كشفت جملة من الدراسات أن الميل إلى الشعور بالسعادة والإيجابية أو الانغماس في الحزن والاكتئاب مرتبط بجينات متوارثة بين الأجيال. وأثبتت بعض التجارب أن الآباء المحبين للحياة والضحك والسعادة يمتلكون جينات خاصة تنتقل إلى أطفالهم فيتسمون بها. وتنطبق القاعدة ذاتها على من يشكون من التوتر والقلق والاكتئاب وما تلحقه هذه الأعراض من أمراض نفسية وصحية بأبنائهم قد تصل في أشد الحالات تقدما إلى الإحباط الشديد ثم الانتحار. العرب باريس - أثبت باحثون أن الجسم يحتوي على جينات وراثية مسؤولة عن الشعور بالسعادة أو بالحزن. فقد أوضحت دراسة أميركية سويسرية مشتركة، أن سر الضحك بكثرة ربما يكمن في الحمض النووي للإنسان، وبالتالي قد ينتقل بالوارثة. ولفتت الدراسة التي نشرتها مجلة "إيموشين" الصادرة عن الجمعية الأميركية للطب النفسي، إلى وجود علاقة بين مدى طول الجين 5- ايتش تي تي ال بي، والضحك بسهولة، في ضوء التجارب التي أجراها علماء على 336 شخصا، حيث درسوا ردود أفعالهم أثناء مشاهدتهم أفلاما كوميدية. وركز العلماء على الابتسامات والضحكات العفوية، وأخذوا عينات من الحمض النووي، للمشاركين في الاختبارات. ووجدوا أن الذين يمتلكون جينات 5- ايتش تي تي ال بي قصيرة الطول، يبتسمون بسهولة أكثر وتتسم ضحكاتهم بالعفوية والصدق، حيث أن الجين المذكور يلعب دورا في تنظيم مادة "السيروتونين" الموصوفة بهرمون السعادة. وخلص علماء في دراسة أخرى إلى أن عنصرا جينيا صغيرا يتفاوت بحسب الشعوب قد يكون مسؤولا عن مستوى السعادة في بلد أو مجموعة ما. وجاء في هذا البحث المنشور في مجلة جورنال أوف هابينيس ستاديز (سبرينغر) أن حاملي هذا التحول الجيني هم أقل ميلا إلى الشعور بالهم والقلق، وبالتالي أكثر ميلا إلى القول إنهم سعداء. وقال معدا الدراسة مايكل مينكوف من جامعة إدارة الأعمال في فارنا (بلغاريا) ومايكل هاريس بوند من معهد البوليتكنيك في هونغ كونغ "إنها المرة الأولى التي تظهر فيها دراسة أن التفاوت بين الدول على صعيد السعادة عائد إلى عنصر جيني". الأنانداميد مادة طبيعية تزيد من متعة الحواس وتخفض من الشعور بالألم وقد أبرز الباحثان رابطا بين نسبة عالية من الأشخاص الذين يؤكدون أنهم سعداء في بلد ما، والوجود المنتشر لتحول جيني في صفوف هذه الشعوب. وأكثر الدول "سعادة" في العالم هي التي يسجل فيها أعلى انتشار لتحول جيني يمنع تلف الأنانداميد، وهي مادة طبيعية تزيد من متعة الحواس وتخفض من الشعور بالألم. وينتشر هذا التحول الجيني في غرب أفريقيا، ولا سيما في غانا ونيجيريا وفي أميركا اللاتينية، خصوصا في المكسيك وكولومبيا. وعلى العكس، فإن سكان بعض الدول العربية مثل الجزائر والأردن الذين لا يسجل وجود هذا التحول الجيني كثيرا في صفوفهم، هم أقل ميلا إلى القول إنهم سعداء. والأمر نفسه ينطبق على سكان شرق آسيا مثل الصين وتايلاند. وجدير بالذكر أن باحثين يابانيين بينوا أن غياب السعادة يزيد من أمراض القلب والأوعية الدموية ويدفع إلى الانتحار. وأظهر البحث أن الذين يعتقدون أن الحياة لا تستحق أن تُعاش هم أكثر عرضة للموت خلال الأعوام القليلة القادمة. ويقول الدكتور توشيماسا سوني وزملاؤه من كلية الطب في جامعة توهوكو إن البحث هو الأكبر من نوعه حتى اليوم الذي يحقق في كيفية تأثير البهجة والشعور بالرغبة في الحياة على احتمالات الموت. ودرس الباحثون 43390 رجلا وامرأة تتراوح أعمارهم بين 40 و79 عاما يعيشون في إقليم أوساكي وتمت متابعتهم لمدة سبع سنوات توفي خلالها 3048 منهم. أكثر من 50 بالمئة من أبناء المصابين بالاكتئاب يطورون اكتئابهم بحلول نهاية سنوات المراهقة وهؤلاء الذين لم يكن لديهم إحساس بالبهجة لم يكونوا في الأغلب متزوجين أو لديهم عمل وكانوا أقل تعليما ويعانون من أحوال صحية أسوأ وأكثر اضطرابا على المستوى العقلي وأكثر شعورا بالألم الجسدي. وكانوا على الأرجح ذوي أنشطة بدنية محدودة. ومن بين 186 حالة وفاة نتيجة أسباب خارجية من بين المشاركين في الدراسة الذين توفوا كانت هناك 90 حالة انتحار. وتبين أن الأشخاص الذين ليس لديهم شعور بالبهجة كانوا أكثر عرضة بنسبة 50 في المئة للموت نتيجة أي سبب خلال فترة المتابعة مقارنة مع هؤلاء الذين لديهم شعور بأن الحياة تستحق أن تُعاش. هؤلاء كان لديهم خطر أكبر بنسبة 60 في المئة للموت نتيجة أمراض القلب والأوعية الدموية وأبرزها الجلطة الشائعة، وخطر أكبر بنسبة 90 في المئة للموت نتيجة أسباب خارجية. وكانت هناك دراسات مكثفة لدور العوامل الوراثية في الإصابة بالكثير من الأمراض وتبين بشكل قطعي أن هناك استعدادا وراثيا يظهر بشكل واضح في بعض العائلات خصوصا في حالات الاكتئاب الذهني والاكتئاب الشديد. ويشار إلى أن أكثر من 50 بالمئة من أبناء المكتئبين يطورون اكتئابا بحلول نهاية سنوات المراهقة.