* كتبت وتحدثت كثيرا عن تدنى مستوى التعليم فى بلادنا من واقع تجربتى الطويلة فى التدريس الجامعى داخل وخارج السودان، وكصحفى يتناول الشأن العام بغرض الاصلاح، ولا أريد أن اتحدث عنه اليوم الا فى حدود ضيقة، بالاضافة الى تعليق مختصرعلى الطريقة الاستفزازية التى تناول بها الصحفى الأردنى (فهد الخيطان) موضوع الطلاب الأردنيين الذين يختارون السودان لاكمال تعليمهم والحصول على شهادة ثانوية (سهلة) تؤهلهم للقبول بالجامعات السودانية، بعد فشلهم فى الحصول على الشهادة الثانوية الأردنية (التوجيهية) لصعوبتها واستحالة ممارسة الغش للحصول عليها، كما يقول الكاتب!! * صحيح أن التعليم، بكل مكوناته، قد تدنى كثيرا عن السابق فى بلادنا، وكذلك مستوى الطالب والخريج، فى مختلف مراحل التعليم، العام والعالى، وان ما اطلق عليه (ثورة التعليم) لا يمكن وصفه بأى حال من الأحوال ب(الثورة) ..إلخ، غير أننا لا يمكن أن ننكر أن هذه (الثورة) قد أتاحت التعليم لعدد كبير من الطلاب، كان مصيرهم سيكون أسوأ، لو لم يجدوا جامعات يلتحقون بها، ويحصلون فيها على قدر إضافى من التعليم، مهما كان متدنيا، بعد إكمال التعليم العام. * الفكرة بتوسيع مواعين التعليم العالى لم تكن خاطئة اطلاقا، وكل دول العالم تسعى لفتح الجامعات والكليات والمعاهد على كل المستويات (بكالريوس، دبلوما، شهادات متنوعة)، ولكن الخطأ كان فى التنفيذ، فلا يعقل أن تُفتح الجامعات كما تفتح كناتين الأحياء بدون ان تتوفر لها الامكانيات المطلوبة، وتُحوّل المعاهد الى جامعات فقيرة، وتُحرم البلاد من الكوادر الوسيطة التى لا غنى عنها لأى عمل، من اجل تخريج حملة شهادات جامعية، حتى لو كانوا رفيعى المستوى، دعك من أن يكونوا دون المستوى المطلوب. * لقد كان بالامكان فتح الجامعات بتدرج معقول يراعى الشروط المطلوبة فى التعليم الجامعى لتخريج حملة درجات جامعية بمستوى معقول، وكذلك فتح كليات موازية لتخريج حملة دبلومات وشهادات بمستوى معقول، وتطوير التعليم العام لرفد الجامعات وسوق العمل بخريجين حملة شهادات ثانوية بمستوى معقول، بالاضافة الى العمل على خلق وظائف متنوعة تستوعب قدرا مناسبا من الخريجين بدلا عن تخريجهم الى الشوارع، ليس ذلك فقط، بل وبمستويات متدنية لا تتيح لهم فرصة المنافسة للدراسة او العمل خارج البلاد، كان هذا ما يجب أن يحدث، ولكن التكالب على (الشوفينية) وحب إظهار العضلات أفسد كل شئ!! * رغم ذلك، لا نقول إن نظام التعليم السودانى بالسوء الذى يصوره البعض، فهنالك الكثيرون الذين تخرجوا من الجامعات السودانية بوضعها الراهن، أثبتوا كفاءة ومقدرة فى الداخل والخارج، وحتى فى الدول ذات المعايير الرفيعة فى استيعاب الخريجين. صحيح أن المستوى تدنى كثيرا عن السابق، ولكن هنالك الكثير من القادرين على اجتياز تلك المعايير، ويشهد على ذلك سوق العمل فى بريطانيا والولايات المتحدة ودول الخليج!! * نأتى الآن للخيطان، فلقد أساء لنا الرجل بلغته المتعالية التى صورتنا وكأننا عديمى المعايير والاخلاق، وذلك باستنكاره لقدوم طلاب اردنيين للدراسة فى السودان والحصول على شهادة ثانوية (ميسرة) للجميع بلا ضابط أو رقيب، تتيح لحاملها الحصول على درجات فى الطب والهندسة من الجامعات السودانية بدون اجتياز الشروط لمطلوبة .. لا، المسألة ليست كذلك، فالحصول على درجات جامعية من جامعاتنا دونها الكثير من الجهد والتعب، ولا يمكن القياس على جامعة واحدة أو حتى (جامعات)، أو على عدد من الطلاب الأردنيين الفاسدين، مارسوا نوعا من الفساد بمعاونة عدد من الفاسدين السودانيين للنجاح فى الامتحان والحصول على الشهادة (السهلة)!! * صحيح، هنالك تدنى وهنالك فساد، ولكنه لا يعنى فساد الجميع فى بلادنا لدرجة تصويرنا كشعب فاسد يمارس بيع الامتحانات على قارعة الطريق من اجل عيون طلاب اردنيين فاسدين وتلبية رغباتهم مقابل حفنة دينارات!! الجريدة