حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ماذا قالت قيادة "الفرقة ال3 مشاة" – شندي بعد حادثة المسيرات؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف سُرقنا، وكم المسروق، وما هى كيفية إعادة الأموال المهاجرة وتوطينها بالداخل؟
نشر في الراكوبة يوم 01 - 09 - 2015


مدخل
لا أكتمكم القول بأنِّى كتبتُ هذا المقال وأنا تحت تأثير "مشروع الإستنارة" لإستاذنا الجليل د. عبد العزيز حسين الصاوى، الذى كان لى شرف إدارة ندوته التى كانت بعنوان "الإستنارة فى السياق السودانى" بدعوة كريمة من منتدى صالون بلدنا بمدينة كاردِف قبل بِضعِ سنوات.
وأنا هنا أُحاول أنْ أُميط اللِّثام عن نموذج دورة إرجاع الأموال المهربة للخارج تحت ظروف شتى لإعادة إستثمارها فى السودان، وعن علاقة أبناء الأخوانويين وغيرهم بالسودان الذين تلقَّوْا تعليماً غربياً، والمناط بهم الإسهام فى مشروع الإستنارة كما يراه أستاذنا الصاوى.
كيف سُرقنا وكم المسروق
1- لقد أثبتنا فى دراسة سابقة هنا بالراكوبة (حيثيات التشكل الإقتصادى – الإجتماعى فى السودان وآفاق التغيير السياسى) بأنَّ شرائح رأس المال: الشريحة التجارية – الختمية، الشريحة الزراعية – الإنصار، شريحة رأس المال المالى – الجبهة، وشريحة بورجوازية الدولة؛ من حيث الممارسة العملية فهى لا تحفل بالديموقراطية ولا ترغب فيها. وكلما ثار الشعب وانحازت له قواتُهُ المسلحة، نجد أنَّنا أمام شرائح رأسمالية تسعى بكلِّ ما أُوتيت من حيلةٍ ومكر (حراك الفترات الإنتقالية) لتقويض النظام الديموقراطى الذى ينصلح به أمرُ الفقراء، وذلك ببحثها الدائم عن مغامرين عسكريين والتحالف معهم لتحقيق هذا الغرض.
ولا غروَ إذاً أنَّنا نجد أنَّ الرأسمالية السودانية قد نالت بالديكتاتورية ما لم تنله بالديموقراطية. ولذلك كانت فترات الحكم الديموقراطى فى السودان 11 سنة فقط، وفترات الحكم الديكتاتورى أكثر من 46 سنة؛ وهكذا سُرقنا بالديكتاتوريات. وحتى الفترات الديموقراطية هى فى حقيقتها فترات لتحديد موضع الهيمنة بين الشرائح الرأسمالية فى الصراع على السلطة والثروة فى السودان (لمعرفة أىِّ الشرائح المُهيمِن).
إذاً، الفترات الديكتاتورية هى دائماً محط الثراء الفاحش الحرام. ولما كنَّا لا نعرف على وجه الدقة كم الأموال المُكدَّسة فى أيدى أفراد فى فترتى الرئيس عبود والرئيس نميرى (رحمهما الله) جرَّاء الفساد، وإلى أىِّ البلدان كانت وِجهتها، فسيكون حديثنا مُنصبَّاً بالأساس على أموال فترة الإنقاذ.
2- أما الإنقاذ فقد سرقتنا كما هو معلوم بأشكال عديدة، وقد أفضنا فى الحديث عنها حينما تحدثنا عن سرقات الإنقاذ الجارية (راجع هنا بالراكوبة: بنك للمغتربين السودانيين لا كما يحلم به النظام وزابِنُهُ حاج ماجد سوار، راجع أيضاً: أورنيك (15) يفضح العديد من سرقات الإنقاذ الجارية)، ولن نكرِّر ذلك هنا فالرجاء مراجعة تلك المقالات.
غير أنَّ محصلة العبث الإنقاذى بالإقتصاد القومى هو الفروقات الحادة بين أفراد المجتمع وما يترتب على ذلك من ظواهر إجتماعية سالبة، وهروب رأسى المال المسروق (مخافة مصادرته حال حدوث تغيير) والمنتج (بالتضييق عليه) معاً من أرض الوطن. وبالتالى أصبح إقتصاد البلد فى حالة من الموت الإكلينيكى بغياب المال العام والخاص عن الدورة الإقتصادية للبلد. ومالم تُبتدع سياسات تقضى على هذه التشوهات الإقتصادية الهيكلية، وتُرغِّب الأموال المهاجرة فى العودة فلن تقوم لهذا البلد قائمة فى القريب المنظور (يقول بروفسير على عبد القادر على: نحتاج إلى 50 سنة لنبلغ مستوى تونس الآن، ندوة كاردِف 2014).
3- إنَّ التقديرات المحافظة للعائدات المسروقة من النفط والمعادن النفيسة فقط، والتى يعتمدها هذا المقال هى 250 مليار، منها حوالى 110 مليار دولار أو يزيد، تمَّ تهريبها خارج السودان، وما تبقى يوجد بالكامل خارج النظام المصرفى داخل بيوت أهل الإنقاذ، كما أطلعنا على ذلك من نثق به من المهندسين الذين نفذوا هذه البيوت (ما أحوجنا إليك عزيزى الواثق صباح الخير – عليك من اللهِ الرحمات)، وحين نُضيف إلى ذلك باقى السرقات الجارية، فالوضع يبدو فى غاية القتامة (ولمزيد من إلقاء الضوء على حجم الفساد راجع تقرير منظمة الشفافية المحلية، 26/04/2015، والذى يقضى بأنَّ معدل الفساد السنوى هو 18 مليار دولار، واضربه فى عدد سنين الإنقاذ ليتضح لك حجم الفساد الفعلى - 468 مليار دولار).
وإذا أدركنا أنَّ الأموال المسروقة (وهى أموال الشعب السودانى، شاء السارق أم أبى) وغيرها التى خرجت خوفاً من نظام الرئيس نميرى كانت بالتقريب حوالى 2 - 3 مليار دولار، وقد كان ذلك قبل 46 سنة (نستثنى من ذلك عودة الأموال الشريفة للسيد داوود عبد اللطيف وغيره)، وهى لم تعد إلى السودان إلى يوم النَّاس هذا، كم من الزمن نحتاجه لإرجاع أكثر من 250 مليار دولار مسروقة بواسطة الإنقاذ، نصفُها لم يتم غسله وتهريبه بعد؟ وإجابتى على هذا التساؤل هى أنَّ ذلك لن يحدث فى ظل هذه الألفية، إلاَّ تحت ظروف إستثناية.
عليه قد تحتاج عودة رؤوس الأموال المسروقة على أحسنِ تقدير لمتوسط عمر جيل بكامله، وذلك يتجاوز ال 65 سنة؛ وهو الوقت الكافى لغسل ذاكرة الوطن من جائحة الفساد التى قد تطاله حين عبرَهُ الفاسدون.
كما نلاحظ أنَّ عودة أبناء ما يُسمى بالأخوان المسليمن إلى السودان بعد تلقِّيهم تعليماً غربياً ضعيفة للغاية، ونستثنى من ذلك الذين أرسلهم التنظيم للدراسات العليا، والذين هم ملزمون بالعودة لأداء واجب تنظيمى من خلال وظائفهم، وبالطبع هذا الواجب لن يخرج من أُطُر ثقافة الإقصاء المعهودة للإنقاذ. وحتى البعض من هؤلاء قد وجد وظائفاً مرموقة فى الجامعات والمرافق الحيوية فى الغرب، والكثير منهم قد آثار البقاء على العودة.
4- لم يستطع أىٌّ من رؤساء العالم الثالث وأثريائه الذين تحصلوا على أموال بطريقة غير مشروعة فى بلدانهم وهرَّبَوها إلى الدول الغربية، من إعادتها بالكامل إلى بلدانهم؛ إما لأنَّهم لم يطمئنوا بعد على الأوضاع هناك ومازالت الذاكرة حيَّة، أو بسبب تعقيدات تحيط بعملية تحويلها خارج تلك الدول الغربية (راجع: لندن تعلن إحباط محاولة سحب أموال ليبية مطبوعة بقيمة 900 مليون جنيه إسترلينى، الراكوبة 03/02/2011. راجع أيضاً: ماهر أبو طير، أين ثروات الذين سقطوا، مجلة عروبة، 20/09/2012. راجع أيضاً: أحمد الخطيب، 5 أكاذيب عن طريق إستعادة أموال مصر المهربة إلى الخارج، 08/11/ 2014. راجع أيضاً: موقع ثروات أثرياء العالم 223 تريليون دولار، 09/01/2015).
فكلُّ من يُحاول أخذ هذه الأموال أو تحويلها إلى مكان آخر، تطاله يدُ أدم سميث الخفية فتُصيِّرُهُ، أو تُصيِّرُ مالُهُ فى خبر كان، ويُقيَّدُ الفعلُ ضد مجهولٍ وهو فى الحقيقة معلوم؛ كما حدث لبعض الإنقاذيين منذ بِضعةِ شهورٍ فى بريطانيا العظمى.
فكثيرون مثلاً، إعتقدوا أنَّ الوليد بن طلال قد حوَّل أمواله لمنظمة خيرية بدوافع إنسانية بحتة (وفضلُهُ فى المجال الإنسانى واضحٌ وضوح الشمس)؛ ولكنَّه لَوْ لم يفعل ذلك لَمَا استطاعَ أهلُهُ من بعده التصرف فى أمواله والإستفادة منها. أمَّا لصوص العالم الثالث من الرؤساء الذين لم يَقْدِموا على مثلِ هكذا صنيع، فإنَّهم يدعمون بأموالهم هذه الأفراد السويسريين والبريطانيين والفرنسيين والأمريكيين وغيرهم. وإذا كان عليك أن تحوِّل أموالك إلى منظمة خيرية لدعم أفراد الإنسانية يا سيادة الرئيس عمر البشير (تلك ال 9 مليار دولار التى كشفها جوليان أسانج وغيرها)، فالأقربون/السودانيون أولى بالمعروف.
لقد فطن بعض الأخوانويين لتلك الحقائق المتعلقة بالغرب، وبدأ يضع أمواله عند أحبابه فى ماليزيا (الأسرع نماءاً بهجرة الأموال إليها)، وتركيا (سِرُّ انتعاش تركيا – أردوغان بتلك الأموال)، وقطر، والأمارات العربية المتحدة وأمريكا اللاتينية وغيرها. ولكن كيف العمل فى أوقات الأزمات (كالأزمة المالية الحالية منذ عام 2008، إنحسار شعبية حزب العدالة والتنمية، حرب الخليج الرابعة فى اليمن)؛ تلك التى اضطرَّت مهاتير محمد أن يضعَ ضريبة على خروج رأس المال الهارب من بلده أبَّان الأزمة الأسيوية عام 1997 (Exit tax)، والتى بلغت 40% وكان لها أثراً فعَّالاً فى تخفيف حدَّة تلك الأزمة على إقتصاد ماليزيا (Stiglitz, 2006).
5- إنَّ الرأسمالى الذى حصل على أمواله على حساب الفقراء (ما غَنِىَ غنىٌّ إلاَّ على حساب فقير) مثقوبُ الضمير، شحيحٌ، وجبانٌ يخشى التهديد والوعيد. ولذلك يُمعنُ فى إخفاء أمواله خارج النظام المصرفى أو بتهريبها للخارج إذا وجد إلى ذلك سبيلا، خاصةً حين تتحرَّش به المعارضة والثورات. ولو أنَّه وجد طمأنةً وقبولاً وباباً مفتوحاً لعودته لربما دخل منه، خاصةً حين يخلو بنفسِهِ ويُحاسبُها ويحملها على التوبة والخلاص مِمَّا اجترح فى حق المواطن والوطن. ويتكرَّس هذا الدافع حينما نعلم أنَّ الغربة/الشتات (مهما أحاط بها من نضار)، فهى لا تعدو أنْ تكون سوى مجموع خُضَرى للحنظلة.
ولا تنسَوْا أنَّ المقابل لذلك هو أن ننتظر حتى يعود الأخوانوىُّ الحفيد بطلاً مستثمراً فى القرن القادم، ويُعطيه أحفادُ الفقراء وسامَ إبنِ السودان البار فى وطن اللا - ذاكرة هذا. وطالما لاشئَ يَعْدِلُ الوطن كما قال المُفوَّه أحمد شوقى، فتعالَوْا نبحث عن صيغة/تسوية لإرجاع أموالنا الهاربة، ونُعيد إستثمارها بالداخل، ونوطِّنها لمصلحة الجميع.
6- الصين حينما علمتْ أنَّ الفساد قد طالَ كلَّ مؤسساتِها العامة، إتَّبعتْ تجربةً فريدةً للخصخصة خلال الثلاثين سنة الفائتة وطبقتها فى بعض المدن ثمَّ عمَّمتها، فكان لها أثراً عميقاً فى تقليل تلك الفروقات الماحِقة التى بدأ يتخوف من أثرها على النمو المستدام حتى الأثرياء فى كل العالم الآن. وتلك التجربة الصينية قد أخرجت 500 مليون صينى من دائرة الفقر منذ بداية التجربة إلى الآن (Stiglitz, The Great Divide, 2015). فهى قد سَمَحَتْ بأيلولة ملكية بعض المشروعات والشركات لمدرائها عند بداية التحول إلى الرأسمالية، على أنْ تتحول تلك المشروعات إلى شركات مساهمة عامة يملكها أؤلئك المدراء وذويهم وكل أهل المنطقة التى يقوم فيها المشروع، وعليها أن تساهم (مع الدولة) فى حل مشكلات الفقر والبطالة والتعليم والصحة وغيرها لكل فرد فى تلك المنطقة.
وهكذا تمَّ إشعال الصين كلَّها بالمنافسة الحرَّة بين مُدنِها وقُراها؛ كلاًّ فيما يُجيد ويتقن، وقد ساهمت تحويلات الصينيين العاملين بالخارج مساهمة غاية فى الأهمية فى دفع تلك التجربة إلى الأمام. كما ساعد فى ذلك القرار الحكومى بإصدار عقوبة الإعدام لكلِّ من يأخذ دولاراً واحداً خارج البلد؛ الأمر الذى جعلَ رأس المال مستقرَّاً موطَّناً ومتَّجهاً نحو الإنطلاق وإعادة الإنتاج الخلاَّق.
فيا دعاة الخصخصة من عهد آدم سميث؛ ماذا لو ملَّكنا مصنع سكر حلفا الجديدة للحلفاويين وجيرانهم، ماذا لو ملَّكنا مشروع الجزيرة لأهلنا فى الجزيرة والمناقل، ماذا لو ملَّكنا مصنع سكر كنانة لأهلنا فى رَبَك وكوستى، ماذا لو ملَّكنا ميناء بورتسودان لأهلنا البجة، والبترول لأهلنا فى غرب السودان. ألا يزيد ذلك من الكفاءة والإنتاجية ومن ثمَّ الكفاية واتِّزان الميزان التجارى؟
الإجراءات الإستثنائية المطلوبة لعودة رأس المال المهاجر
كما ذكرنا آنفاً، فإنَّ الأموال الهاربة من السودان تحتاج إلى قرارات إستثنائية تجعل الوطن جاذباً لرأس المال المهاجر والأجنبى على السواء. وهذه الأجراءات ترتبط مباشرة بالإرادة السياسية للفاعلين السياسيين بالبلد من قِبَل الحكومة والمعارضة؛ أى أنَّ الأمرَ يحتاج إلى تسوية تخرج بالبلد من هذا المأزق والمنعطف الخطير الذى تسير فيه. ودعونى أقترح بعض الملامح لهذه التسوية:
1- الوقف الفورى للحروب التى يشعلها النظام فى كلِّ مكان فى السودان، والجنوح للسلم، والعفو الكامل والشامل والغير مشروط بمكانٍ أو زمان؛ عن كل من يحمل السلاح فى وجه الدولة فى السودان. وكذلك يجب البدء فى برنامج إسعافى (Crash program) لتوطين وتعويض النازحين، وإعادة كافة الخدمات الإجتماعية للمتضررين من الحرب.
2- التخلى عن السلطة الديكتاتورية وإرجاع الأوضاع السياسية إلى ما كانت عليه قبل إنقلاب الإنقاذ، وذلك بالإنخراط فى فترة إنتقالية ديموقراطية تُقرُّ دستوراً مدنياً دائماً للبلاد، يكفلُ الحريات العامة وحقوق الإنسان المنصوص عليها فى كلِّ الدساتير والمواثيق الدولية، وسيادة حكم القانون، واستقلال السلطات، والتداول السلمى للسلطة عن طريق إنتخابات دورية (4 - 5 سنة) حرة ونزيهة.
وعلى هذه الحكومة الإنتقالية القيام بالإصلاحات المطلوبة فى مجال المال والأعمال والإستثمار والضرائب، وقيومية وزارة المالية على المال العام، وحرية إنتقال رؤوس الأموال والتعامل فى النقد الأجنبى، واستقلالية البنك المركزى، ومحاربة الفساد وغسيل الأموال وإلغاء الإحتكارات والإعفاءات.
3- الوصول بالشعب السودانى إلى مرحلة العفو عن فظائع الإنقاذ وجرائمها وفسادها (الدم لأهل الدم، والمال للبرلمان المنتخب) وذلك بجبر الضرر لكلِّ متضرِّر، وإرجاع الجنوبِ إلى شمالِهِ، ودفع كل ديون السودان الخارجية من الأموال المسروقة، وإعادة إستثمار الأموال المتبقية فى يدِ أصحابها داخل البلد وفق خطة قومية مدروسة للقطاعين العام والخاص؛ تساهم فى نقل السودان نقلات تنموية نوعية.
4- إنشاء بنك السودانيين العاملين بالخارج بمقر رئيس فى أحد البلدان الحرة (أمريكا، بريطانيا، وغيرها) وفرع رئيس بالسودان، بهدف تجميع مدخرات السودانيين العاملين بالخارج (لا سيما الأموال الهاربة) وربطه بحلقاتٍ من الإستثمار المنتج فى القطاعات المنتجة وفق الخطة القومية أعلاه. ويجب أن تكون هناك فروع لهذا البنك فى كل الدول التى بها ثِقَل سودانى وغيرها، ويجب أن يكون منفتحاً على كل الأفراد والجاليات والهيئات والشركات والدول التى ترغب فى الإستثمار المنتج والجاد فى السودان.
خاتمة
تُرى هل يَمْلِكُ السودانيون طاقة العفو والإنسانية الشاهقة التى توفرت للزعيم مانديلا، فيغفروا للإنقاذ قتل أكثر من مليونى سودانى فى جنوب السودان، وأكثر من 300 ألف سودانى فى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ووسط السودان وغيرها من بقاع السودان، وتشريد الملايين من هذه المناطق؟ تُرى هل سيغفر السودانيون للإنقاذ فصل الجنوب وسرقة عائدات البترول والمعادن النفيسة وغيرها؟ تُرى هل سيغفرالشعب السودانى للإنقاذ تشويه الدين الإسلامى والأخلاق السودانية؟ ... الأمرُ لكَ أيُّها الشعبُ الكريم.
حسين أحمد حسين،
باحث إقتصادى مقيم بالمملكة المتحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.