دخل السودان هذا الأسبوع في اتفاق مع الصين، يتيح له استغلال الطاقة النووية للأغراض السلمية بإنشاء محطة للتوليد الكهربائي النووي، الاتفاق جاء عبر مذكرة تفاهم بين الشركة العامة الصينية، الشركة الصينية للكهرباء النووية (CNNC)، ووزارة الكهرباء والسدود السودانية، ورغم أن نص الاتفاق لم يعلن فإن تصريحات المسؤولين أشارت إلى أن الاتفاق النووي جاء في إطار التعاون بين البلدين خلال اجتماعات اللجنة المشتركة الصينية السودانية، لبحث التعاون في كل مشاريع الطاقة في السودان، بما في ذلك الكهرباء والنفط والطاقة المتجددة والتحديات التي تواجه القطاع النفطي في السودان، وسداد ديون الصين على السودان وإمكانية تطوير الإنتاج النفطي وزيادته والاكتشافات الجديدة، وتوسيع المصافي وموانئ تصدير النفط واستخراج واستخدام الغاز. إن الواضح أن فرص التعاون بين البلدين في هذا المجال هي الأكثر أهمية من اتفاقية المحطة النووية، لأن قضايا النفط والغاز واختناقات الطاقة هي المشاكل الآنية التي تحتاج لمعالجات عاجلة، أما المحطة النووية فهي مشروع بعيد المدى يحتاج إلى بنى تحتية وإمكانيات علمية وبناء قدرات في بعض مجالات العلوم التي لم يتوفر لها الاهتمام الكافي ولا التطور الواضح في السودان، لذلك فإن البداية الأكثر احتمالاً هي أن يتم في هذا المجال تفعيل البحوث في المجالات النووية وتطوير استخداماتها في الأغراض السلمية، قبل الدخول في مجال التوليد النووي باهظ التكاليف. وعلى مستوى العالم كله ما زال التوليد النووي يحتل الموقع الرابع، ويتفوق عليه التوليد الحراري باستعمال الفحم الحجري أو باستعمال الغاز، ثم التوليد المائي، وكلاهما متوفر حاليا في السودان، وينبغي أن يحصل على الأولوية في ترقية أدائه، وفي مجال الطاقة المتجددة هناك طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ثم يأتي التوليد النووي في المكان الأخير، ومجموع ما يوفره التوليد النووي من طاقة في العالم اليوم لا يتجاوز %11 من الاحتياجات العالمية وهو متوفر فقط في 31 دولة على مستوى العالم، وتكلفته الابتدائية عالية مقارنة بالوسائط الأخرى، لكن له ميزات أخرى، غير أن الواقع الاقتصادي في السودان والبيئة العلمية المطلوبة مما يفرض التريث في الإقدام عليه وسيظل فكرة مؤجلة إلى حين! وقد سبقت السودان في التفكير في اللجوء للطاقة النووية بعض الدول الإفريقية، وفي مقدمتها جنوب إفريقيا ومصر ونيجيريا وكينيا، وما زالت أغلب هذه الدول في مرحلة الدراسات الأولية، وهي مرحلة نتوقع لها في السودان أن تحتاج لوقت أطول نسبة لضعف البنى التحتية والإمكانات العلمية المطلوبة. لقد تصدر نبأ المحطة النووية نشرات الأخبار إثر التوقيع على الاتفاقية الإطارية، لأن فكرة دخول السودان النادي النووي للأغراض السلمية بدت للمتابعين خبرا مثيرا، يقتضي الاحتفاء به، لكننا نعتقد أنه سيكون البند الأخير في التنفيذ في أجندة التعاون الصيني السوداني في مجال الطاقة، وستجد البنود الأخرى التي بحثت في اجتماع الخرطوم هذا الأسبوع مثل تطوير إنتاج النفط أو استخراج أو استخدام الغاز أو توسيع المصافي والموانئ، الأسبقية في التنفيذ، لأنها هي القضايا العاجلة في السودان والأقل تكلفة مادية، أما الطاقة النووية والحديث عنها فسيظل يدخل في باب التفكير الرغائبي ولا شيء سواه.; العرب