بحلول صباح اليوم يكون السودان قد أصبح(فعلياً) دولتين، إذ يعلن جنوبه الإستقلال الكامل عن شماله، معلناً ميلاد دولة جديدة تحمل إسم (جنوب السودان). وفي العاصمة السودانية الخرطوم ساد هدوء وحزن مشوبين بالحذر، قبيل ساعات من ذهاب ربع مساحة البلاد، وثلث سكانها تقريباً، وبدا الكثيرون هنا في الشمال مذهولين كأنهم غير مصدقين ذهاب الجنوب في طريق ذي إتجاه واحد وبدون خطوط عودة مفتوحة. وبدت شوارع الخرطوم هادئة سوى من أصوات بعض السيارات التي تجوب طرقاتها، بيد أنه هدوء تشهده غالباً المدينة أيام (الجمعة) من كل أسبوع، لكن أن التوجس والحزن يسيطران على الكثيرين من سكان المدينة. وأبدى بعضهم وهم يتحدثون ل(الشبيبة) حزنهم ودهشتهم لما يحدث في بلادهم، فيما تذمر آخرون من خريطة السودان المتبقي، ويطلقون عليه (السودان الفَضَل)، ووصفوها القبيحة. ووزع شباب في عربات نصف نقل مجانا أعلام سودانية من القماش والورق على المارة والسيارات في شوارع الخرطوم أمس، ورجحت مصادر شعبية أن يكونوا من (الأجهزة الأمنية)، أو إنفصاليين شماليين. وراج على نطاق واسع أن مجموعات مسلحة تابعة لقوى متمردة ومعارضة لحكومة الخرطوم، ربما تنفذ عمليات (انتقامية)، واستغلال مناسبة الإنفصال لإثارة الفوضى. بيد أن السطات الأمنية في الخرطوم وصفت الأمر بأنه مجرد (شائعات)، وقالت إنها تسيطر على الأوضاع بشكل كامل، وأن اليوم يوم عادي من أيام المدينة. وحذر رئيس تحرير صحيفة (الإنتباهة) الداعية إلى إنفصال الجنوب من عمليات تقوم بها أطراف من المعارضة المسلحة في دارفور، وبعض الموالين للحركة الشعبية لتحرير السودان، في ولايات التماس النيل الأزرق وجنوب كردفان ومنطقة أبيي، وقال في مقال بصحيفته أن هناك (قوى خفية) تسعى للقيام بعملية عسكرية وسط الخرطوم شبيهة بعملية حركة العدل والمساواة الدافورية المتمردة بقيادة خليل إبراهيم، التي استهدفت (إحتلال) الخرطوم عام 2009م. ويلقي الرئيس البشير خطاباً في مدينة جوبا يعلن فيه قبوله ب (انفصال) الجنوب، وكان قد قال في مخاطبة جماهيرة في مدينة (الدويم) وسط البلاد أمس الأول إنه سيذهبإلىجوباللتهنئةبالدولةالجديدة ولتمنى الأمنوالاستقرار لها، ولبحث سبل خلق علاقات(ودية) بين الدولتين. وأعلن الجنوب السوداني أمس عن اكتمال إستعداه لإعلان إنفصاله الرسمي اليوم التاسع من يوليو 2011م. وهيأت مدينة (جوبا) ملامحها الإفريقية لتصبح عاصمة كاملة الأهلية، ابتداءً من اليوم، واكتظت شوارعها بفرق فنية شعبية لتعرض فنونها التراثية والقبلية احتفالاً ب(الإستقلال). ورغم تهديدات وجهتها جماعات معارضة جنوبية باجتياح المدينة قبيل موعد الإحتفال، فإن سلطات الأمن بدت واثقة من سيطرتها على الأوضاع في المدينة، ووصف متحدث باسمها التهديدات بأنها (وهمية). وتشهد المدينة منذ أيام توافد أعداد كبيرة من الزوار للمشاركة في احتفال الدولة الوليد بزوارها من سياسيين أجانب ودبلوماسيين وموطفين دوليين وصحافيين أتوا جميعهم للمشاركة في الحدث (الأهم) في تاريخ السودان الحديث. وحسب اللجنة العليا لإحتفالات إعلان الإستقلال فإن فإن ضريح مؤسس الحركة الشعبية لتحرير السودان الذي قاد حرب التحرير كما يسميه رجاله، سيشهد الإحتفال الرئيسي بإعلان الإستقلال، وحسب اللجنة فإن مراسم الإحتفال تقتصر على كملتين يلقيهما الرئيس السوداني عمر حسن البشير، ورئيس دولة جنوب السودان الفريق سلفاكير ميارديت. ويتضمن الإحتفال إطلاق مدفعية الجيش الشعبي ل (21) إطلاقة إيذانا بميلاد الدولة الجديدة، ترمز للأيام التي قضاها زعيم الحركة الشعبية الذي لقي مصرعه في تحطم مروحية رئاسية كانت تقله من يوغندا إلى السودان، التي قضاها نائباً أولاً للرئيس السوداني، ولعدد سنوات الحرب الأهلية. وبإطلاق قذائف المدفعية تكون الدولة الجديدة قد (ولدت) بعد مخاض من الدم والأرواح، وينزع ميلاد الدولة الجديدة من السودان زهاء ربع مساحته وثرواته. وأكملت المدينة زينتها من أجل المناسبة التاريخية (السعيدة) وبدت كعروس ليلة زفافها، سكانها حولوا الشوارع المكتظة لمسارح شعبية تتداخل فيها ألوان الأزياء الإفريقية، بإيقاعات الطبول الشعبية الصاخبة، وبأصوات المغنين الشعبيين الذين يغنون للدولة الوليدة، وهم يحملون اللافتات التي تعبر عن الفرح بميلاد شعب جديد. ونقلت مصادر إخبارية أن وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه سيمثل دولته في المناسبة وسيتجنب لقاء الرئيس البشير الملاحق دولياً بحسب عبارته لإظهار دعم بلاده للدولة الجديدة. وحسب تصريحات منسوبة للوزير الفرنسي فإن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يشارك في الإحتفال، إلى جانب وزير الخارجية البريطاني ووليام هيغ، ووزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، وسفيرة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة سوزان رايس ممثلة لبلادها، فضلاً عن عدد من الرؤساء الأفارقة والأجانب. وأجاز برلمان الدولة الجديدة(دستوراًإنتقالياً) لأربعة سنوات بأغلبية ساحقة، عارضه خمسة نواب من جملة 145 نائباً، وينتمون ل(حزب التغيير الديمقراطي) الذي يقوده القيادي السابق بالحركة ووزير الخارجية الأسبق د. لام أكول أجاوين. وحدد الدستور الجديد إسم الدولة الجديدة ورمزها وعلمها، ومنح الرئيس سلفاكير ميارديت دورة رئاسية جديدة قوامها أربعة سنوات، وأقر اللغة الإنجليزية كلغة رسمية للدولة، ووصفها بأنها دولة علمانية ديمقراطية تحترم التعدد الديني والتنوع الثقافي، ويوقع الفريق سلفاكير ميارديت رئيس حكومة الجنوب على الدستور الجديد صباح اليوم للعمل بموجبه. الشبيبة