العبد الفقير لله لا يملك إجابة على هذا السؤال، ولا ينبغي له أن يدلي حوله بأية إجابة أو فتوى، وإنما يطرحه هنا على أهل الذكر، عملاً بمقتضى الآية الكريمة (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)، ومناسبة هذا السؤال لم يفرضها فقط قول الإسلامي والقيادي بالمؤتمر الشعبي أبوبكر عبد الرازق المنشور نهاية الأسبوع الماضي، الذي جاء فيه بأنهم حال وصول حزبهم للسلطة فإنهم سيحكمون بالشريعة ثم (لكن) ذلك، مضيفاً (لكن الشريعة خشم بيوت)، وإنما أيضاً بسبب عدد من الشواهد الأخرى تشير لذات المعنى الذي قصده القيادي بحزب الترابي... ففي لقاء حاشد ومشهود قبل عدة سنوات كانت السلطة قد أعلنت على رؤوس الأشهاد، أن القوانين المحكومة بها البلاد والسارية على العباد قوانين مدغمسة، ولم تكتفِ السلطة بتوصيف حالة هذه القوانين وإنما أخذت على نفسها عهداً بأن تجليها من الدغمسة التي رانت عليها حتى تصبح شريعة كاملة الدسم، لا فيها شق ولا طق. بقي أن تعرف عزيزنا القارئ أن هذه القوانين الموصومة بالدغمسة هي قوانين الشريعة السارية في البلاد منذ سبتمبر (1983)، ويطلق عليها مناوئوها (قوانين سبتمبر)، وهي ذاتها التي يصفها الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار بأنها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، والاتحاديون وصفوها بأنها أبعد ما تكون عن روح الإسلام ومقاصده السمحة في العدالة والنزاهة والحرية واستقامة الحكم ورشده، وقال فيها رئيس القضاء الأسبق مولانا خلف الله الرشيد، إنها محض خمسة حدود تم إقحامها قسراً في قانون وضعي، أما الأستاذ محمود محمد طه، فقد دفع حياته ثمناً لمناهضتها عبر منشوره ذائع الصيت «هذا أو الطوفان»، والشاهد هنا هو أن من حكمونا طوال هذه السنين كانوا يزعمون أنهم يُحكّمون شرع الله فينا ويحكموننا به، بل ويؤكدون أنه لا تبديل له ولا بديل عنه، لم يقل أي واحد منهم إنها قوانين مدغمسة، وإنما بالعكس كان كل من يقول فيها كلمة يرمونه بالزندقة ومحاربة شرع الله، ظل هذا هو حالهم مع هذه القوانين منذ سبتمبر 1983م وإلى ما بعد نيفاشا وقبل ذاك الاعتراف الجهير، إذن وبعد كل الذي تقدم والتشويش والتبخيس الذي طال قوانين سبتمبر (1983)، يحق لنا أن نسأل: هل فعلاً الشريعة خشم بيوت وأي بيت منها هو الشريعة الحقة غير الملتبسة وغير المدغمسة؟... [email protected]