يقدم نموذجاً اجتماعياً بأدوار شابة القاهرة محمد عبد الرحيم: ضمن عروض عيد الفطر السينمائية في القاهرة يأتي فيلم «من 30 سنة» ليصبح التجربة السينمائية المُحتملة في ظِل خلطة الأعمال المعروفة، المُعتمدة على الرقص والغناء الشعبي، ونقل الكبارية إلى صالة السينما. الفيلم أيضاً يعتمد مجموعة من الممثلين، وبذلك خرج من نفق النجم، والبطل الذي يقوم جميع الممثلين بدور (السَنيده) لخدمته. ويتطرق إلى حكاية بعيدة عن الحكايات المعتادة في السينما في السنوات القريبة، فهو يعتمد الجريمة والتشويق وعلاقات الحب، وهكذا يقترب العمل من دراما المسلسلات أكثر، ولكن في إيقاع سينمائي إلى حد كبير. تقترب مدة الفيلم من الساعتين ونصف الساعة، إضافة إلى كثرة الشخصيات وعوالمها، التي لعب الحوار في تعريفها الدور الرئيس، كذلك تتجاور هذه الأحداث حتى تخلق حالة يصل بها العمل إلى نهايته، مفاجأة النهاية التي يلعب عليها الفيلم منذ البداية، ويحاول بشتى الطرق أن يخالف توقعات المُشاهد، وكأن هذه الحالة هي نجاح الفيلم الوحيد. الفيلم أداء كل من.. أحمد السقا، منى زكي، شريف منير، ميرفت أمين، نور، صلاح عبد الله، رجاء الجداوي، أحمد فؤاد سليم، محمود البزاوي، ومجموعة من الممثلين الشباب. تأليف أيمن بهجت قمر، ومن إخراج عمرو عرفة. لعنة الثروة أسرة كبيرة من الأسر التي تعمل في تجارة السلاح، حيث الجد الأكبر الراحل كان مؤسساً لهذه التجارة، وقام قبل وفاته بتوزيع ثروته على الجميع، إلا أن بعض الأخوة استغل البعض الآخر بالتحايل وضم هذه الثروة، وبذلك يصبح هناك جيل من الأبناء يعاني الفقر في ظِل ثراء الآخرين. يتصدر هؤلاء أحمد السقا (عماد) الأديب والمؤلف الروائي، الذي يبدأ في كتابة روايته الأولى عن هذه العائلة. ليأتي ابن العم شريف منير (عمر) من لندن ومعه ثروة كبيرة، يريد توزيعها عليهم بالعدل، فهو عقيم كما يدّعي، وقد حصل على الثروة من أحد رجال الأعمال الذي وثق به ثقة مُطلقة. مشكلات وتحالفات بين أفراد العائلة، صلاح عبد الله وشقيقه أحمد فؤاد سليم، والعمة الكبيرة المتسلطة في شكل كوميدي رجاء الجداوي، أو الخالة المتصابية ميرفت أمين، وهكذا نتعرف على عولمهم وحكاياتهم في شكل حواري أقرب إلى التسطيح منه إلى معرفة هذه الشخصيات بالفعل. عمليات القتل المجاني وكمحاولة لإصلاح هذه العائلة، ومن خلال سلطة الثروة، يبدأ (عمر) في المحاولة، بأن يهدد هذا أو ذاك بالحرمان من الثروة. ليقابلة في الطريق أحد المجاذيب قام بالدور محمود البزاوي ويحدثه في صوت يبدو مسموعاً لمن حوله، بأنه سيقتل (9)، لتتوالى بعد ذلك عمليات القتل المجانية لأفراد الأسرة، وبالتالي يُعاد تقسيم الثروة الأساسية على الآخرين. حتى تصبح اللعبة قاصرة على عماد وعمر، وبينهما منى زكي (حنان) حبيبة عماد وزوجة عمر. الوحيدة البعيدة عن العائلة، حيث تقوم بدور شاعرة من الإسكندرية مضروبة بوهم الشعر العامي. لعبة الثلاث ورقات وبينما يتأسى المُشاهد لعمليات قتل أفراد الأسرة، التي جاءت في شكل كاريكاتيري إلى حد كبير، إضافة إلى توقعها، كما في أفلام الجريمة الأجنبية من الدرجة الثالثة، يبدو الصراع على المرأة/حنان، فلابد من تصفية اللاعبين، وتدخل بدورها اللعبة، فعمر هو القاتل، وهو المتفق مع المجذوب ومُدبّر جرائم القتل، وبالحيلة يتم الإيقاع بينه وبين المعتوه المُصطنع، ويقتل كل منهما الآخر. هنا قد تستقيم الحياة، وقد أطلع عماد حنان على الرواية التي قام بتأليفها، وعنونها ب«هتقتل 9»، ولكن حنان بدورها اكتشفت أن عماد وباتفاق مع عمر، هو مَن قام بتدبير كل ذلك. عمر الخارج من السجن حديثاً وقتها، وعماد الذي يعاني الفقر، نتيجة طمع أفراد عائلته وسرقه ميراث أمه. الأمر في النهاية أشبه بلعبة «الثلاث ورقات».. والسؤال الدائم للمُشاهد.. فين السنيورة؟ فكرة الإبهار هذه، هي أساس الفيلم، أن يصبح المشاهد يعمه بين الأوراق ويتحدى الفيلم هذا الذكاء، وهو أمر جيد في الدراما المُتقنة، ولكن أن يصبح فقط لتمرير حكاية ليس أكثر، فهو للادعاء أقرب. بنية المسلسلات بخلاف أداء شريف منير، وهو أفضل مَن قام بدوره في الفيلم، وكأنه بالفعل يتمثل هذه الشخصية، وأداء متفاوت لأحمد السقا، تأتي باقي الشخصيات في شكل نمطي الممثلة نور على سبيل المثال، وصولاً إلى شخصية منى زكي الكارتونية، التي تحولت في النهاية إلى قليل من الإيقاع المنضبط، وقد أصبحت مالكة الثروة الوحيدة. بخلاف باقي الشخصيات. ويبدو أن زمن الفيلم الطويل نسبياً لم يترك لهذه الشخصيات أن تبدو أكثر جدة، فقط حوارها المفتعل وسطحيتها، الأمر يعود في الأساس إلى بنية العمل، التي تقترب من المسلسلات، زخم الشخصيات وحكاياتها المتجاورة الحوار دائماً هو ما يحل المشلكة، وليس السرد السينمائي حيوات وبيئات واهتمامات مختلفة يتم اختصارها في عدة جُمل حوارية، ولم تستطع عملية تكثيفها حل المشكلة، رغم الإيقاع السينمائي في بنية كل مشهد على حدة، إلا أن البنية ككل ينتمي إلى بنية المسلسلات لا أفلام السينما. فيلم قديم أعمق قدمت السينما المصرية في عام 1983 فيلماً سينمائياً بعنوان «البرنس» قام ببطولته أحمد زكي، حسين فهمي، وناهد يسري. كتبه وجيه نجيب وأخرجه فاضل صالح، والمأخوذ بدوره عن فيلم بعنوان «ناس طيبون وحفل تتويج»، أخرجه روبرت هامر عام 1963. أعاد نجيب معالجة الفيلم ليتوافق مع المناخ المصري، وجاء في شكل كوميدي، وهو تجربة غير معهودة في السينما المصرية، حيث يلعب حسين فهمي العديد من الشخصيات، وكذلك ناهد يسري. وفيما يبدو التشابه بينه وبين فيلم «من 30 سنة» حول عملية استرداد الإرث وعمليات القتل المُدبرة، إلإ أن الفارق شاسع، ولا نستطيع أن نميز عملاً لكونه تراجيديا عن آخر اعتمد الحِس الكوميدي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وهي الأهم فالأمر يعتمد البنية السينمائية التي نجح فيها فيلم «البرنس»، وحالة التجريب التي اعتمدها في الكتابة أو المعالجة ونقلها إلى شاشة السينما المصرية، بالعودة إلى العهد الملكي، وثورة امرأة وزواجها من الخادم الأسود، فتم طردها من أسرتها الأرستقراطية، ليبدو طفلهما المحروم من ميراث أمه بدوره، ويكتب مذكراته عما حدث وهو في انتظار حكم الإعدام. فلا يوجد تحايل على المُشاهد، ولكن حالة الإبهار تأتي من العمل نفسه، من حيث الأحداث وإحكامها، كذلك حالة الشخصيات، وقدرة الممثلين الكبيرة على إيصال هذه الحالة. الفيلم جدير بالمشاهدة، ويصلح لذلك حتى الآن، فهو فيلم البرنس من الأفلام التي لا يتجاوزها الزمن، ومن الأعمال اللافتة في تاريخ السينما المصرية، وبالتالي فالتشابه لا محل له من الإعراب، والمقارنة ليست في صالح عمل اسمه «من 30 سنة».