تناقضات كثيرة في حياته متجولاً ما بين بيت الصوفية التي نشأ في كنفها، قبل أن يخلع جلبابها متردياً الزي الليبرالي، والتي تشبع من قيمها المتمثلة في الديمقراطية، ولكن سرعان ما ارتمى في أحضان النظام الشمولي، الذي لم يمكث فيه طويلاً ليصبح أحد أكثر الشخصيات انتقاداً لنظام نميري الذي تجول في عدد من مؤسساته التنفيذية، ليختار العمل مع الحركة الشعبية الحاملة للسلاح ضد النظام، اقتناعاً بأطروحات وفكر رئيسها الراحل د. جون قرنق ، الذي أصبح مستشاراً له. خلال اليومين السابقين تقدم عدد من أبناء السودان بتكريمه تحت شعار "عمارة العقل وجزالة المواهب" بقاعة الصداقة، حضره عدد من المسؤلين بالدولة، إلى جانب ممثل رئيس دولة الجنوب سلفاكير ورجالات السلك الدبلوماسي، المحتفى به د.منصور خالد محمد عبدالماجد الذي ولد بأم درمان في يناير من العام (1931)م، وينحدر من أسرة أمدرمانية عريقة فجده الشيخ (محمد عبد الماجد) المتصوف المالكي، إلا أن أسرته قد غلب عليها طابع التصوف، وهو ما وثقّه منصور بنفسه في سيرته الماجدية، درس الأولية بأم درمان، والوسطى بأم درمان الأميرية، ثم مدرسة وادي سيدنا الثانوية العليا، ثم كلية الحقوق جامعة الخرطوم والتي زامله فيها الدكتور حسن الترابي ووزير العدل الأسبق عبد العزيز شدو، ورئيس القضاء الأسبق الراحل خلف الله الرشيد، وحصل على الماجستير في القانون والدكتوراة من جامعة بنسلفانيا بباريس. بعد إكمال دراسته عمل منصور بالمحاماة، ثم عمل سكرتيراً لرئيس وزراء السودان عبد الله بك خليل في الفترة من (1956 1958) م، والذي ظهر في الساحة السودانية عبر بوابة عبد الله بك رئيس وزراء السودان السابق، وأحد كبار الجنرالات والساسة في تاريخ السودان الحديث، ويعتبر خليل عراب منصور خالد السياسي،عمل أستاذاً للقانون الدولي بجامعة كلورادو، ثم أنتقل بعدها للعمل بالأمم المتحدة، ثم منظمة اليونسكو بباريس . استقالته بعد قيام مايو في العام (1969)م في فترة حكم الرئيس جعفر نميري عمل وزيراً للشباب والرياضة والشئون الاجتماعية، ثم سفيراً للسودان بالأمم المتحدة، تقلد عدة مناصب: حيث عمل وزيراً للخارجية والتربية ومساعداً لرئيس الجمهورية آنذاك، في العام 1978، وتقدم باستقالته من المكتب السياسي وخرج من نظام مايو معللاً خروجه بتغول النظام على مؤسسات الدولة، وعقب مغادرته للبلاد في العام (1978م) عمل في معهد ودرو ويلسون بمؤسسة اسمثونيان بواشنطن، كما شغل موقع نائب رئيس اللجنة الدولية للبيئة والتنمية التي انشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام (1982)م. منجزاته الفكرية له عدد من المؤلفات حول السياسة السودانية باللغتين العربية والانجليزية، ونشر العديد من المقالات في الدوريات والمجلات الدولية عن قضايا التنمية والسياسه في العالم الثالث. ومن أبرز مؤلفاته (السودان والنفق المظلم قصة الاستبداد والفساد الذي انتقد فيه نظام نميري وهو ما وضحت فيه بصورة واضحة مصادمته ومفاصلته لنظام مايو، والذي صدرت الطبعة الأولى منه في يناير من العام (1985)م قبل ثلاثه أشهر من سقوط حكم النميري، بالإضافة لكتابه السودان، أهوال الحرب وطموحات السلام (قصة بلدين ) وهو سفر ضخم، جمع فيه كل قصص الحرب الأهلية السودانية، انضم إلى الحركة الشعبية منذ أيام جون قرنق، وتنبأ في الكتاب بانفصال الجنوب عن الشمال.وهذا يظهر من خلال اسم الكتاب ( قصة بلدين). سر التناقض وعن سر التناقض الذي يحمله منصور خالد، من خلال إيمانه بالديمقراطية والليبرالية، ورغم ذلك عمل مع نظام شمولي عسكري فترة عمله، كما عمل مع الحركه الشعبية ذات التوجه المسيحي، ودافع عن ذلك من خلال حديثه في برنامج الذاكرة السياسية بقناة العربية رافضاً وصفه بالسياسي، لكرهه في الواقع أن يوصف بهذا الوصف، منصور أضاف أنه اكثر من يعرف نميري، وأكثر من انتقده، مبيناً أن نميري ليس كله موبقات، فهو من استطاع أن يحقق السلام في السودان باتفاقه مع الحركه الشعبية في بداية الثمانينات، ولكن خرجت منه عندما عجزت عن درء الخصومات غير المبرره بين أعضاء حكومته. حب الموسيقى وصفه الكاتب صلاح جلال في مقال نشرة قبل أيام من إعلان تكريمه يقول فيه بأنه يحب الكلام الموزون المدوزن، وله ذائقة أدبية رفيعة، يحب الموسيقى وله العديد من الأسطونات القديمة، وفنانه المفضل حسن عطية، فقد وقف معه موقفاً نبيلاً في مرضه ونعاه عند موته بتحفة أدبية، كما يعشق أغاني الحقيبة، فقد حدثنى مرة أنه بصدد التدقيق الأدبي في مائتى أغنية من أغانى الحقيبة، أول مرة استمع لجمال فرفور بمنزل دكتور منصور، ووجدت عنده أسطوانة أسمعنى لها وهو يشيد بجمال صوته، ووصفه بانه مجدد رونق أغانى الحقيبة. الاتهام بالعمالة ففي الوقت الذي يرفع فيه البعض منصور لمكان علي، فإن بعضهم قد حط من قدره لدرجة وصمه بالعمالة الأجنبية، مثل د. عبد الله علي إبراهيم وصم منصور بالعمالة للمخابرات الأمريكية. عزوفه عن الزواج ويظل السؤال قائما بشأن عزوف رجل في قامة منصور خالد عن الزواج في مجتمع تقليدي يحترم المؤسسة الاجتماعية، ومنصور قال في حديث سابق إن أستاذه جمال محمد أحمد المفكر ووزير الخارجية الأسبق قد منعه من الزواج مرتين، مخاطباً إياه "أنت مشغول ولن تنفع مع نمط حياتك زوجة، وتقول مصادر مقربه من منصور أن منزله الحالي بوسط الخرطوم تم اهداؤه له من قبل رئيس حزب الأمه الإمام الصادق المهدي ،عندما لم يكن له منزل. مستشار جون قرنق يقول عنه البروفسير علي شمو إن منصور كاتب قيم وباحث مثقف في مختلف قضايا السودان، فهو مؤرخ يعتمد على الوثائق والمعلومات التي تؤكد ما يذهب إليه، ويعتبر واحداً من المثقفين الذين لهم عطاء معروف، وخاصة فترته أبان حكم مايو التي وصفها بأنها أكثر فترة برز فيها نجمه كسياسي، كما أن عمله كمستشار لزعيم الحركه الشعبيه د.جون قرنق يعتبر محطه مهمه في حياته، لما كان يحمله من رؤية تختلف عن أبناء الشمال، بحسب رأي قرنق. ويقول أحد المقربين منه والذي فضل حجب اسمه إن منصور ككاتب لا يشق له غبار ولدية ذخيرة علمية، ولكنه مستلب فكرياً، وأكثر ما يعاب عليه أنه يغتات من وراء السياسة، مما خصم منه كثيراً كمفكر وكاتب.. ورغم أن الحديث عن منصور خالد يطول، إتفق الناقدون أو اختلفوا حوله لكنهم جميعاً لاينكرون أن له عطاءه المتواصل وجديته البحثية من خلال ما كتبه وخطه قلمه لعدد وافر من الكتب والمقالات التي يتداولها جيل بعد جيل، فهو هرم معرفي لايمكن تجاوزه قدحاً أو مدحاً. آخر لحظة