لوهلة تبدو المدينة وكأنها غارقة في همومها الخاصة.. ليس ثمة ما يشي بتفاعل سكانها مع ما يدور في بقية مدن وأرياف النيل الأبيض.. قاطنوها مشغولون وممتلئون حتى الثمالة بخصوصيتها وواقعها، ويكرسون جل وقتهم للعمل وكسب لقمة العيش، قبل عودتهم إلى بيوتهم محملين بالبطيخ والشمام الذي اجتاح المدينة هذه الأيام. وإن كان ثمة فائض في الوقت، فهو مكرس للترويح عن النفس في استاد المدينة وأنديتها وسوقها. على الأقل هذا ما يتراءى لعين الجائل، الذي يهبط على كوستي، حلقة الوصل وملتقى الطرق بين غرب السودان وشرقه، وبين الشمال والجنوب. وحتى بعين صحفية مدربة ربما لن يلحظ المراقب اهتماما بما يجري من صراعات وتكتلات ولعب خشن في ميدان السياسة بالولاية، مثلما أن الدورة المدرسية بكل زخمها لا تسيطر على أنس السكان هنا بمختلف فئاتهم، إلا بالقدر المتعلق بانتظار ما يمكن أن تحدثه المناشط المختلفة من حركة تنعش السوق، وتزيد من دخول المواطنين هنا. سفلتة ورصف اكتفت محلية كوستي بنصب لافتات خجولة على أعمدة الإنارة في بضعة شوارع للترويج للدورة المدرسية، ميدان الحرية بكل تأريخه وذكرياته تضاءلت مساحته وتقلصت بالقدر الذي أفقده الحرية نفسها، بعد أن أحاطت به الدكاكين والمحلات من الناحيتين الشرقية والشمالية، وجوف الميدان يغرق في بحيرة التاكسي التي تستغله كموقف طوال ساعات اليوم؛ عدا الأوقات التي تكون فيها مباريات، ولكن يبدو أيضا بأن كوستي في طريقها للاستفادة من برامج ومشروعات التنمية بالولاية، وستنفض عنها الغبار قريبا لتستعيد بريقها وألقها المفقود منذ عقود. وتجري الأعمال حاليا في سفلتة ورصف عشرة كيلو مترات بالمدينة، فضلا عن صيانه وتأهيل عدد من المدارس، وتأهيل إستاد المدينة، وبناء مسرح ضخم داخل سور المدرسة القومية، غير أن ذلك كله لا ينسي سكان كوستي مرارة انقطاع المياه وويلات العطش وانتشار الأوساخ وتردي البيئة رغم قرار منع استخدام أكياس البلاستيك. "جايكا" في آخر المواني ينتظر المواطنون الوفاء بالوعود التي قطعها المسؤولون بشأن معالجة قضية المياه بعد أن تتوفر الأموال اللازمة لتنفيذ مشروع سد العجز في المياه عبر تشييد المحطة النيلية بكوستي بواسطة منظمة جايكا اليابانية، وتغيير وإحلال شبكات المياه في المدينة وأعلنت وزارة البنى التحتية عن شروعها في تغيير الشبكات بواقع مائتي كيلو لتحسين الإمداد المائي مؤكدة بأن الأزمة في المياه ستنتهي عقب اكتمال وضخ المياه من المحطة النيلية الجديدة التي تبلغ طاقتها الإنتاجية (33) ألف متر مكعب، وتكفي لعدد (100) ألف مشترك، وسوف يكتمل العمل فيها في العام 2018م، وقد اكتملت كافة المسوحات لطبقات الأرض، التي أثبتت صلاحية الموقع الذي تم اختياره لقيام المشروع، الذي أعدّ لاستيعاب المساحة التي سوف تضاف إلى مدينة كوستي في المستقبل. "إلى الأفضل" يؤكد الصادق محمد تحاميد، مدير عام وزارة النبى التحتيه أن المياه المنتجة من المحطة الجديدة سوف تكون خالية من الشوائب والملوثات وأن مأخذ المياه سوف يكون من داخل مجرى النيل الأبيض، وأن الوضع سيتغير قريبا إلى الأفضل، وستنتفي معه قطوعات المياه، وأشار إلى أن الوزارة تعمل أيضا على تحسين الإمداد المائي بمدينة ربك والجزيرة أبا والمرابيع ود اللبيح، فضلا عن اقتراب انتهاء العمل في محطة الدويم التي ينتظر أن تحل أزمة المياه بالمحلية كاملة وتصل لتساعد في الإمداد المائي ببعض القرى التابعة للقطينة. "الحكومة ملتزمة" وكان الوالي عبد الحميد موسى كاشا قد أكد في وقت سابق بأن حكومته ملتزمة بإنفاذ مشروعات التنمية بالولاية وترقية وتطوير الخدمات الأساسية وأشار إلى أن حكومة الولاية وضعت خططا لمعالجة مشكلة مياه كوستي وربك والدويم إلى جانب مشروعات برنامج زيرو عطش عبر حفر وتركيب أكثر من (66) بئرا بالإضافة إلى عدد من السدود والحفائر. إلى ذلك ينتظر أن تحدث الدورة المدرسية حراكا مكثفا في ولاية النيل الأبيض تنتعش على إثره حركة الأسواق والليالي بالمناشط والكرنفالات التي ستحتضنها المسارح واستاد كوستيوالدويم بكل تأريخها العلمي، إضافة إلى الفائدة الكبرى المتمثلة في التأسيس لأصول ثابتة تجعل الولاية مواكبة لحركة النماء والتطور. غير أن ذلك لن يتحقق إلا برفع وتيرة العمل وبسط المزيد من المتابعة والتنشيط حتى تنتهي الأعمال في استاد كوستي الذي يبدو أنه الأوفر حظا في اللحاق بافتتاح الدورة المدرسية إلى جانب المسرح الكائن في بهو المدرسة القومية فضلا عن مسرح قصر الضيافة واستادي ربك والدويم، ورفع التمام فيما يتعلق بالإسكان، سواء أكان في كنانة أو بقية المواقع، ليتفرغ المواطنون للاستمتاع بتجسيد معركة الجزيرة أبا وبقية المناشط المدرسية اليوم التالي