أقيمت في النادي الدبلوماسي بالخرطوم أمسية للشاعر محمد المكي ابراهيم ، وقد نظمت الأمسية بجهد مشترك بين منتدى جمال محمد أحمد والمكتبة الوطنية ورابطة سفراء السودان ، وقد قدم الندوة وأدارها دكتور نور الدين ساتي ، الذي قال أن محمد المكي قد جاءنا في لحظة مفصلية في تاريخ هذا البلد ولا نملك الا أن نحزن ، ولا نملك الا أن نذكر كفاح هذا الشعب في اكتوبر 1964 وأبريل 1985 ، ولا زلنا نحتفظ بالأمل الذي لا يموت :أمل في الحرية والديمقراطية . ثم تحدث الشاعر محمد المكي الذي قال أنه سيتحدث بالفصحى لاغراض التوثيق وتساءل عن حياته ما هي ؟ اكتشفت أنني عشت زمناً طويلاً وأبي قد مات في الثمانين ، نشأت في مدينة الأبيض باقليم كردفان وهي عاصمة بالمعنى الكامل يتوافد عليها الناس من الحواضر : أبوزبد ، النهود ، الرهد .. وهي حاضرة الحواضر ... ندين بالكثير لإقليم دارفور حكامنا من قبيلة المسبعات معينون من قبل سلاطين الفور ...في المانيا قابلت كارماي وهو بمثابة جورج زيدان للألمان وتبسط في معاملاته للمهدي ، واشتهرت الأبيض بسبب أنها سوق للصمغ العربي ... محمد بك الدفتردار كان قد غزا كردفان الا أن المك نمر البطل التاريخي قد أبعد عنَا الدفتردار بحملته الانتقامية بما فعله من قتل لاسماعيل باشا . الأبيض نموذج للتنوع ومن أحيائها فريق فور ، وحي الناظر ، ( البديرية ) وفيها أخلاط ( الحضور أو المواليد ) وقبائل السودان الكبرى : الجعليين والشايقية لهم وجودهم في المدينة ولا أنسى الجوامعة .. كنت أكتب للأعراب الخطابات وفي المانيا تذكرت هؤلاء الناس وتذكرت البراق وتذكرت الأشعار التي كان ينشدها الأعراب عن شرب الشاي والنسوة اللائي يصنعنه وهم عصبة من الشباب الدارفوري . الحضارة الغربية رفدتنا باللوري وقد عملت وكيلاً سفرياً وزرت جبال النوبة وتأثرت بها كثيراً ولعلكم تذكرون أن قائد متمردي جبال النوبة يوسف مكي كوة ، وقد زرت أيضاً النهود حيث حضارة حمر والأضيَة والمجلد وأبيي عدة مرات وزرت مرة واحدة واو ووصلنا حتى طمبرة . وفي سيرنا باللوري كلما سمعنا صوت النقارة نعرج عليها وكان الدينكا يؤدون رقصة تحية للوري وكانوا يتعاملون معنا بمودة ، أما في مناطق الاستوائية فهناك شيئاً من النفور . أحسست بأن هناك أناس في غاية من اللطف والبراءة وأنهم مهملون ، لم نحاول أن نكسو هذا العري ولم نطور مفاهيمهم . احساسي بدارفور والجنوب كان قوياً ... الإخوة الجنوبيون تعرفت بهم في أبيي ووجدت أولاد أبو شعير ( كتياب ) وهم أصهارنا وذكرت أحدهم في كتابي ظلال وأفيال وكانت لي صداقة مع دكتور فرانسيس دينق وأخيه زكريا ، الجنوبيون إخوة أفاضل ويعرفون العشرة . في عام 1972م كنت أنظر لمنصور خالد في مساعيه لانجاز اتفاقية اديس أبابا ، وكنت في نيويورك وفي تلك الأجواء كتبت قصيدتي فرح في حديقة شوك قديم وقد أسئ الظن بالقصيدة . لقد لعبت بنا أهواء كثيرة في المرحلة الحالية وتكشفنا عن جهل باسلوب التفاوض ومن ثمَ جرى ما جرى ولا راد لأمر الله وأنا الآن أنظر فيما أنجزه كُتاب العلوم السياسية عن الوحدة الأفريقية ( سنغال – قامبيا ) وكانوا يشيدون بالصومال الذي أنجز وحدته والذي جمع الصومال الايطالي والبريطاني في دولة واحدة وأنظروا الآن الى وضع الصومال وأنا أتساءل هل قلل الاتحاد الأفريقي من نزعات الانفصال وأندهش للسرعة التي مُرر بها انفصال السودان ( ستة سنوات فقط ) . وقد شهدت الأمسيبة العديد من المداخلات الثرة منها مداخلة دكتور خالد موسى أعلن مشاركته محمد المكي في رنة الحزن على هذا الجرح الغائر وأشار الى قصيدة محمد المكي اهانات لابن الملوح وقصيدة قطار الغرب مضيفاً وقد حببت الينا قصائده ثورة اكتوبر، ووصف المكي الموت بأنه يغفو وينام ، وكتاب محمد المكي عن الفكر السوداني يمثل الجيل الذي عبر عن أحلامه وتطلعاته ولديه استقامة فكرية وأن قصائده تمثل حجر الزاوية في الغابة والصحراء ، ورغم الجرح الدامي في الجنوب علينا أن نتمسك بما تبقى لنا من وطن .... تحدث بعد ذلك السفير جمال محمد ابراهيم قائلاً أننا الآن نشعر بالحزن لا على النفط ولا على الجغرافيا ونشعر بحزن الوجدان وتطرح مجوعة أمتي بدايات تشكل الأمة ، وتطرح علاقة المثقف بالسياسي وللأسف فقد خزلنا السياسي ... وكانت هناك مداخلات أخرى من محمد المعتصم حاكم الذي تحدث عن غياب التواصل الاجتماعي بين السياسيين الشماليين والجنوبيين ... السيد وكيل وزارة الخارجية رحمة الله محمد عثمان والدكتور خالد محمد فرح وغيرهم . وتخللت الأمسية قراءات شعرية من الشاعر محمد المكي ابراهيم .