شعراء الهايكو العرب يؤسسون للقصيدة المكثفة عبر حراك ثقافي متواصل من أجل مواءمتها مع قواعد الأدب العربي. ميدل ايست أونلاين دبي - خاص الهايكو فن تكثيف اللحظة الشعرية الهايكو واحد من أهم أشكال كتابة الشعر في الأدب الياباني، وينحدر من شكل آخر من الشعر الياباني القديم الذي كان منتشرا في القرن الثامن الميلادي ويسمى"رنغا"، ويحمل رهافة وحساسية عاليتين ربما أكثر من "الهايكو"، وانتشر في البداية بين الأوساط المثقفة، وكانت أصول هذا الفن تعود إلى مباراة شعرية يقوم فيها شخص ما بإلقاء البيت الأول أو "هوكو"، ويتشكل من سبعة عشر مقطعا صوتيا على أن يقوم الباقون بتكملته ببيت ثان وهكذا. ثم طور أصحاب هذا الفن معاني وأساليب جديدة، اختصرت المقاطع ببيت واحد، وانتشر هذا الشكل باسم"هايكو". يتميز "الهايكو" بأن نص القصيدة مكون من بيت واحد وثلاثة أسطر غالبا، وهو الفن الشعري الأقصر في العالم، ويقوم على لغة مكثفة في الإيحاء وموجزة وبسيطة في الألفاظ، وتنحو نحو السهل الممتنع، وصياغة اللحظة الشعرية بلغة واسعة التأويل وشاسعة الخيال. لنقرأ مثلا قصيدة ل"موريتاك" أحد شعراء الهايكو اليابانيين: زهرةٌ سقطتْ تصعدُ إلى غُصْنها لا، إنها فراشة! هذه ومضة شعرية ذات كثافة في الصور والإيحاءات، استثمر فيها الشاعر ألفاظا قليلة وبسيطة في بناء شعري ذكي، وأكثر ما يمكن اعتماده مقوما رئيسا في شعر "الهايكو" هوإسقاط حس الطبيعة والاحتفاء بها والاعتماد على كل عناصرها من ماء وأشجار وأنهار وسماء وحشرات وطيور..الخ، والبحث عن الجوهر في كل عنصر وتوظيفه بإحساس روحاني وبعد رمزي، لنلاحظ مثلا أحد عناصر الطبيعة وحركتها في مقطع لميتسوهاشي تاكوجا: هناك آلاف الحشرات تغني وهناك واحدة منها تغني بجنون وهناك ثلاث خصائص للهايك، الأولى: أن له شرطا "فصليا"، بمعنى أن كل قصيدة تربط نفسها بفصل من فصول السنة. وهكذا ترتبط مع التغيير الذي يحدثه كل فصل في النفس والطبيعة، وهذا الارتباط قد يكون بين الإنسان وزهرة أو حشرة أو نسمة هواء حتى. والثانية: وصف الطبيعة أو مظهر من مظاهرها وذكر صفاتها وربطها تصريحا أو تلميحا بالشعور الإنساني. والثالثة: ربط الطبيعي بالإنساني يتم عبر تركيبة من المشاهدات والتخيلات هدفها إيصال القارىء إلى بعد رؤيوي واسع. وهذا بيت لباشو أشهر كتاب الهايكو اليابانيين الذي يعتبر رائدا ومعلما في هذا الشكل في القرن السابع عشر"1644-1694" يجسد فيه ارتباط الإحساس الإنساني مع أحد عناصر الطبيعة يا للبِركة العتيقة قفزت ضفدعة صوت الماء وهذا الشكل القديم من القصيدة الأسطورة كما سماها الكثير من النقاد يجتاح الوسط الأدبي الياباني من جديد، حيث انقطع الكثير من الشعراء اليابانيين عن إرثهم الأدبي لسنوات بل لعقود طويلة، لكن هذه العودة الحميدة والحميمة تعود من جديد بموجات تحديث في اللغة والدلالة. لكن الاختلاف في طبيعة الحياة بين زمنين غير كثيرا من كتابات الشعراء في هذا الفن فلم يعد الإحساس بالطبيعة واضحا في شعر الهايكو، حيث مشهد المدينة في الحياة المعاصرة مثلا ليس من مكونات التعبير في شعر الهايكو، والطبيعة اختلفت كثيرا في زمننا هذا، لذلك عوض الشعراء المحدثون جانب الحس الطبيعي بجودة التعابير وتكثيف الحس الإنساني. أما بالنسبة للهايكو العربي فلم يعترف النقاد العرب بهذا الشكل الشعري، ولم يعتبروه مدرسة شعرية مستقلة، بل وضعه بعضهم كفرع من قصيدة النثر، فيما قال نقاد آخرون أن بينه وبينها تقاطعات كثيرة، لكن قصيدة الهايكو لها بعد تأملي أكبر لكون التكثيف والإيحاء معا من أهم عناصرها، فيما تتميز قصيدة النثر بسرديات عالية، ومع ذلك فقد استهوى هذا الشكل الموجز العديد من الشعراء العرب على الرغم من عدم التزامهم بقواعده اليابانية. ويعترف الكثير من الشعراء العرب الذين كتبوا هذا الشكل بأنه فن مستورد وحديث العهد، لكن إيقاع الحياة المعاصرة التي تسير بسرعة جنونية نحو اللقطة المكثفة والخاطفة فرض بقوة وجود مثل هذا النوع الأدبي مثله مثل انتشار ما تعارف النقاد على تسميتها بالقصة الومضة، ويميل الكثير من الشعراء والنقاد المعجبين بهذه القصيدة اللمحة إلى اعتبارها امتدادا للقصيدة الشعرية بشكل عام، وليست منفصلة كشكل أدبي جديد، فهي تشبه الخاطرة الموجزة أو الشذرة أو الومضة الشعرية المكثفة، وما تزال قصيدة الهايكو بلغتنا العربية على قيد التجريب في مخبر اللغة، ويشتغل الكثير من الشعراء على تطويرها عبر حراكهم الإبداعي المستمر والحثيث من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الكثيرة، آملين بنضوجها ونقلها بهوية عربية إلى المستوى العالمي. ومن الشعراء العرب الذين اهتموا بقصيدة الهايكو وكتبوها، الشاعر الدكتور رامز طويلة الذي أنشأ مجموعة أدبية تؤسس عبر دراسات وحوارات ونقاشات لصيغة عربية لهذا الشكل الجديد، ليأخذ نمطا من دلالات اللغة العربية دون الخروج عن أصوله اليابانية، ومن شعر الهايكو العربي نقرأ للدكتور طويلة هذين المقطعين: السِتارةُ مُلوِّحَةً تَقْذفُ ماتَبَقى مِنْ نورِ شَمْعَةٍ مُضْطَرِبْ بعينٍ واحدة يبدو القمر