إكتمال الترتيبات اللوجستية لتأهيل استاد حلفا الجديدة وسط ترقب كبير من الوسط الرياضي    تواصل دورة شهداء معركة الكرامة بمدينة رفاعة    كساب والنيل حبايب في التأهيلي    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    كأس العالم.. أسعار "ركن السيارات" تصدم عشاق الكرة    تقارير تكشف ملاحظات مثيرة لحكومة السودان حول هدنة مع الميليشيا    شاهد بالفيديو.. على طريقة "الهوبا".. لاعب سوداني بالدوري المؤهل للممتاز يسجل أغرب هدف في تاريخ كرة القدم والحكم يصدمه    شاهد.. المذيعة تسابيح خاطر تعود بمقطع فيديو تعلن فيه إكتمال الصلح مع صديقها "السوري"    شاهد بالفيديو.. البرهان يوجه رسائل نارية لحميدتي ويصفه بالخائن والمتمرد: (ذكرنا قصة الإبتدائي بتاعت برز الثعلب يوماً.. أقول له سلم نفسك ولن أقتلك وسأترك الأمر للسودانيين وما عندنا تفاوض وسنقاتل 100 سنة)    رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية يهاجم تسابيح خاطر: (صورة عبثية لفتاة مترفة ترقص في مسرح الدم بالفاشر والغموض الحقيقي ليس في المذيعة البلهاء!!)    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    شاهد الفيديو الذي هز مواقع التواصل السودانية.. معلم بولاية الجزيرة يتحرش بتلميذة عمرها 13 عام وأسرة الطالبة تضبط الواقعة بنصب كمين له بوضع كاميرا تراقب ما يحدث    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    انتو ما بتعرفوا لتسابيح مبارك    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    البرهان يؤكد حرص السودان على الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع برنامج الغذاء العالمي    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    رونالدو: أنا سعودي وأحب وجودي هنا    رئيس مجلس السيادة يؤكد عمق العلاقات السودانية المصرية    مسؤول مصري يحط رحاله في بورتسودان    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملاحظات عامة على الوثيقة الوطنية لمؤتمر الحوار الوطني
نشر في الراكوبة يوم 16 - 10 - 2016

بعد مخاض طويل و مؤلم و إجراءات مفروضة من قبل السلطة و هيكلة لحوارها بحيث يتناسب و أهدافها منه، خرج مؤتمر الحوار الوطني في السودان المعروف بحوار الوثبة، بوثيقة أسماها الوثيقة الوطنية، نود أن نورد حولها بعض الملاحظات العامة دون الخوض في التفاصيل:
1- كتبت الوثيقة بألفاظ عامة و إنشائية تسمح بتعدد التفسيرات و تعطي الفرصة لمن يريد أن يتنصل من بعض بنودها. فعلي سبيل المثال قرنت الوثيقة الديمقراطية بالشورى التي يمكن أن تكون معلمة أو ملزمة، مما يعطي فرصة لمن يريد أن يقصر الأمر فيما يخص الديمقراطية على الإنتخابات و يقيد النشاط البرلماني ، أن يفسر ورود المصطلحين معاً على أن الشورى بسماتها المعلمة تشكل قيداً على الديمقراطية ذات الطبيعة الإلزامية. فالمعية و التعداد قد يعني المماثلة، و التطبيق المتزامن لمصطلحين غير مترادفين يفتح الباب للإجتهادات المختلفة و إن كانت بعيدة.
2- نصت الوثيقة صراحةً على أنها تهدف لتجاوز الماضي و جراحاته، دون أن تحدد أو توضح كيف يمكن تجاوز ذلك الماضي بدون تشخيص أزمته و تحديد أسبابها و معرفة جذورها و من ثم معالجة تداعياتها. إذ بدون ذلك تأتي المعالجة مبتسرة و ناقصة لأنها تخاطب التداعيات و تهمل جذور الأزمة و لا تعالج الأسباب. و بهذا تفصح الوثيقة عن رغبتها في المحافظة على دولة المؤتمر الوطني (الرأسمال الطفيلي) و عدم رغبتها في تفكيكها أو مجرد تحميلها المسئولية عن تردي البلاد في الوهدة التي تردت فيها. فحديثها المعمم عن تباين وإختلاف و صراع أبناء السودان صراعاً مسلحاً و مدنياً دون تحديد أسباب و جذور هذا الصراع و تشخيصه تشخيصاً صحيحاً، يعني إعفاء المؤتمر الوطني من المسئولية ومباركة جميع خطوات تمكينه و معالجة الأوضاع في المستقبل دون مخاطبة أسباب التردي وتركها تفعل نفس مفاعيلها من مواقع السيطرة.
3- لم تتعرض الوثيقة من قريب أو بعيد لملامح الأزمة السودانية المتمثلة في سيطرة تنظيم واحد على السلطة و الثروة لأكثر من ربع قرن من الزمان و لا إلى سياساته الإقتصادية أو الإجتماعية أو حتى الدولية، بل شرعت مباشرة في الحديث عن معالجات لدولة مستقبلية تبنى فوق الركام الذي خلفته هذه السياسات، دون أن تفكك المؤسسات التي بنيت أو تعالج الأزمات التي خلقت أو تضمد جراح من تضرروا من تلك السياسات. فهي تحدثت حديثاً مبهماً في توطئتها عن إصلاح أجهزة الدولة، ولم تحدد كيفية هذا الإصلاح. فربما يعتقد المؤتمر الوطني أن الإصلاح يعني توسيع الجهاز التشريعي و زيادة عدد النواب، مع حشر بعض المتطلعين حشراً بحكومته الجديدة، و إعادة السيطرة على السلطة القضائية عبر توسيع دائرة منسوبيه فيها بدلاً من السيطرة المباشرة عليها من قبل الجهاز التنفيذي. ترك الحديث عن الإصلاح مبهماً يعني أن يتم هذا الإصلاح المزعوم وفقاً للتقدير المطلق للمؤتمر الوطني و بالكيفية التي يراها مناسبة.
4- نصت الوثيقة على تجاوز عقوداً اتسمت بعدم الإستقرار بأبعاده المختلفة سياسياً و أمنياً و إقتصادياً و مجتمعياً، ولم تحدد كيف يتم هذا التجاوز دون مناقشة أسباب عدم الإستقرار و معالجة جذور أزمته، و محاسبة من تسبب فيها و إلغاء مفاعيلها المستقبلية بعد معالجة تداعياتها البادية للعيان. عدم تشخيص الأزمة و تحديد جذورها يعني ترك مسبباتها قائمة بحيث تمنع تطبيق أي معالجات مستقبلية ، لأن المعالجات لن تطبقها قوى لتنفي نفسها و تسقط مكتسباتها، و هنا تبرز ضرورة مرحلة الإنتقال.
5- أقرت الوثيقة بالتنوع و اعترفت بالتعدد الثقافي و الإجتماعي لمكونات الشعب السوداني، و لكنها لم توضح مترتبات هذا الإقرار. إذ أن هذا الإقرار يتوجب أن يترتب عليه الإعتراف بحق أقطاب هذا التعدد في ممارسة ثقافاتهم، و حماية هذه الثقافات و دعم تطورها و إدماجها في تشريعات الدولة بمستواها الدستوري، فهي إن كانت لغات أو فنون أو قيم أو أديان، تحتاج لأن يترتب على الإقرار بوجودها إعطائها حقها بالشراكة الفاعلة و التأثير في مؤسسات الدولة التشريعية و الثقافية ، و في تحديد مصادر التشريع التي صمتت الوثيقة بشأنها ، و هذا أهم سمات المحافظة على دولة التمكين كما سنبين لاحقاً.
6- تحدثت الوثيقة عن مساواة في الحقوق كأحد متعلقات الهوية، و لكنها لم توضح كيف ستتم هذه المساواة. هل سيتم مساواة المسلم بغير المسلم و المرأة بالرجل ؟ و كيف ستقيم ذلك مع دولة الشريعة الإسلامية التي من الواضح أن الوثيقة قد تمسكت بها بالرغم من ورود تسريبات في المخرجات تشي بقبولها التنازل عنها. فالوثيقة لم تتعرض من قريب أو بعيد لمصادر التشريع، و هذه المصادر هي أساس الدولة الدينية التي تلغي رابطة المواطنة و تخلق دولة قائمة على أساس الدين، هي بالذات المشروع الذي دمر بلادنا و أدى لكل هذه المآسي. و سكوت الوثيقة عن تحديد مصادر التشريع بوضوح أو على الأقل ذكر أنها لا بد أن تكون متعددة و ألا تتعدى على حقوق المواطنة و أن يخضع التشريع على أساسها لمبدأ الدستورية ، يعني إستمرار دولة التمكين أو دولة الشريعة الإسلامية كاملة غير منقوصة بلا شك. و بذلك يكون حديث الوثيقة عن إعلاء قيم المواطنة مجرد حديث مجاني لا علاقة له بالواقع من قريب أو بعيد. و لا ندري كيف ستكون المواطنة هي الأساس و المعيار لكافة الحقوق و الواجبات لكل أبناء السودان كما تقول الوثيقة، في ظل دولة الشريعة الإسلامية الماثلة و المستقبلية.
7- الحديث عن إعمال الشفافية والمساءلة المحاسبية والمؤسسية و سيادة حكم القانون، جاء منسوباً إلى المستقبل دون التعرض من قريب أو بعيد لإعمال هذه المبادئ على فترة أكثر من ربع قرن مضت، التصرفات و السياسات فيها هي أساس و جوهر الأزمة. و هذا يقودنا للحديث عن خلو الوثيقة من أي إشارة لعدالة إنتقالية لأنها بالأساس لا تقبل مبدأ الإنتقال الذي رفضه صراحةً المؤتمر الوطني. و في غياب الإنتقال تغيب العدالة الإنتقالية و يغيب الإعتراف بالجرائم المرتكبة و إسقاط المحاسبة عليها و إسقاط حق الضحايا في المطالبة بحقوقهم القانونية بإتخاذ ما يلزم من إجراءات في مواجهة المجرمين و بالتعويض عما أصابهم. و بذلك تنتفي أي فرصة لتضميد الجراح و تجاوز الأزمة و إعادة رتق النسيج الإجتماعي الذي تمزق.
8- الحديث عن الحريات و الحقوق جاء معمماً جداً و غير منضبط ، فمثلاً حرية الإعتقاد قرنت بممارسة الشعائر و لم ينص بوضوح بأنها تمثل الحق في إعتناق الأديان و تركها، كما لم ينص على منع تقييدها و الإنتقاص منها بنصوص القوانين. و ينسحب نفس الأمر على حرية التعبير و التنظيم و التجمع و التنقل و المشاركة في الحياة العامة، فهي وردت عامة و لم تعزز بالنص على ضرورة عدم إنتقاصها أو تقييدها. و إذا نظرنا إلى القيود المفروضة الآن في ظل دستور نيفاشا المعدل الذي ينص على هذه الحقوق بل هو أشمل من هذه الوثيقة فيما يخص الحقوق و الحريات، نجد أنه برغم وجوده قانون الأحزاب يقيد حق التنظيم، و قانون الأمن يسمح بمصادرة الصحف على سبيل المثال لا الحصر. لذلك النص على عدم تقييد الحقوق أو الإنتقاص منها بنص أي قانون أمر ضروري و لازم لحماية الحريات و الحقوق، وهو مالم يرد بالوثيقة الوطنية.
9- برغم تخصيص الوثيقة لقسم للسلام و الوحدة، إلا أنها لم تشر من قريب أو بعيد للحروب العبثية القائمة و لا لأسبابها و لا لكيفية إيقافها أو معالجة تداعياتها أو محاسبة من إرتكبوا جرائم حرب فيها. بل أنها حتى لم تتكرم بالإشارة إلى ضرورة درء آثارها و تعويض المتضررين منها، و إعادة إدماجهم في الحياة، لتضميد جراحهم و السماح لهم بالإنخراط في حياة كريمة. كذلك لم تتكرم بتوضيح أسس الوحدة التي عنونت بها قسمها ذاك، و لا ضرورتها و لا كيفية تعزيز ثقافة السلام التي دعت إلى تعزيزها في ظل حروب ما زالت أسبابها قائمة. أيضاً لم توضح كيفية و آليات بناء و تمتين النسيج الإجتماعي دون معالجة الظلم الإجتماعي القائم و القصف المستمر على مناطق الحروب الثلاث. و لا ندري لماذا قررت حشر تأمين و تمكين و تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة في محور السلام و الوحدة فقط و هو أمر مطلوب في كل مناحي العمل العام حتى في صياغة الدستور و هيكلة الدولة. عموماً هي لم توضح لنا كيف سيتم هذا التأمين و التمكين في ظل دولة المؤتمر الوطني المتمكنة و التي يرفض تفكيكها لبناء دولة كل المواطنين.
10- تحدثت الوثيقة عن الإقتصاد و لم تقل شيئاً. إذ لا حديث بها عن فلسفة الإقتصاد الراهن القائم على التطفل و تهديم البنية الإنتاجية و بيع القطاع العام و تفكيك مؤسساته و التبعية المطلقة للإمبريالية العالمية و الإنفاق البذخي على جهاز الدولة و الحروب العبثية و رفع الدعم و تخلي الدولة عن مسئوليتها الإجتماعية في قطاعي الصحة و التعليم و النهب المنظم لثروة البلاد و بيع أراضيه للأجانب و إثقال كاهل البلاد بالقروض الأجنبية و السياسات المالية المدمرة. و غياب كل ما تقدم يعني أن ماورد من عموميات و إنشاء كلامي، لم يخاطب الأزمة الإقتصادية القائمة على الإفقار المنظم و إهدار موارد البلاد و تجيير إقتصادها للرأسمالية الطفيلية، و مؤدى ذلك هو إستمرار دولة الرأسماية الطفيلية أيضاً و التي هي جوهر دولة التمكين ، و إستحالة معالجة الأزمة الإقتصادية.
11- في مناقشتها للعلاقات الخارجية، لم تورد الوثيقة حديثاً عن وجوب عدم الإنتماء للمحاور الإقليمية أو الدولية و الإلتزام بسياسة عدم الإنحياز و عدم المشاركة في التحالفات الحربية و التدخل في حروب الدول الإقليمية أو المجاورة. كذلك لم تقدم الوثيقة أي مراجعة لسياسة الدولة العدائية تجاه دول إقليمية و عالمية، كلفنا العداء معها كثيراً و أقعد بالدولة عن الوفاء بأدنى متطلبات شعبها، في مساندة و تعزيز لسياستها الداخلية المعادية للشعب و أدى لتكريس المعاناة. كذلك لم يرد بالوثيقة أي حديث عن الإرهاب و المنظمات الإرهابية و الدينية العابرة للحدود و العلاقات معها و عدم الدخول معها في علاقات دعم أو مساندة أو تحالف أو إتصال بها بأي صورة من الصور، و العمل على محاربتها ووقاية البلاد من شرورها. فالعلاقات الدولية لم تعد تقتصر على العلاقات مع الدول و المنظمات الدولية ، بل تمددت لتشمل العلاقات مع التنظيمات و المؤسسات الفاعلة في السياسة الدولية.
12- إعتماد النظام الرئاسي و إختيار الرئيس بالإنتخاب الذي دعت له الوثيقة، يعني إستمرار دولة المؤتمر الوطني بصيغتها الراهنة و بقيادتها الحالية دون إنتقاص من السلطات المهولة و شبه المطلقة للرئيس البشير. و استمرار الحكم بمستوياته يعني أيضاً تثبيت هيكل دولة التمكين بصورته الحالية المكلفة ، و الإحتفاظ بجهاز دولة مترهل لا ضرورة له يشكل عبئاً على المواطن و لا يقدم الخدمات الضرورية اللازم تقديمها له . و الغرض من ذلك هو تأكيد إستمرار دولة التمكين حتى على مستواها الشكلي و الأداتي من ناحية، و من ناحية أخرى الإستمرار في سياسة الترضيات و شراء الولاءات بالتعيينات في مراكز السلطة و تكريس أزمة الإنفاق الحكومي البذخي على جهاز لا ضرورة لتوسعه بهذا الشكل بالأساس.
13- تحدثت الوثيقة عن إصلاح شامل لأجهزة الدولة مرة ثانية في قضايا الحكم، و لكنها أيضاً لم تشر إلى كيفية و آلية هذا الإصلاح في ظل سيطرة المؤتمر الوطني على هذه الأجهزة. فهي لم توضح كيف سيتم إصلاح جهاز الأمن أو القوات المسلحة أو حتى الخدمة المدنية، في ظل سكوتها على ظاهرة الفصل التعسفي الواسع للصالح العام الذي تم، و عدم معالجة مشكلة المفصولين تعسفياً، و سكوتها عن ظاهرة التهجير (الهجرة و الإغتراب المزعومين) و نزيف العقول الذي نتج عن السياسات الإقتصادية و السياسية و الأمنية للنظام، و عجزها عن توضيح كيفية توفير المورد البشري المؤهل الذي دعت إلى توفيره في ظل هذه الظروف. و انسحب تعميمها و قصورها أيضاً على حديثها عن الإعلام الذي أرادته أن يكون مسئولاً ، دون أن تؤكد حريته و تمنع تدخل الأجهزة الأمنية في نشاطه و مصادرته و فرض القيود عليه. كذلك أنسحب أيضاً في إطار تكريس الغموض غير الإيجابي على الحديث عن نظام التعليم الذي أرادته أن يكون تربوي و فعال، دون التعرض لمجانيته و إلزاميته و دون النظر في أسباب تدهوره و أزمته الراهنة، القائمة على سياسة الدولة الرامية لخصخصته و تحويله لنظام آيدلوجي يخدم آيدلوجيا السلطة و يكرس بقائها. و نفس الأمر ينسحب على الخدمات الصحية الوقائية العلاجية المتطورة و المتوازنة و المستدامة و الشاملة التي أشارت الوثيقة لتوفيرها ، دون أن تشير لمجانية العلاج صراحةً و دون أن توضح أسباب تدهور الخدمات الصحية و الآليات اللازم تبنيها لمعالجة هذه الأزمة. فحاصل الأمر هو أن الدولة التي خلقها الرأسمال الطفيلي هي دولة غير مسئولة، تخلت عن جميع واجباتها تجاه المواطن، و لا يمكن بالطبع أن تغير نهجها ذلك ذو الصلة و الوثيقة بقواها الإجتماعية و طبيعتها التي لا يمكن تغييرها.
14- لم تشر الوثيقة من قريب أو بعيد لمصادر التشريع أو لوضع الشريعة الإسلامية في دستور البلاد الدائم المزمع سنه، و هذا يعني إستمرار الحال كما هو عليه من سيادة مصدر وحيد للتشريع هو الشريعة الإسلامية، مما يعني إستمرار مشروع المؤتمر الوطني الحاكم و تكريس الدولة الدينية التي يصبح معها الحديث عن مواطنة و ديمقراطية، مجرد لغو لا طائل من ورائه. فالمعروف أن دولة الرأسمال الطفيلي المتدثرة بثياب الدين ، ركزت و منذ سن دستورها الأول في العام 1998م على تكريس دولتها الدينية عبر النص على مصدر وحيد للتشريع هو الشريعة الإسلامية الذي نصت عليه في المادة (65) من ذلك الدستور. و عادت لنفس السلوك حين إستغلت المادة (5) من دستور نيفاشا لتكريس دولتها الدينية المستبدة و إبطال مفاعيل كل الحقوق و الحريات المنصوص عليها في الباب الثاني من الدستور. وصمت الوثيقة عن هذه المسألة المهمة، يعني تكريس دولة الرأسمال الطفيلي، وهو وحده يجعل من هذه الوثيقة مجرد ورقة لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به.
15- خلت الوثيقة من أي آليات أو ضمانات لتنفيذ ما ورد بها، و تركت الأمر لمن بيده السلطة لتنفيذها (المؤتمر الوطني). و إذا نظرنا لكمية الإتفاقيات التي وقعها المؤتمر الوطني بالفعل – ناهيك عن وثيقة حوار- نعلم ما هو مصير هذه الوثيقة بالحتم. فالإتفاقيات التي لم يحرسها السلاح و المجتمع الدولي كإتفاقية نيفاشا ، راحت شمار في مرقة. و مثال لذلك إتفاقية القاهرة و إتفاقية الشرق. بل حتى إتفاقية نيفاشا نفسها في الشمال، نفذت وفقاً لتصور المؤتمر الوطني و كرست برنامج حكومته المعادي للجماهير. و هذا يعني أن هذه الوثيقة المليئة بالغموض و التي كرست بالفعل دولة المؤتمر الوطني و منعت الإنتقال لدولة كل المواطنين، مصيرها معلق برغبة و مزاج و مصلحة المؤتمر الوطني و رئيسه. و ما كان لها أن تكون غير ذلك و هي نتيجة لحوار غير متكافئ حدد المؤتمر الوطني سقفه مسبقاً.
16- الوثيقة أيضاً استبقت الحوار المزمع مع القوى التي وقعت على خارطة الطريق، بغرض تجاوز القضايا التي يجب مناقشتها بالفعل بهذه التعميمات المكرسة لدولة المؤتمر الوطني بغرض التمنع عن الحوار المطلوب أولاً، و استخدامها لدعم موقفه التفاوضي بمحاولة إدخال تلك القوى تحت سقفها بإعتبارها إجماع أهل السودان ثانياً.
و مفاد ما تقدم هو أن الوثيقة الوطنية موضوع الملاحظات تحدثت كثيراً و لم تقل شيئاً في ما يخص مشاكل المواطن السوداني. فلا هي أسست لوضع إنتقالي صريح يفكك دولة المؤتمر الوطني لمصلحة دولة كل المواطنين، و لا هي غيرت شكل الحكم و أدواته، و لا هي وفرت عدالة إنتقالية تنصف المظلومين و تعيد رتق النسيج الإجتماعي، و لا هي وضعت محددات و موجهات واضحة لمخاطبة الأزمة الإقتصادية ووقف ظاهرة الإفقار و التبعية و القروض، و لاهي عالجت مشكلة التعليم و العلاج ، و لا هي تصدت بجدية لأسباب الحروب العبثية، و لا عالجت مشكلة دولة الشريعة الإسلامية الإستبدادية، و لا حددت آليات و ضمانات تطبيق حتى ما اتفق عليه على غموضه، و فوق ذلك سوف تستخدم لعرقلة الحوار المزمع مع قسم من المعارضة التي قاطعت حوار الوثبة، و الضغط على ذلك القسم من المعارضة.
د. أحمد عثمان عمر
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.