السياسة الإسرائيلة تجاه دول القارة الأفريقية تشكل جزءا من الصراع العربي الإسرائيلي، و من نظرية الأمن الإسرائيلية التفوق العسكري واكتساب الشرعية والهيمنة والتحكم في المنطقة، وتطويق الدول العربية خاصة مصر والسودان لحرمانها من أي نفوذ داخل القارة الأفريقية، و استراتيجية إسرائيل فى أفريقيا ترتكز على شل الوجود العربي في تلك القارة ومحاصرة المصالح المشتركة بين الدول العربية جنوب الصحراء وشمالها والوصول إلى منابع النيل بالنسبة لمصر والسودان، وتحاول إسرائيل توسيع الفجوة وتعميق الخلافات العربية مع الدول الأفريقية، وتهديد أمن الدول العربية المعتمدة على نهر النيل بمحاولة زيادة نفوذها في دول المنبع المتحكمة في مياه النيل، وإقامة مشروعات زراعية تعتمد على سحب المياه من بحيرة فكتوريا وتانا ، وهي تستغل في ذلك كل إمكانياتها للتأثير على السياسة الإثيوبية و الأوغندية، إلى جانب قيامها بتشجيع الحركات الانفصالية في جنوب السودان وغرب السودان. الأطماع الإسرائيلية فى مياه النيل منذ عام 1903م، تقدم مؤسس الحركة الصهيونية تيودورهيرتزل لحكومة الإحتلال البريطانية الحصول على جزئية من مياه النيل عبر مصر إلى صحراء النقب لإقامة مشاريعها التى تشجع على الاستيطان وجذب المهاجرين اليهود، أهم الأهداف لتعميق التعاون مع دول منابع النيل هو إبعاد وتحجيم الدور الإسرائيلي ، فالوجود الاسرائيلى في منابع النيل هو هدف استراتيجي. قدمت اسرائيل مشاريع لنقل مياه النيل فى فترة السبعينات من القرن الماضى ، عرف المشروع الاول بمشروع اليشع كالى من شركة « تأهيل» المسؤولة عن تخطيط موارد المياه فى اسرائيل ،أما المشروع الثانى المعروف بمشروع يؤر فتقدم به شاؤول أرلوزف مدير تخطيط المياه الاقليمية ،ويتلخص فى نقل واحد مليار متر مكعب ، المشروع الثالث مشروع ترعة السلام هو مشروع اقترحه السادات فى حيفا ،وتطمع اسرائيل بأن يكون لها اليد الطولى فى التأثير على حصة مياه النيل الواردة لمصر وبدرجة اقل السودان. لعبت اسرائيل دورا مباشرا فى صراع المياه بين دول حوض النيل مستفيدة من نفوذها فى منطقة القرن الإفريقى «أثيوبيا وكينيا» ومنطقة البحيرات العظمى وحرصت على التواجد فى تلك المناطق لما تشكله «دول المنبع فى حوض النيل» من تهديد للأمن القومى العربى فى محوره الإفريقى المتمثل فى مصر والسودان، والتدخل المباشر لها فى تفجر الأوضاع بين دول المنبع والمصب، فبعد انعقاد اجتماع الإسكندرية لوزراء الموارد المائية لدول حوض النيل المنعقد فى يوليو 2009م زار مسؤولون من رواندا وأوغندا إسرائيل للتباحث حول قيام مشروعات زراعية إسرائيلية على نهر النيل حيث شارك من رواندا وزيرة التجارة مونيكا نسانزابانغو ومدير المعهد العالمى للتنمية البيلوجية جون كيلاما، ومن اوغندا نائب وزير الزراعة تيكو بيتر، الشىء الذى يدلل على اشتراك إسرائيل المتواصل والنشط فى دول المنبع ، ثم زيارة وزير الخارجية الإسرائيلى ليبرمان الى خمس دول إفريقية فى الأول من سبتمبر 2009م، و تم التوقيع على العديد من الاتفاقيات التى تعتمد على المياه القادمة من بحيرة فكتوريا وإقامة سدود تقيد من تدفق المياه الى كل من السودان ومصر حيث شارفت بعض السدود على نهر توكر أباى «النيل الأزرق» على الانتهاء ، اما على النيل الأبيض فقد شارفت بعض المشاريع الزراعية فى مقاطعة كاراموجا الواقعة على الحدود السودانية المعتمدة على الرى من النيل الأبيض على الانتهاء عبر تعاون وإشراف وتمويل إسرائيلى. ترجع فكرة قناة جونقلي الى عام 1883، ففى عام 1912م اعد المهندس البريطانى وايام ويلكوكس مقترحا بزيادة معدل تدفق المياه بالنيل، اجريت دراسات منذ عام 1962م بغرض زيادة إيرادات النيل من حوض بحر الغزال ومستنقعات مشار والسوباط، السياسة البريطانية رفضت المقترح لانه باهظ التكاليف، فى عام 1974م عقد السودان ومصر على حفر القناة بحيث تزيد من إيراد النيل عند ملكال واسوان وصمم طريق دائم وجسور للعبور وبعض البنى الاساسية الاخرى لتسهيل عملية التحرك، فى عام 1976م وقعت كل من الحكومة السودانية والمصرية عقدا مع شركة هندسية فرنسية لبدء العمل فى حفر القناة، لتنمية المنطقة وانشاء المشاريع الزراعية وتحسين المراعى وتسهيل مهام النقل النهرى والخدمات الصحية والتعليمية والاقتصادية فى تلك المنطقة التى تتسم عموما بقلة كثافتها السكانية. ومن مشروعات التعاون المقترحة للتنفيذ: مشروع جونقلى المرحلة الثانية، حيث توجد اربعة مشاريع ، يرمى المشروع الاول الى إقامة سدود على بحيرات فكتوريا، وكيوقا، والبرت لضبط تدفقات المياه، اما المشروع الثانى فيعمل على مضاعفة كمية المياه التى ستنقلها قناة جونقلى فى المرحلة الاولى، وحفر قناة أخرى موازية لها، ويشتمل المشروع الثالث على تجفيف مستنقعات مشار حيث تضيع من نهر السوباط حوالى 4 مليارات متر مكعب، وسيتم تجميع المياه فى مجرى رئيسى يبدأ عند نهر البارد عند فم خور مشار ليصب فى النيل الابيض عند بلدة ملوط، يهدف المشروع الرابع المسمى بمشروع بحر الغزال الى معالجة الهدر الضائع من المياه المتصرفة من المجارى المائية الموجودة فى منطقتى شمال وجنوب بحر الغزال، ولا يصل من هذه المياه الى النيل الابيض سوى نصف مليار متر مكعب، ويقوم المشروع على حفر قناة من نهر الجور الى لول وقناة اخرى من بحيرة نو الى ملوط . وتبقى اسرائيل واحدة من المهددات للسودان ككل ولجنوب السودان بصفة خاصة اذا ما انفصل وذلك نسبة لتوفير الاراضى الزراعية الشاسعة والمياه اللازمة لعملية الزراعة، والمهدد الاكبر، ولربما، تحالف الجنوب الذى يفتقد للبنية التحتية مع الكيان الاسرائيلى وبذلك يصبح الوجود الاسرائيلى مهددا لكل السودان. * باحثة- المركز العالمي للدراسات