كان قرار مجلس الأمن الدولى بفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا خطوة جريئة من المجتمع الدولى لحماية المدنيين يطرح قرار العمل فى ليبيا تساؤلات جدية حول اتساق الموقف الدولى فيما يتعلق بحماية المدنيين. فعلى ما يرد من أخبار قليلة حاليا، يستمر منذ عام 2003 قصف القوات المسلحة السودانية للمدنيين فى دارفور، ومن المعروف أن السودان احدى الجارات المباشرة لليبيا. وقد تسببت أحدث غارة جوية على جنوب دارفور يوم 26 مارس، فى تدمير أربعة بيوت وإصابة 13 شخصا، وتزعم حكومة السودان دائما أنها لا تستهدف سوى حركات التمرد، ولكن الحقيقة بالنسبة للناس العاديين هى كارثة إنسانية مستمرة. وفى 17 مارس، أفاد منسق الأممالمتحدة للشئون الإنسانية أن العنف والقصف الجديد على دارفور، تسبب فى تشريد أكثر من 70 ألف شخص منذ ديسمبر 2010، وما زال نحو 2 مليون من أهالى دارفور بعيدين عن منازلهم حتى اليوم. وبخلاف ليبيا، لا يتم توثيق قصف دارفور بتغطية إعلامية على مدار اليوم. فأغلب الصراع الدائر فى دارفور يجرى فى مناطق ريفية، وليس صراعا عسكريا متقدما القتال المباشر، والقصف المدفعى، والكمائن، والهجمات المرتدة. ويصعب دخول مواد الإغاثة الإنسانية؛ ويكاد يكون مستحيلا على وسائل الإعلام الدخول. ومنذ 2006 حتى 2009 يجرى دوريا بحث فرض منطقة حظر جوى على دارفور، ولكن لم يتم اعتماده. وهناك مبررات جيدة تشير إلى أنه ربما لا يكون الحل الصحيح. فربما كان من شأن فرض منطقة حظر جوى زيادة الوضع الإنسانى فى دارفور سوءا، وتقييد عمليات الأممالمتحدة والمنظمات غير الحكومية؛ وربما تسبب فى كارثة إنسانية أكبر فى تشاد المجاورة، حيث يبحث الكثير من اللاجئين عن الأمان هناك. كما سيعقد للغاية تنفيذ اتفاقية السلام الشاملة للسلام، التى أنهت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب عام 2005، وتصل إلى أقصى مهماتها مع استقلال جنوب السودان يوليو المقبل. غير أن عدم وجود حل لمشكلة دافور على المثال الليبى، لا يقلل من الحاجة إلى تحرك من الجماعة الدولية. فلدى المجتمع الدولى التزامات فى السودان، تتضمن ما هو منوط باثنتين من أكبر بعثات الأممالمتحدة على الإطلاق بعثة الأممالمتحدة للاتحاد الأفريقى ومقرها دارفور (يوناميد) وبعثة الأممالمتحدة فى السودان. وتمثل حماية المدنيين عنصرا جوهريا فى مهمتى كل من البعثتين، ولكن كلا منهما لم تنجح فى هذا الدور، فما زالت هناك قيود على عمل البعثة فى أنحاء دارفور. رغم محاولات دفع الحكومة السودانية للتعاون بصورة أفضل. وفى جنوب السودان، سوف يتطلب قيام دولة مستقلة حديثا إعادة لتنظيم وجود الأممالمتحدة. وعلى الأغلب، سيكون لدى البعثة الجديدة عدد أقل من الموظفين وقدرات أكثر تواضعا. ولكن بناء الدولة يطرح تحديات هائلة فى وجه منطقة خارجة من حرب دامت 40 عاما. غير أن هذه التحديات لا تعفى جمهورية جنوب السودان من المسئولية المباشرة عن حماية المدنيين، لكنها تعنى أن تكون الأممالمتحدة وشركاؤها الدوليون مستعدين لتحديات حماية المدنيين. لقد أتاحت الحرب فى ليبيا، والثورات الأخرى للدول خيار الوقوف فى الجانب الصحيح من التاريخ عبر الاتحاد للتضامن مع مدنيين تعرضوا طويلا للقهر. وفى السودان، سبقت المسئولية الدولية عن الحماية الموجة الأخيرة من الانتفاضات، وسوف تستمر بعدها. ويتطلب دعم وجود بعثة جديدة فى جنوب السودان، وبعثة أخرى تعمل بصعوبة فى دارفور التزاما سياسيا أكبر من الذى أدى إلى التحرك فى ليبيا. حيث إن الالتزام السياسى يمثل إسهاما مهمة فى تحقيق الأمن الدولى بنفس قدر أهمية الغارات والطلعات الجوية فى أماكن أخرى. الشروق