سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحرب أولها كلام وآخرها سلام!..لغة البشير أفزعت الكثيرين وأثارت استغراب المواطنين والوسطاء .. لغة البشير خالية من الحكمة، هل تستطيع ذخيرة البشير وحزبه حسم الأمور ؟
أيا كانت نتيجة الانتخابات في جنوب كردفان، فإن المطلوب أن تكون مرضية لجميع الأطراف المشاركة فيها، ونزيهة، وشفافة، بلا تدليس أو غش. وولاية جنوب كردفان هي من المناطق الثلاث ذات البروتوكولات المنصوص عليها في اتفاقية السلام الشامل بجانب منطقة أبيي، وجنوب النيل الأزرق. ولم تطالها الانتخابات التي جرت في سائر ولايات البلاد الأخرى في ابريل الماضي، لشكوك وارتياب في السجل الانتخابي وفي تقسيم دوائرها الانتخابية. والمتهم الأول بالتدليس هو حزب المؤتمر الوطني، صاحب الصولة والدولة من قبل شريكته الحركة الشعبية، وقد تم للأخيرة ما أرادت. لكن الثقة بين شريكي نيفاشا لاتزال مفقودة، سيما بعد أن صوّت الجنوبيون بشبه إجماع لمصلحة الانفصال. ويخوض الطرفان الانتخابات التكميلية في ولاية جنوب كردفان فيما يعتري النفوس وابل من الملاسنات والتراشقات الكلامية. وللعلم فإن الحركة الشعبية تقود هذه الانتخابات بصفتها «قطاع الشمال» بعد أن قررت الحركة الأم إخلاء سبيله ليكون حزبا في الشمال بسبب الانفصال، ولكن مع المحافظة على الود القديم. نار الانتخابات والحملات الانتخابية هي مناسبة لكل مرشح لتقديم برنامجه لكسب الناخبين لمصلحته عبر صناديق الاقتراع، ولكن أن تلجأ الأطراف للوعيد والتهديد بالقتل والدمار، فذلك أمر غير مقبول، خصوصا أنها جاءت من قبل الكبار. وقد أفزعت لغة الرئيس عمر البشير خلال جولته في الولاية المعنية لمصلحة مرشح حزبه لمنصب الوالي الكثيرين، وأثارت استغراب المواطنين وتعدتها الى الوسطاء والوكلاء الذين يبحثون عن المخارج اللائقة للقضايا العالقة وقضايا ما بعد إعلان الدولة الجديدة في الجنوب. كانت لغة البشير خالية من الحكمة، عندما هدد بأن الحركة «قطاع الشمال» ستخسر الحرب والانتخابات معا إن لجأت الى مربع الحرب، ولن تكون هناك اتفاقية سلام، وإن صناديق الذخيرة ستحسم الحرب! حديث البشير كان مثار تساؤل لدى الكثيرين حول مقدرة الذخيرة على حسم الأمور. لقد جرب الرئيس السوداني وحزبه الحرب في الجنوب، ولم تحسمها إلا اتفاقية نيفاشا. وجربها أيضا في الشرق ولم تحسمها إلا اتفاقية الشرق، وجربها أيضا مع أحزاب التجمع المعارض ولم يجد لها مخرجا إلا باتفاقية القاهرة. وكذلك في أزمة دارفور باعتبارها مشكلة أمنية يمكن السيطرة عليها، ولكنها تعقدت وسمع بها القاصي والداني، وأرهقت كل من حاول التوسط لحلها، ومازالت تراوح مكانها، بحثا عن دواء لها. أبيي مرة أخرى وما كان للرئيس أن يجاري بعض قيادات الحركة كمالك عقار الذي توعد بنقل المعركة للخرطوم لو لجأ المؤتمر الوطني للتزوير. ولو قال البشير سلاما لاستحسن قوله، لكنه كثيرا ما ينكث غزله بنفسه في مثل هذه اللقاءات وتحمله الحماسة بعيدا الى درجة يصعب جمع ما تشتت من القول. وفي هذا اللقاء لم يستثن منطقة أبيي ولم يتركها هادئة ليزيل الله كربتها. وقال: «أقولها وأكررها للمرة المليون...أبيي شمالية، وستظل شمالية». ويبدو أن البشير قد ربط ذلك بوعده ارجاع ولاية غرب كردفان بعد طي صفحة اتفاقية السلا. وأبيي بالطبع تقع في الجزء الجنوبي من الولاية التي تم دمجها مع ولاية جنوب كردفان لضرورة القافية، أي اتفاقية نيفاشا. وعلى وجه التحديد بروتوكول المنطقة. على كل ولو كانت تلك قناعة البشير منذ البداية بتبعية أبيي الى الشمال لما سمح أصلا بوضعها على طاولة مفاوضات نيفاشا. وكان وفر الوقت والجهد لو أعطت الحكومة الضوء الأحمر وقالت إن المنطقة ليست موضوع مساومة لإنها في حدود الاستقلال وكفى الله المؤمنين القتال! وكان أفضل لو أن الحكومة لم تفوض الخبراء الأجانب لتحديد حدود أبيي، وتقول بعد ذلك إنها - أي اللجنة - تجاوزت صلاحياتها. إنها لعمري الغفلة والتفريط في الأوطان. وكان أجدى أيضا لو رفضت حكومة المؤتمر الذهاب الى محكمة التحكيم وهي تعرف أن القرار إلزامي ويصعب عليها بلعه ان جاء في غير مصلحتها. وكان أنفع لأهل أبيي لو أنفقت تلك الملايين من الدورات الأميركية لمصلحة تنمية أهالي المنطقة اقتصاديا واجتماعيا بدلا من أن تذهب الأموال سدى لمصلحة مكاتب الخبراء والمحاماة وغيرهم. لا حرب جديدة مساكين أهل أبيي. فهم كالطفل تتنازعه امرأتان كل تدعي أنه لها. الحركة الشعبية تقول إنها جنوبية والوطني يقول إنها شمالية. الوطني يقول إنه لن يعترف بدولة الجنوب إذا ضم دستورها منطقة أبيي. حكومة الجنوب اعتبرت تصريحات البشير نكوصا عن تعهداته السابقة، ومضت رغم نصائح بعض العقلاء في اجازة دستورها الانتقالي الذي يتضمن أبيي، من دون استفتاء! وقال أحد القادة الجنوبيين «إذا صوت أهل أبيي من الدينكا لمصلحة الانفصال فهذا هو المطلوب وإن جاء العكس فستبقى في خارطة الشمال». إذا، حكاية عدم الاعتراف بالدولة الجديدة، حسب تهديدات الحكومة، لا تقدم ولا تؤخر. لن تكون هناك حرب إن أحسنت حكومة المؤتمر الوطني التعامل مع مخرجات الانتخابات التكميلية، في ولاية جنوب كردفان، فإن كانت لها الغلبة، فعليها الاستعانة بحركة قطاع الشمال، خصوصاً في ما يلي العلاقة مع الجنوب. وكانت رسالة رئيس حكومة الجنوب سلفاكير لمواطني الولاية واضحة، بقوله: لن نسمح بحرب جديدة. وأكد أنه في حاجة إلى رجل مثل عبد العزيز الحلو لتأمين أطول حدود بين الشمال والجنوب. واستشهد بالمثل القائل «اليد الواحدة لا تصفق». لقد أظهرت الفترة الماضية تعاوناً وانسجاماً بين الوالي أحمد هارون ونائبه الحلو لدرجة أن البشير منحهما وسام الإنجاز السياسي، غير أن الحلو اعتذر عن قبول الوسام، في سابقة اعتبرت الأولى من نوعها، وذلك احتجاجاً على استخدام الرئيس للغة الحرب. وأوجز الحلو برنامجه في السلام والطعام وضمان مصالح الرعاة في الولاياتالجنوبية الأربع المتاخمة لولايته، وتحويل الحدود إلى مناطق للتمازج وتبادل المنافع بين القبائل الشمالية والجنوبية. ووعد بالمطالبة بنسبة 50 بالمائة من عائدات البترول المنتج في ولاية جنوب كردفان للتنمية. وتوقع نائب رئيس قطاع الشمال ياسر عرمان في مقام مؤازرة الحلو أن تكون جنوب كردفان مدخلاً لإعادة توحيد البلاد، ولو فقه الرئيس في خطابه، لما اعتذر مرشح الحركة عن قبول وسامه. شيء كبير أن يهدد رئيس شعبه بخلع الجلباب ولبس الكاكي، ملابس العسكر، ليشعلها ناراً حمراء في أعلى جبل. سبحانه الله قس هذه العبارات وحالة الصمت المطبق عندما انتهكت قوات إسرائيلية حدود السودان مرتين، وفعلت فعلتها، «وعادت من حيث أتت بكل خيلاء وحقارة». المشورة والمشاورة هذه جنوب كردفان إذاً، في حالة الانتخابات التكميلية والموسومة بالمشورة الشعبية في اتفاقية نيفاشا. و«المشورة – المشاورة» عبارة يفسرها كل على حسب رغبته، من الأخذ برأي المواطنين إلى الحكم الذاتي. المهم أن الاتفاقية تنص على أن المشاورة - المشورة - الشعبية حق ديموقراطي، وآلية لتأكيد وجهة نظر مواطني الولايتين «جنوب كردفان/ جبال النوبة، والنيل الأزرق» بشأن اتفاقية السلام الشامل الذي تم التوصل إليها بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان. وتقرأ أيضاً «إذا قررت أي من السلطتين التشريعتين في الولايتين، بعد استعراضهما للاتفاقية أن تصحح في إطار الاتفاقية قصوراً في الترتيبات الدستورية والسياسية والإدارية للاتفاقية، فعندئذ تشرع السلطة التشريعية في التفاوض مع الحكومة القومية بغرض استكمال النقص». ولهذا يتنافس الوطني والحركة/ قطاع الشمال للفوز في الانتخابات التكميلية، وصاحب الأغلبية سيكون له القدح الأعلى في تحديد المشاورة أو المشورة الشعبية. ومع ذلك، فإن التعامل مع الانتخابات لا يرقى إلى منطق «حياة أو موت»، وهي في نهاية المطاف تعبر عن إرادة المواطن. ولا داعي لخلع الجلاليب والعمائم ولبس الكاكي وفتح صناديق الذخيرة . القبس