مشاكل اليوم لاتصلح معها حلول الأمس. .و أساليب إسقاط نظام نوفمبر 1958 و مايو 1969 لم تعد صالحة لاستخدامها لإسقاط النظام الحالي للكثير من الأسباب لا أريد الخوض فيها..، السياسيون الذين لا زالوا يتحدثون على نفس النهج قبل ثلاثين 51 عاماً لم تعلمهم التجارب و لن تفعل، أمًا الذين يتحدثون و يكتبون عن فساد النظام و يطالبونه بحل المشكلات الاقتصاديًة و السياسيًة و يقفون هنا.. يقعون تحت ثلاثة فئات : إمًا موظفون لدى النظام و أجهزته الأمنيًة، أو عاجزون عن الفعل، فاقدون لما يحدد اتجاهاتهم مكابرون لا يعترفون بذلك.. ،أمًا الصنف الثالث مجرًد أناس ذوو أفق ضيٍق ينظرون للأمور من زاوية واحدة، ربًما يدركون طبيعة النظام و يعرفون أبعاد المشكلة و لكن أمرهم عجيب..، يُقدمون العربة على الحصان، وينتظرون منه أن يدفع بها إلى الأمام، و المصيبة أنهم حتًى بعد أن يكتشفوا الخطأ ويرون بأم أعينهم أنً الحصان يدفع بالعربة إلى الخلف باتجاه الهاوية يعيدون الكرًة مرات لا تكاد أن تنتهي إلاً على أشلاء وطن و أشباح شعب صابر..، يريدون للشعب السوداني أن يتحرك لإسقاط النظام دون أدنى مجهود أو عناء ، مع علمهم التًام بأنً إسقاط النظام يحتاج للعمل و ليس مجرد أماني، ثمً أنً الكثيرين الذين لايمكن أن نتجاهل صوتهم لسان حالهم يقول: لماذا نخرج للشوارع و نموت دون فائدة؟...،البعض يقول بأنًه إذا سقط النظام ستتفجًر الأحقاد على أساس عرقي..، ليس بالضرورة أن نتفق مع أهل هذا الرأي أو ذاك، لكن ، ليس من حقنا تجاهلهم أو تسفيه وجهة نظرهم..، عليه واجبنا يحتم علينا أن نستمع لصوت الجميع و نصحح المفاهيم الخاطئة بالمنطق و التوعية.. ، أمًا اللامبالون بالشعب الذي يريدون حكمه و لو على طبق من دم.. ، لا هم اقترحوا حلولاً للمشكلات و لا تركوا النًاس العاديين يفكَرون في غيابهم ..بعيداً عن الهرجلة و تكرار التجارب التي نتج عنها بقاء النظام حتًى تاريخه..يوجد العديد من الناس العاديين يمتلكون أفكاراً خلاًقة، لكنًهم لم يجدوا الفرصة للتعبير عنها نتيجةً لضيق المواعين التي تستوعب الأفكار الخلاًقة على اتساعها... ،واحدة من المشكلات التي لم يكتب عنها النًاس و لم يقترح أيًاً كان حلولاً بشأنها هي تلك المتعلقة بأسباب الطاعة و الإذعان ، فعندما تواجه زعماء الأحزاب بها تلتمس منهم عدم الموضوعيًة في تبريراتها، و عندما تواجه الناس العاديين كثيراً منهم يعرفون الأسباب الموضوعيًة..لكن ليس بيدهم شئ..، الخلل عندنا واضح و هو أنً النًاس العاديين متقدمون على القيادة بمراحل، و هذه مسألة سيأتي الحديث عنها.. مأزق الطًاعة.. عندما نرفض الطاعة و الإذعان، و نسير بعكس اتجاه و رغبات و مطالب و تطلعات و توقعات نظام الظلم، ..في هذه الحالة فنحن نمارس شكلاً من أشكال السلطة ، وهذا هو السبب في أهميًة عامل الطاعة و فهم اتجاهاته عند تنظيم حملات حركة المقاومة المدنيًة...، يقول البروفيسور جين شارب: الطاعة بمثابة القلب للسلطة السياسيًة... إذا كان الناس لا يطيعون، فالحاكم لا يستطيع أن يحكم و نظام الظلم لا يمكن أن يسود. من خلال التحدي للسلطة الظالمة ، أو ما يعرف اصطلاحاً "Act of Commission"( عندما نفعل أشياء لا ترغب السلطة في فعلها ) على سبيل المثال، تنفيذ اعتصام على طريق سريع مزدحم أثناء ساعة الذروة المرورية، يعني أنًنا عصينا قواعد المجتمع و حدًدنا الوضع الراهن. أبضاً يمكن أن نحجب الطاعة من خلال الامتناع "Act of omission"(عندما نمتنع عن القيام بشئ ترغب السلطة في فعله)..على سبيل المثال عندما نقرر عدم الذهاب إلى العمل في يوم نحدده...أو عندما نمتنع عن الشراء من محلات محددة ترغب السلطة في تسوقنا منها أو لديها مصلحة في ذلك، فإنًنا نحجب طاعتنا عن النظام ،و هذا أيضاً تغيير للوضع الراهن. لماذا يطيع النًاس؟ ينبغي لحركات المقاومة أن تصنف جميع القطاعات المستهدفة من الجماهير و تحدد أسباب الطًاعة المختلفة ، و تجيب على الأسئلة المتعلقة بالطاعة حتًى تتعامل مع كل حسب تصنيفه و توجد الحلول التي تناسبه...، إن تساءلنا لماذا يطيع النًاس فإنًنا نتحدًث عن ثمانية أسباب مختلفة للطاعة أو تزيد: 1- السبب الأول هو أنً الطاعة تشكل عادة تملي على معظم الناس ما يفعلون لدرجة أنً الكثيرون منا اشترطوا أن تكون طاعة بعض الناس واجب، على سبيل المثال: بعض الموظفين المدنيين وضباط الشرطة و الجيش، حتى الناس العاديين يعتقدون أن واجبهم يحتم عليهم طاعة السلطة و قوانينها ، والقواعد والمعايير الوضعيًة في المجتمع، ومعظم الوقت لا يسألون حتًى عن السبب ناهيك أن يتساءلوا عن شرعيتها أو عدالتها. 2- المصلحة الذاتية: البعض يطيعون لمصلحتهم الشخصيًة سواء كانت معنويًة، مادية، اجتماعيًة ، أو مكافآت نفسيًة...فوائد الطاعة كثيرا ما تدفع الناس لقراراتهم..و هذا خصماً على حركة المقاومة..لذلك من المهم فهم دوافع ومصالح الناس في المجتمع من أجل فهم أفضل ما يمكن أن يدفعهم للتصرف بالتالي عمل اللازم حيالهم. 3- الخوف من العقوبات : البعض نتيجةً لذلك يفكرون أوًلاً في العقوبات قبل أن يقدمون على انتهاك قانون جائر أو تكسير القواعد أو المعايير ، هؤلاء دوماً يفكرون في العواقب ، بالتالي ستكون نسبة مشاركة هؤلاء أقل احتمالاً في عمل المقاومة، أو حملة ما إذا كانوا يعتقدون أنهم قد يعانون من عواقب أو عقاب لهذا الإجراء. 4- "اللامبالاة". ..وهذا يكون واضحاً عندما يكون شعور النًاس ضعيفاً حول قضيًة على المحك، فهؤلاء اللامبالون غالباً تكون القضيًة عندهم ضعيفة أو بطبيعتهم يعانون مشكلة في ترتيب الأولويًات، ربما يشعرون مثلاً بأنً موضوع آخر أكثر أهميًة عندهم، لذلك تفاعلهم حيال قضايا المقاومة و التغيير معدوم ،أو خارج أولويًاتهم. 5- انعدام أو ضعف الثقة: إذا كنت تعيش في ظل القمع لسنوات، تنقصك الثقة بأن أي عمل لديه إمكانية إحداث التغيير.خاصًة إن سبق و حاولت أشياء ولكن بعد رؤية المزيد من الأخطاء، ورؤية المزيد من الظلم، فقدت الثقة بنفسك، وهكذا اخترت عدم فعل أي شيء مختلف... اخترت عدم التفاعل مع الأمر حتًى و إن كنت تؤيًده أو ترغب في حدوثه بشدًة. 6- بعض الناس يعتقدون أنً لديهم التزام أخلاقي للمجتمع الأوسع لإتباع القواعد والمعايير في هذا المجتمع. على الرغم من كل الأخطاء التي يرونها..هؤلاء عادةً يرون في المسئولين أشخاص ذوو منزلة ، مهما كانوا يمثلون المجتمع..لذلك يشعرون بالتزام أخلاقي لطاعتهم في جميع التكاليف ، رغم أنًهم قد يكونوا مدركين لسوئهم. 7- العجز واليأس هو سبب آخر في هذه الحالة النضال اللاعنفي يمكن أن يستغرق وقتا طويلا للغاية قبل أن ينجح. يستطيع تحقيق انتصارات صغيرة على طول الطريق، ولكن على المدى الطويل، قد يتفاقم الشعور باليأس. 8- سبب آخر أن يطيع الناس هو لأن الغالبية العظمى من الناس يفعلون ذلك. هناك أوقات نكون شهوداً على أخطاء و فظائع تحدث أمامنا نشعر بالسوء حيالها ، ولكن لم نفعل أي شيء أو نقول أي شيء... هذا يمكن أن يكون بسبب أنً الغالبيًة من حولنا يتجاهلون ، "لأن الجميع يفعل ذلك، لذلك ينبغي علىً أن أكون مثلهم" حلول مشكلات الطاعة و الإذعان.. كحركة مقاومة مدنيًة علينا إيجاد حلول لهذه المشكلات المتعلقة بالطاعة و الخنوع أن نتعلًم ونعلم بعضنا .. فتحديد و تحليل الأسباب المختلفة للطاعة و الإذعان بمثابة البداية الصحيحة ، الاستماع لوجهات النظر المختلفة و التقييم عامل مهم، إعادة النظر في بعض القضايا و رسم الاستراتيجيًات مفيد لتحديد طريقة التعامل مع كل شريحة من هؤلاء الثمانية. علينا أن ندرك بأنً التغيير ليس سهلاً خاصة أنًنا نعيش جموداً لفترات طويلة...، لمواجهة أزمة الطاعة نحتاج إلى التعلم، فالتقنيات والمنهجيات أيضًا غير كافية و ليست في متناول الغالبيًة..، نحتاج توضيح مفاهيم هامة حول طريقة عمل اللاعنف. يقول المفكرون والفلاسفة اللاعنفيون أنً الامتثال و الخنوع أخطر من الخوف لأن التغيير يصبح صعبًا وبطيئًا... يظهر الامتثال والخنوع وكأنه خالٍ من العنف، يعلمنا ما يرغب فيه خصمنا تماماً كيف ستكون المناهج التعليميًة ، كيف تكون طريقة حياتنا و طرق كسب عيشنا، كيف يكون مفهوم الحرية، ماذا نلبس، ماذا نأكل...الخ، خطورة هذا أنًه يتم دون تعذيب جسدي ، فالكل يعمل ما يمليه عليه النظام الفاسد خوفًا من العقاب. لماذا يمتثل النًاس أو يستكينون؟ كثيرة هي الأسباب، الغالبيًة لتجنب العقاب، و البعض يعتقدون أنًهم ان لم يمتثلوا سيكونون منبوذين من المحيطين بهم، أي بسبب الحاجة إلى القبول الاجتماعي، على الرغم من أنً الحاجة إلى القبول أمر طبيعي، إلاً أنً ما هو غير طبيعي أن نعمل ما لا نرضى عنه لكسب رضاء غيرنا، هذا ما يعرف بالرضاء الشكلي.. لا أتحدث عن القبول الاجتماعي من الذين يقفون في صف النظام، إنًما الذين يدعون معارضة النظام..مثال كتبت عنه سابقاً ما يحدث من مضايقات لقوى التغيير في أكبر أحزابنا السياسيًة... وضعت نظريات المقاومة المدنية الكثير من الحلول لمعضلات الطاعة و الامتثال ، يقول جين شارب : عندما نتخطى الطاعة والخوف نخترع طريقتنا لمواجهة العنف...إذاً التخلص من الخوف عامل مهم، علينا تدريب الناس عليه ليس فقط لمواجهة العنف و إنًما تعريفهم بالقوًة الكامنة بداخلهم و ما يمكن أن تفعله إن استخدموها. أيضاً، يقول الكاتب الفرنسي المخضرم في الفلسفة و السياسة و مؤسس المفهوم الفلسفي للعصيان المدني "اثيان دو لا بوسي"في القرن السابع عشر :لا يستطيع الحاكم حكمنا إلا إذا تنازلنا نحن عن السلطة... إنً الذي ينتهك حقوقنا لا يملك سوى عينين ويدين وجسم واحد تمامًا كأبسط البشر الذين يقطنون مدننا، والشيء الوحيد الذي يسمح له بالتفوق علينا وتدميرنا هو الشيء الذي نمنحه له... نعطي سلطتنا له... ولاستعادة السلطة علينا تخطي الخوف وإيقاف الطاعة....، و هذا مثال آخر متطابق على أحد الحلول التي تحتاج لتدريب..، الطاعة واحدة من مفاهيم العنف ولا نستطيع الانتقال إلى اللاعنف دون أن نعرف أين نحن منها ( العنف موضوع المقال التالي). نحتاج لكي نوجد الحلول لعادات الطاعة الغوص عميقاً داخل نفوس النًاس و تصنيفهم ....، يتساءل و يجيب عالم النفس النمساوي "فيلهلم رايش" في سياق تحليله لأسباب خضوع الكثير من الناس في أوروبا لهتلر رغم تراثهم الثقافي، والفلسفة والفنون والطبيعة الجميلة، و كيف تقبًل الألمان النازيًة؟ فطرح السؤال: لماذا يطيعون؟ خلص إلى أن الناس يُحكمون أولاً ببنيتهم النفسية الداخلية قبل أفكارهم السياسية ومصالحهم الاقتصادية، الحاكم الأول هو بنيتنا النفسية وليس رجل الدين أو السياسة ، كان الناس فقراء في ألمانيا، ولكنهم لم يتبعوا النقابات والشيوعية والاشتراكية لتحقيق مصالحهم بزيادة الأجور و ما شابه.. بل تبعوا من قال لهم :نحن العرق الآري سنصبح ألمانيا العظمى ، وبذلك صوتوا له و انتخبوه بإرادتهم وليس بالإجبار. غير أنًه من أكثر التجارب النفسيًة التي تجيب على السؤال لماذا يطيع النًاس و تصلح نموذجاً لواقعنا السوداني و لها دور مفيد في تدمير معسكر الخصم.. تلك التي أجراها عالم النفس الأمريكي ستانلي ميلغرام المشهورة ب"تجربة ميلغرام" في طاعة رموز السلطة، و هي سلسلة من التجارب العلميًة التي أجرتها جامعة يال لمعرفة الأسباب الكامنة خلف الطاعة، و كيف يطيع الإنسان؟ و إلى أي درجة يطيع عندما يُطلب منه القيام بشيء؟ كانت التجربة في كل مرة مكونة من ثلاثة أشخاص، المتعلًم و هو متطوع ، المعلًم و هو رسمي (شرطي أو موظف حكومي) يتم اختياره على أنًه متطوع، و الأستاذ يمثل القيام بدور رسمي بحكم سلطته على المعلًم (رئيسه الأعلى)، تم تصميمها على أن يقوم الأستاذ بكتابة الأسئلة التي سيطرحها المعلًم على المتعلم الموجود في غرفة منفصلة و موصول بجهاز صعق شحنات كهربائية وفي الغرفة الثانية يجلس كل من المعلًم و الأستاذ، قبل البداية يتم صعق المعلًم بكهرباء قوًة 15 فولت حتًى يكون مدركاً لقوًة التيًار، و تمً الاتفاق مع المتعلًم أن يمثل أنًه فعلاً يتلقى الصدمة التي ستصله في حالة كانت إجابته خاطئة، جهزت الغرفة بكل المؤثرات الصوتيًة اللازمة لأنً الصدمة لم تكن حقيقيًة و إنًما مجرد تمثيل يشبه (الكاميرا الخفيًة)..، أثناء التجربة كان في كل مرة يطلب الأستاذ المسؤول من المعلم زيادة الشحنة الكهربائية بمقدار 15 فولت في حالة الإجابة الخاطئة.... ليس المهم إن كان المتعلم يعرف المعلومات التي تمكنه من الإجابة الصحيحة، و لكن المهم أن ينفذ المعلًم عملية الصعق رغم معرفته بأنه قد يقتله (لأنًه عرف قوًة التيار الذي يزيده في كل مرة عندما تم تجريبه عليه قبل بداية التجربة) ..فقد كان الأستاذ في كل مرًة يقول له: له أكمل ارفع الشحنات، أصعقه فأنا المسؤول، لا تهتم ، .. منهم من لم يسمح له ضميره برفع الدرجة أكثر من 135 فولت و قرر الانسحاب مشككاً في الهدف من التجربة..، ومنهم من أكمل حتًى النهاية..،لكن لم يرفض أحدهم القيام بالأمر قط، مع العلم أنًهم لايعلمون بأن الصعقات وهميًة. ما يستفاد من تجربة ميلغرام أن لا نعوًل على دور ايجابي للبوليس أو الجيش في بداية التحرك لأنًهم ينفذون التعليمات و يقول لهم قادتهم نحن المسئولون عن نتيجة أفعالكم، لكن في المقابل يجب أن نعول على الكثيرين منهم ممًن لازالوا يتمتعون بالضمير الإنساني ، و في جميع الأحوال هذا يحتاج العمل الجاد المنظم غير المنقطع حتًى سقوط النظام...و الأخير لن يتحقًق إلا بانتهاجنا إستراتيجية متكاملة..ستكون الإستراتيجية موضوع الحديث في المبحث القادم...قبل الحديث عنها تبقًى لنا مقالين في هذا الباب ربًما كان الحديث فيهما غير مستساغاً للبعض و خارج نطاق اهتمامات الآخر ...، لكنه واجب شرعي علينا لا بد من القيام به. مصطفى عمر [email protected]