تمكن الرئيس السوداني عمرحسن البشير من تجنب الاعتقال في جنوب أفريقيا يوم الاثنين الماضي وعاد الى عاصمة بلاده الخرطوم. ولاشك ان هروبه هذا يشكل ضربة أخرى للمحكمة الجنائية الدولية التي تعمل بدأب منذ ست سنوات لمحاكمته باتهامات تتعلق بأعمال ابادة وجرائم ضد الانسانية. ومن المؤكد ان هروب البشير هذا ما كان ليحدث لولا تواطؤ حكومة جنوب أفريقيا معه مما يجعلها تستحق الادانة الدولية بالطبع. الا ان الخاسر الأكبر هنا هم بلا شك أولئك الضحايا الأبرياء الذين دفعوا حياتهم ثمنا لسياسات البشير الدموية في اقليم دارفور والذين لايزالون محرومين من العدالة. ان من المفترض على الدول الأعضاء في المحكمة احترام ميثاقها الذي وقعت عليه والالتزام بقراراتها، وهنا نلاحظ ان الاتهامات التي وجهتها ضد البشير تتضمن: القتل، اعمال ابادة واغتصاب في دارفور التي لقي فيها ما يربو على 300.000 شخص حتفهم بالاضافة لنزوح 2.5 مليون انسان من بيوتهم ومناطقهم عام 2003. غير ان المحكمة لم تتمكن من تنفيذ قراراتها القضائية لسببين: الأول معارضة السودان والثاني اعتقاد بعض الحكومات الأفريقية ان المحكمة غير منصفة بتركيزها دائما على الزعماء الأفارقة. كانت المحكمة قد طلبت من مجلس الأمن الدولي في مارس الماضي مساعدتها في تنفيذ مذكرتها الصادرة بحق البشير الا انه شعر أنه يستطيع السفر بأمان على ما يبدو الى جوهانسبيرغ وحضور قمة الاتحاد الأفريقي لأن حكومة جنوب أفريقيا أكدت ان للبشير حصانة قانونية. هنا سارعت المحكمة العليا في جنوب أفريقيا لمعالجة هذه القضية الشائنة بأن أمرت السلطات يوم الأحد الماضي منع البشير من مغادرة البلاد. لذا عندما أقلعت طائرته الخاصة من أحد المطارات العسكرية قرب بريتوريا اتهمت المحكمة الحكومة عندئذ بانتهاك أمرها وانتهاك دستور البلاد وطالبتها بتقيدم تفسير واضح لسلوكها الشائن هذا. لكن مهما كان الرد، يمكن القول ان الحكومة تحدت بالفعل أعلى محكمة بالدولة مما يوجب بالتالي محاسبتها بطريقة أو بأخرى. من المؤكد الآن ان حكومة جنوب أفريقيا سوف تعرض قيادتها في قارة أفريقيا للخطر اذا أصرت على النكوص بألتزاماتها الدولية وعملت على حكماية الزعماء القساة المتهمين بارتكاب جرائم حرب. على أي حال، وعلى الرغم من نجاحه في الهروب، سوف يستمر عالم البشير في التقلص والانكماش فهو لم يتمكن خلال السنوات الأخيرة من السفر الى اندونيسيا، مالاوي، بوتسوانا، تركيا وماليزيا اما لخشيته من الاعتقال أو لأنه لم يكن موضع ترحيب لدى زعماء هذه البلدان. بل وأصبحت مجموعات حقوق الانسان الآن أكثر تشددا في مطالبها بأعتقاله. ان على البشير ان يفكر مرتين قبل الاقدام على القيام بأية زيارة خارجية بعد اليوم. تعريب - نبيل زلف