لا مناص للإنسان من النظر إلى مساره التاريخي حتى يتعلم من تفاصيله ومغازيه وكل مكوناته، والإبل تعدّ مكونا رئيسيا في حياة العرب البدو، حتى أنها خرجت من كونها مجرد حيوانات، لتدخل إلى مخيال الفرد والجماعة ثم قصائد الشعراء، ما جعلهم يلقبون هذا الحيوان ب"سفينة الصحراء" وبأسماء عديدة أخرى جادت بها القريحة، حتى أصبحت الإبل في مخيالهم رؤى ثابتة ورموزا قيمية ملزمة في حياتهم، لا تطالها عاديات الزمن، ولا تدهس مكانتها عجلة التطوّر البشري. العرب هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة تسعى من خلال الكتاب إلى العناية بتراث المنطقة أبوظبي- أصدرت دار الكتب التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، كتابا يحمل عنوان "الإبل في التراث الإماراتي" من تأليف ودراسة حماد عبدالله الخاطري النعيمي. يقع الكتاب في 131 صفحة من القطع المتوسط، استند فيها الباحث على العديد من المصادر والمراجع التي ذكرها في نهاية كتابه، متضمنا عدة مواضيع منها "الإبل في الإمارات، أسماء الإبل، أنواع الإبل وسلالاتها، وسوم الإبل في الإمارات، نماذج لوسوم من الواقع، المستلزمات الخاصة بالإبل، الألفاظ المستعملة مع الإبل ومدلولاتها"، وغيرها الكثير من المواضيع المتعلقة بالإبل. وقد جاءت هذه الدراسة في الوقت الذي تتسع فيه دائرة الحداثة، نتيجة للتقدم العلمي الذي شمل العالم بعد الثورة الصناعية، وانتشار وسائل الاتصال والمواصلات، التي أصبح البعيد معها قريبا، كما تراجعت واختفت من الوجود العديد من وسائل الحياة القديمة، التي لا نراها اليوم إلاّ في المتاحف، ولم تعد الحيوانات وسائل لنقل المياه من منابعها إلى حيث يسكن الناس، ولم يعد السفر شاقا على الناس، لأن وسائل المواصلات الحديثة عوضت الإنسان عن وسائل النقل التقليدية كالإبل والخيل وغيرها. وكذلك من أجل أن لا ننسى معاناة الأوائل، وتذكير الأجيال بمظاهر حياتهم من خلال رسم الصورة لأدواتها، وما كانوا عليه، كانت هذه الدراسة عن الإبل، ودورها في حياة السابقين وأهميتها في المجتمع وخاصة المجتمع العربي البدوي، فقد حظيت الإبل بمكانة كبيرة ومتميزة عند العرب منذ مطلع حياتهم إلى يومنا هذا الذي بدأت فيه هذه المكانة المهمة تتراجع نتيجة للتطور الإنساني، وخاصة في مجال الصناعات العصرية، مثل السيارة والطائرة والقطار، فقد كانت الإبل هي المركوب الذي يتنقل عليه العربي من مكان إلى مكان ومن بلد إلى بلد، تاجرا أو منتجعا، أو لأغراض أخرى. وقد خصص الباحث في دراسته فصلا عن أهمية الإبل في الإمارات حيث كانت ومازالت ترافق حياة المجتمع الإماراتي، وهي جزء من حركته اليومية، سواء في البادية أو الساحل، فقد عدّها سكان الساحل والصحراء وسائط للنقل والغزو والثروة، فكان مالك الإبل يعتبر من الأثرياء، إضافة إلى الاستفادة من لبنها ولحمها ووبرها. وكانت القبائل الإماراتية تهتم بالإبل وتغذيتها وامتلاك الأصيلة منها، وهي إلى اليوم تعتز بإبلها رغم التحضر والتقدم العمراني الذي شهدته الإمارات. وهذا الاهتمام لم يقتصر على فئة خاصة من المجتمع، بل شمل الجميع، رغم الانتقال من زمن البداوة إلى زمن الحضارة، وأعدوا لذلك أماكن خاصة خارج المدن والقرى، يطلق عليها اسم "العزبة" جمعها "عزب"، وهي مفردة موجودة منذ القدم، بقيت محافظة على اللفظ والمعنى. لم ينس مؤسس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هذه الثروة، وهذا التراث، فعمد إلى تخصيص الأراضي لملاك الإبل وغيرهم، ووفّر الماء، وأوصله إلى عمق الصحراء، وسارت النهضة الزراعية في خط مواز للتطوّر العمراني، وأقيمت ميادين السباقات، ووقع تشجيع مربي الإبل على الاهتمام بها، وخصصت لهم الجوائز، وأقيمت مهرجانات "المزاين" في جميع أنحاء الدولة، كما أقيمت عدة ميادين في كل إمارة من إمارات الدولة، وحظيت تلك السباقات والمهرجانات بالرعاية والاهتمام لما تمثله الإبل من معطى حضاري وتاريخي وأصالة ضاربة في القدم. فمهما تطوّرت التكنولوجيا وتمدّن الإنسان يبقى لزاما عليه الاعتداد بأصوله ومعرفة تاريخه، وتاريخ الأولين السابقين الذين لولاهم لما كان في الوجود. وتتميز هيئة أبوظبي، التي أصدرت هذا الكتاب، بسعيها الدؤوب إلى العناية بالسياحة والثقافة، حفاظا وحماية لتراث وثقافة إمارة أبوظبي، والترويج لمقوماتها الثقافية ومنتجاتها السياحية، ولتأكيد مكانة الإمارة العالمية باعتبارها وجهة سياحية وثقافية مستدامة ومتميزة، تثري حياة المجتمع وينعم بها الزوار.