لو وجد بيننا اليوم المطرب الراحل محمد عبد المطلب صاحب أغنية «تسلم إيدين اللي اشترى الدبلتين والأسورة»، لفكر مليا قبل أن يشدو بهذه الكلمات، حتى يتأكد هل هذه «الشبكة» من الذهب الأصلي أم من الذهب الصيني؟. يأتي ذلك في ظل رواج كثيف شهدته السنوات الأخيرة لما يعرف بالذهب الصيني في الأسواق المصرية، فبعد أن كان مجرد حلي للأطفال ويشتهر بمسمى الذهب «الفالصو»، بدأ ينافس الذهب الأصلي في الإقبال عليه للدرجة التي بدأت فيها بعض محلات الذهب تتحول إلى تجارة الذهب الصيني، بل بدأ يغزو السوق المصرية حتى بات معترفا به كأحد أشكال الحلي لدى قطاع كبير من المصريين. ويرتبط انتشار الذهب الصيني في جانب كبير منه لأسباب اقتصادية وأخرى اجتماعية تتعلق بمنظومة العادات والتقاليد في المجتمع المصري. فالبعض يرى أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي ألهبت سياطها ظهور غالبية المصريين، خاصة مع ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية لم يتمكن معها قطاع كبير منهم من اقتنائه، كانت السبب في لجوء البعض إلى شراء الذهب الصيني في محاولة لتحقيق حلمهم شبه المستحيل في اقتناء المعدن النفيس كشكل من أشكال الوجاهة الاجتماعية والتفاخر بامتلاك الذهب. كما أحيا هذا الذهب آمال المصريات في ارتداء الذهب الأصفر والتمتع ببريقه في ليلة العمر، بعد أن كاد هذا الأمل يتحول إلى سراب في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الشباب المقبلون على الزواج، وذلك رغم بروز ظاهرة استئجار الذهب التي لجأت إليها بعض الأسر والمحلات تحايلا على ارتفاع الأسعار، ولعل ذلك يعود إلى قصر مدة الاستئجار، ولأنه في فترة لاحقة سيتضح أن الذهب الذي كانت ترتديه العروس كان مستأجرا، وهو ما يقلل كثيرا من مكانتها الاجتماعية أمام الناس. ورغم الانتشار الكثيف للذهب الصيني نتيجة الأسباب السابقة، لا يزال استخدامه يتأرجح ما بين مؤيد ومعارض في جموع المصريين؛ فيقول زكريا أبو الدهب، وهو مدير بإحدى الشركات، إن الظروف الاقتصادية والخشية من التعرض للسرقة بعد الأحداث التي شهدتها ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام الرئيس حسني مبارك وما تلاها من انتشار أعمال البلطجة والسرقة هي التي دفعت المصريين إلى اللجوء إلى الذهب الصيني وادخار الذهب الحقيقي للمناسبات المهمة فقط، مضيفا: «أنا أرفض أن ترتدي ابنتي مثل هذا الذهب فكمية قليلة من الذهب الأصلي كافية». في حين أكدت حنان أحمد، التي تستعد للزواج، أن الظروف الاقتصادية الصعبة والحاجة الشديدة إلى المال دفعتها إلى تقديم شبكتها لزوجها، كحال العديد من المصريات، لبيعها والاستعاضة عنها بالذهب الصيني حرصا على مكانة زوجها أمام أهلها، موضحة أن: «العلاقات الإنسانية هي الأسمى فوق كل شيء، فالسعادة الزوجية تساوي أكثر من مجرد معدن يرتديه الإنسان». «الشرق الأوسط» قامت بجولة داخل محلات بيع الذهب الصيني والتقت ببعض أصحابها، فيقول سامح سلطان، صاحب أحد المحلات، أنه عمل بتجارة الذهب لمدة عشرين عاما لكن ارتفاع أسعاره خفضت من إقبال المصريين على شرائه مما جعله يتحول إلى تجارة الذهب الصيني. ويقول: «يمكن للذهب الصيني أن يحتفظ ببريقه لمدة عام مع إمكانية طلائه مرة أخرى ليبدو كالذهب الأصلي، كما أن الماء لا يجعل بريقه يخبو، بل إن الضرر الأكبر عليه من كريمات الشعر أو الشامبو لأن بها مواد كاوية تؤثر في بريقه». وحول أسعار الذهب الصيني يقول سامح: «أسعار الذهب الصيني تبدأ من 15 جنيها للخاتم، أما الأساور فتبدأ أسعارها ب 30 أو 40 جنيها، وقد تصل أسعار الطقم الكامل إلى 500 جنيه (90 دولارا)». ونظرا لإقبال الكثيرين على هذا النوع من الذهب يقول سامح إن هناك «كتالوجات» خاصة بالذهب الصيني لأطقم الشبكة، والتي لا تختلف كثيرا عما تنتجه شركات الذهب العالمية. ويرى أن هناك إقبالا على أطقم بعينها مثل طقم فرفشة الذي يماثل ما ترتديه الفنانة نانسي عجرم والذي تصنعه شركة داماس، وأن سعر هذا الطقم على سبيل المثال يبدأ ب150 جنيها (28 دولارا). وربما يكون من بين العوامل التي ساعدت على انتشار هذا الذهب أيضا الكم الكبير لهذا النوع من الحلي الذي ترتديه الفنانات في المسلسلات، فيقول سامح إن ارتداء الكثير من الفنانات الذهب الصيني في المسلسلات أسهم في رواج هذا النوع من الذهب، ولعل الرواج الأخير جاء بعد مسلسل «أزواج الحاجة زهرة» للفنانة غادة عبد الرازق. وعلى الرغم من هذه الميزات لا يزال البعض غير مؤيد لاستخدام الذهب الصيني، فترى نهى أحمد، موظفة، أن الذهب الصيني نوع من التدليس والغش، فتقول: «أنا لا أرى في الذهب الصيني بديلا عن الذهب العادي، فهو نوع من الغش، وطالما أنني ارتضيت بشخص ما زوجا لي فلا يهمني نوع الشبكة». وتلتقط هبة، وهي مقبلة على الزواج، طرف الحوار فتقول: «أنا مقتنعة بخطيبي ولا أحب أن أبني حياتي على نوع من الخداع»، منوهة أنها حتى وإن ألح عليها خطيبها بالتحلي به ليلة الزفاف فلن تقبل. على النقيض من ذلك ترى أسماء عبد المنعم: «أنها لا تمانع في ارتداء الشبكة من الذهب الصيني طالما أنها مقتنعة بالشخص المتقدم إليها، وأن الأمور المادية لا يجب أن تقف عثرة في سبيل إتمام الزواج طالما أن هناك تفاهما وثقة في الشخص التي ستقضي معه بقية عمرها». الشرق الاوسط