكون لها فائدة في بداية المشروع، إلا أنه عقب 10 سنوات فإن الفائدة لن تقل عن 10%. وأشار إلى إمكانية التوسع في المشروع مستقبلا بحيث يصل إلى السودان، ثم يستمر جنوبا إلى أن يصل إلى كيب تاون في جنوب أفريقيا؛ إذ إن مصر يجب أن تكون مكسبا لكل شيء في أفريقا، منوّها إلى أن تعاملات الصين التجارية مع القارة تصل إلى 141 مليار دولار في العام، والهند 36 مليار دولار، والبرازيل 24 مليار دولار. وأورد الدكتور فاروق الباز أمثلة لدول طبقت مبدأ الممرات لتحقيق التنمية؛ ومنها الهند التي أصبحت اليوم متقدمة في الكثير من المجالات بعد أن كانت تعاني في الخمسينات من القرن الماضي من مجاعات يموت فيها الآلاف سنويا، بينما أصبحت الآن تصدر القمح رغم تعداد سكانها الكبير. وفي رده على مداخلات الحضور، أكد الباز أن مصر لا يمكنها أن تتجه إلى الطاقة النووية حاليا لعدم توفر الخبراء الكافين لديها في هذا المجال، مضيفا أنه لا يجب شراء المفاعلات واستيراد الخبراء، وإنما يتعين الاعتماد على الخبرات المحلية القادرة على التعامل مع أي مشكلة قد تحدث. ونفى وجود أي خطر من السدود الإثيوبية على حصة مصر مياه النيل، لافتا إلى أنها معظمها لتوليد الكهرباء، بل ومطالبا بأن تقوم مصر ببناء تلك السدود في إثيوبيا بنفسها.