شخصية "الجاك" ؛ وإن كانت تستدعي في بعض ملامحها شخصية "ود نفاش" في التراث الشعبي الضاحك .. إلا أن شخصية الجاك تنفرد عن شخصية ود نفاش بأنها تلجأ دائماً للكذب البريء المكشوف المثير للضحك ؛ ونفض الغبار وقطع الملل عن وجه وصدر المجالس.. وحتى زماننا الحاضر فإن الشخص الذي يلجأ لأكاذيب يرغب بها التضخيم من ذاته ، وإبراز أهميته الموهومة . يبادرونه بالتعليق مرددين "الجاااك".... فيتفجر المكان بقنابل الضحك ، وتنتفض الجلاليب وتقتلع العمائم .... وتكون الرسالة قد وصلت. الكذبة (بدرجة الجاااك) التي أطلقها الإذاعي والإعلامي المعروف عوض إبراهيم عوض ؛ لم تكن لتمر مرور الكرام في عالم الإنترنت وحرية تداول المعلومة والتعبير عن الرأي . أو كما ظن البعض واستغرب ردود أفعال الشباب تجاهها من كل حدب وصوب ..... تتلخص كذبة "الجااك" التي أطلقها عوض إبراهيم عوض .. تتلخص في زعمه أن صديقه (في ماليزيا) السيناتور الأمريكي وإسمه "جون ديفز" ؛ حلف له وقال : "والله يا عوض نحنا ما عملنا اللوتري دا إلا عشان خاطر السودانيين". بداية نلفت إنتباه عوض إبراهيم عوض أن الناس بلاحظون فيه أنه ومنذ أن عاد قبل سنوات عديدة من ماليزيا ؛ لم يعد يتحدث إلى يومنا هذا إلا عن ماليزيا ولا شيء غير ماليزيا . أو كأنّه هو السوداني الوحيد الذي زار ماليزيا .... ويبدو أن السبب هو إنبهاره الشديد لكون ماليزيا هي أول بلد يزوره ويقيم فيه فترة.... أذهب للتبرير إذن بالقول : أن الذي نسب إلى عوض إبراهيم عوض يندرج أكثر (على الطريقة السودانية) تحت بند "الجاااااك" ..... وأنه أطلقها بدوافع نفسية ؛ والغرض منها أن يظهر صاحبنا أهميته ... وأنه شخص غير عادي وله معارف وإتصالات على غاية من التفرد والخطورة .... ويستحق بجدارة أن يقفز إلى صدر الأحداث ويمسي ويصبح محور أحاديث وتعليقات منتديات المدينة. عوض إبراهيم عوض لايمارس فانتازيا الجاك هنا من فراغ ....... فهو يدرك من واقع عزلة الحكومة والعقوبات الأمريكية ؛ أن كلمة "صديقي السيناتور الأمريكي" لن تلوي أعناق وزارة الخارجية السودانية فحسب ، بل ستدير رؤوس ترويكا الحكم والسلطة في القصور الرئاسية .... وأن مصطلح "اللوتري" يكفي النطق به لزغللة عيون قطاعات عريضة من أبناء الشعب السوداني المطحون في الداخل، والمغلوب على أمره في الخارج. وربما ظن عوض إبراهيم عوض أنه سيضحك على نعاج خارجية حكومة الخرطوم ويكرر سالفة "حفيد غردون باشا" .. فيحصل على منحة حكومية دسمة الراتب والمزايا ؛ تتيح له الإقامة ردحاً من الزمان في الولاياتالمتحدة بغرض البحث عن "صديقه" السيناتور جون ديفز وإستغلال معارفه وعلاقاته العامة هناك لمصلحة السفارة السودانية في واشنطون. عوض إبراهيم عوض حين أطلق فانتازيته الجاكية هذه . نراه قد خانه الإدراك بالمدى الذي تغير الشباب فيه من حوله ..... والمدى الذي ذهبت إليه ثورة المعلوماتية في جانب تفشي المعلومة وإمتلاكها ، وبما يتيح قدرات (كانت بالأمس خارقة) تلقائية في الكشف عن الأكاذيب والوصول مباشرة إلى مصادر الحقيقة. عوض إبراهيم عوض لايمكنه الإدعاء بأية حال من الأحوال أنه يمتلك زمام وناصية ثورة المعلوماتية أو القناعة التي لا تتزعزع بأطروحاتها وقدراتها الإستثنائية .... فهو في واقع الأمر ليس من جيلها ولا أحد أبناءها ..... ولو كان على العكس من ذلك لكان قد أدرك أنه ليس من السهولة بمكان تمرير مقولته تلك على "أولاد" الإنترنت ... ومحاولة الضحك بها على الدقون. ولاشك أن عوض إبراهيم عوض قد هاله (الآن) أن البعض يجادله في صحة مقولته بأن السيناتور الأمريكي المسيحي بداية لايمكن أن يجري على لسانه قوله "والله" يا عوض ..... و "اللوتري دا"... و "نحنا" . السيناتور الأمريكي يا عوض إبراهيم عوض لا يتناول الحديث في مثل هذه السياسات العامة بقوله "نحنا" ... مصطلح "نحنا" هذا قد يخوض في التعبير به رئيس أو وزير أو برلماني في دولة أفريقية من دول العالم الثالث عشر .... أما المسئول والنائب الأمريكي والغربي الأوروبي بوجه عام ؛ فهو "يتكيء" في تعبيراته دائما على إستخدام مصطلح "النظام" و "الدستور" و"القانون" .... ولا يبتسر كل بلاده بطولها وعرضها ؛ ماضيها وحاضرها ومستقبلها في شخصه "نصف الإله" العظيم. ولكن الأكثر خطورة من كل هذا وذاك أن عوض إبراهيم عوض ؛ . ..ما كان ليخطر بباله أن أولاد الإنترنت سيدخلون إلى مواقع مجلسي الشيوخ والنواب ، وأضابير ولايات الولاياتالمتحدةالأمريكية المتاحة على الشبكة ؛ بهدف البحث والتنقيب عن سيناتور أمريكي إسمه "جون ديفز" فلا يجدوا له أثراً في الماضي أو الحاضر. حتما لم يكن عوض إبراهيم عوض على إدراك بما جرى من تغيرات في عقول وقناعات الشباب من جيل المعلوماتية لجهة الحساسية تجاه خصلة الكذب من جهة .. ولجهة صعوبة تفويت الكذب على رؤوسهم وعقولهم . على عوض إبراهيم عوض وجيله والأجيال التي لم تؤمن بعض برسالة ثورة المعلوماتية .. عليهم جميعاً الإدراك أن من أهم حصاد هذه الثورة هو فرض "حرية المعلومة" و "حرية الرأي" .... وأن أبرز أطروحاتها "محاربة الكذب" .... وأن أكثر أدواتها فعالية هو تلقائية "الكشف عن الكذب"..... أو حتى "الجاااك" من أصناف الكذب. وربما نفهم للتو لماذا يتحاشى أهل الغرب الأوروبي الكذب بجميع أصنافه ودرجاته حتى لو كان بوزن الجّااك... معظمنا كان يظن أن تحاشي أهل الغرب الأوروبي إنما مرده إلى القناعة وحدها . وأنهم مسلمون بلا إسلام .. ولكن يتضح شيئا فشيئا الدور الذي تلعبه الرقابة الصارمة على تصرفات الفرد هناك من خلال اللجوء إلى وسائل التصوير في الشارع والمولات والمجمعات والإعلام والنشر ...... وأن الفرد هناك يدرك أن أي محاولة منه للكذب وإرتكاب مخالفة أو جنحة وجريمة في مكان عام سيتم كشفها بسرعة .. وتحريكها وإبرازها بأدوات وقوانين وآليات حرية تداول المعلومة وشفافية التعبير عبر كافة الواسائل الديمقراطية الحرة .... عوض إبراهيم عوض وأمثاله والجيل الذي سبقه ؛ لم بتعودوا على ممارسة مهنة الإعلام والنشر وسط أجواء مفتوحة حرة تفاعلية كمثل الذي عليه الحال اليوم .. عوض إبراهيم عوض من خلال عمله السابق كقاريء رئيسي لنشرات الأخبار ، ومقدم برامج متنوعة على شاشة التلفزيون السوداني الرسمي ؛ وإذاعة هنا أمدرمان ... ظل ممارسة الكذب مفروضاً عليه طوال عهود وأنظمة سياسية متعاقبة ..... فهو وغيره من أبناء جيله كان يتلو نشرة الأخبار بما فيها من أكاذيب وهو على إدراك تام بما تعج به من أكاذيب وأوهام وتضخيم لذات الرئيس والنائب والوزير بصيغة أنصاف الآلهة. البعض يتحرى الكذب ولا يزال يتحراه حتى يصبح كاذباً .... والبعض الآخر يفرض عليه الكذب قسراً حتى يصبح كذاباً . والبعض يعيش في دوامة وفانتازيا تفخيم وتضخيم الذات حتى يصبح هو نفسه ضحية لهذا الإحساس . فيتقمصه ويسعى لإبرازه في كافة تصرفاته ومقاله وردود أفعاله. وخاصة عندما يشعر أو ينتابه الإحساس بأن أعمده برجه العاجي تتهاوى من تحته .... وأن الزمن يتسرب كالماء من بين أصابع يديه .. وأنه لم تعد لديه القدرة النفسية على مواكبة الجديد وقناعات الشفافية . والصمود في وجه أمواج تسونامي فرضتها تكنولوجيا العصر الحديث. بعضنا للأسف يقع ضحية أوهامه وإنسانيته الضعيفة الهشة المحدودة .. ويظل يكنكش ويكنكش ويكنكش حتى تلجئه الكنكشة إلى إرتكاب الكثير من الأخطاء "العويرة" و الحمقاء ؛ على نحو تفقده الكثير من ألقه وتراكمات شهرته ... وتؤدي إلى تلطيخ صفحات متعددة من أسفار تاريخه. وتعس كل إنسان ظن أنه مخلوق صالح لكل زمان وتكنولوجيا ومكان. مصعب المشرّف 23 يوليو 2015م [email protected]