الخرطوم (سونا) - كشف فريق بحثي من قسم الآثار كلية الآداب بجامعة النيلين يترأسه الدكتور أحمد حامد نصر والدكتور ميرك ماسوج من جامعة فروسواف ببولندا عن آثار مبكرة لإنسان العصور الحجرية في الصحراء الشرقية لأسفل نهر عطبرة. وهي عبارة عن بقايا مجموعات ومعسكرات صيادين قطنوا المنطقة منذ 500 ألف سنة حتى 5000 سنة مضت ، تطوروا من مجموعات صيد بسيطة حتى وصلوا مرحلة القرى الزراعية المبكرة وساعدهم على ذلك وجود بحيرة نهر عطبرة القديمة التي تبعد حوالي 60 كلم شرق مجرى نهر عطبرة الحالي. صرح بذلك (لسونا) الدكتور أحمد حامد نصر الأستاذ المساعد بقسم الآثار بجامعة النيلين ومدير مشروع آثار العصور الحجرية في الصحراء الشرقية لأسفل نهر عطبرة . وقال نصر إن الفريق يتكون من مجموعة من الباحثين من جامعة النيلين وجامعة فروسواف ببولندا وجامعة شندي بتمويل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وكشف الموسم الأول البحثى عن 133 موقعا أثريا لحقب زمنية مختلفة وجدت معظمها حول شاطئ نهر عطبرة وحول بحيرة نهر عطبرة القديمة في الصحراء .وأجريت على تلك الآثار مسوحات علمية وحفريات وجمعت منها عينات تمت دراستها في جامعة النيلين وجامعة فروسواف ببولندا. وكشفت المجاميع الأثرية عن العمق الثقافي للمنطقة وللسودان ودورهم الرائد في السجل الإفريقي الأقدم عالمياً. وأضاف أن المشروع تطور لحفريات متعمقة بالاشتراك مع الهيئة العامة للآثار والمتاحف السودانية وبتمويل من منظمة العلوم البولندية للكشف عن هجرة الإنسان الأول وخروجه من جنوب شرق إفريقيا إلي شمالها ومن ثم إلي أوربا وآسيا عبر نهر عطبرة. وأشار نصر إلى اختيار هذه المنطقة باعتبار أنها تمثل رابطا جغرافيا ذى أهمية لربط البحر الأحمر بالنيل ولربط السودان بجنوب شرق إفريقيا موطن إنسان العصور الحجرية في أفريقيا، مما قاد لإنشاء مشروع بحثي لتقصي آثار العصور الحجرية في المنطقة وابراز دورها في تلك المراحل الثقافية المبكرة في السودان. مضيفا بأن ما كشفته الأبحاث السابقة في وسط وشمال السودان يفتقر للثقافات القديمة المعروفة في جنوب شرق إفريقيا من العصر الحجري القديم المبكر وتطورات ما بين العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث وطبيعة آثار الصحراء وعلاقتها بالآثار الموجودة على ضفاف النهر. وأكد نصر أن نهر النيل وروافده أحد أهم المناطق الجغرافية التي تحوي بيئات مختلفة تتطلب تكيفات متباينة ينعكس تأثيرها في تنوعات تقنية مهمة في الأدوات الحجرية والفخار وطبيعة المستوطنات خلال العصور الحجرية، لا سيما تحول الاستيطان من النهر إلي الصحراء والعكس. ولهذا درج المشروع على تتبع الأودية التي تنحدر من الصحراء الشرقية تجاه النهر لاستكشاف مدى استغلال إنسان العصور الحجرية لتلك المنطقة وربط ذلك بالتحولات المناخية وجفاف الصحراء. وقال إن دراسة المشروع استندت على المنهج العلمي إذ بنيت استراتيجيته على اختيار المنطقة جنوب مدينة عطبرة من وادي الهودي شمالاً وحتى منطقة أدرعما ووادي الحلقي جنوباً على حافة نهر عطبرة الشرقية وعلى بعد ما بين 60 - 80 كلم شرقاً في الصحراء. واختيرت المنطقة بناء على فرضيات بحثية لموقعها الذي يربط جنوب شرق إفريقيا بشمال شرق إفريقيا ولتكاملها ما بين بيئة الصحراء والنهر وربطها لسواحل البحر الأحمر بالنيل، إضافة لما بها من مميزات جيولوجية واحتوائها عن تنوع صخري هائل وسمات جيوموفولوجية لمجاري مائية قديمة ولأنها تعد الجزء الشمالي الجنوبي لبحيرة نهر عطبرة التي كانت وفيرة الحياة النباتية والحيوانية في نهايات البلايستوسين والهولوسين. وأشار إلى أن منهجية المشروع اعتمدت بصفة عامة على تقسيم المنطقة إلي قطاعات جغرافية صغيرة بناء على التركيبة السطحية لكل منطقة من الشمال إلي الجنوب ولسهولة تتبع المجاري المائية شرقاً في الصحراء ومن ثم مسح آثاري منظم مدعوم بنظم معلومات جغرافية لكل قطاع على حده وتسجيل وتوثيق كل المظاهر الأثرية والجغرافية والجيولوجية مع جمع عينات لرسم الخارطة الأثرية في المنطقة منذ العصر الحجري القديم وحتى الحضارة الاسلامية، مع التركيز على مواقع العصور الحجرية وآثارها وطبيعة المواقع والسمات التقنية والنوعية لكل موقع أثري. وقال إن الموسم الأول للمسح الآثاري في الصحراء الشرقية لأسفل نهر عطبرة والذي كان في شهر ديسمبر 2016م أثمر عن اضافة قطاع جديد للسودان من قطاعات العصور الحجرية في المنطقة مابين وادي الهودي شمالاً وحتى أردعما جنوباً وبطول ما بين 60 - 80 كلم شرقاً في الصحراء مما كشف عن 133 موقعاً أثرياً توزعت ما بين ضفة النهر الشرقية وفي الصحراء على حواف الأودية الكبيرة وعلى أطراف بحيرة نهر عطبرة القديمة، مثلت مواقع العصور الحجرية 70% من جملة المواقع المكتشفة توزعت على قطاعات المنطقة حيث وجدت معظمها بعيداً عن النهر واختلفت فيما بينها زمنياً وثقافياً ما بين مواقع العصر الحجري القديم ومواقع العصر الحجري الحديث. كذلك اختلفت مواقع كل فترة فيما بينها بناء على حجم وكمية ونوعية الآثار على سطح الموقع وتدهور سطح معظم المواقع الموجودة بالقرب من النهر نتيجة التعاقب الاستيطاني على المنطقة ، فيما كانت الموجودة بعيداً من النهر أكثر محافظة رغم تأثرها بعوامل التعرية والجرف. وأكد إن ما أسفرت عنه عمليات المسح الآثاري للموسم الأول في الصحراء الشرقية لأسفل نهر عطبرة كشف عن آفاق ثقافية متطورة وفريدة من نوعها للعصور الحجرية شغلت المنطقة منذ نهايات البلايستوسين وحتى نهايات الهولوسين إي الفترة المؤرخ لها عالمياً منذ 700000 سنة وحتى 3000 ألف سنة قبل الميلاد. والمتمثلة في معسكرات صيادين خلال العصر الحجري القديم الأسفل والأوسط والأعلى مضيفا بأنها تطورت إلي معسكرات صيادين ورعاة ومن ثم مزارعين خلال المراحل الثلاث للعصر الحجري الحديث المبكر والمتوسط والمتأخر. وأشار إلى أن تلك المواقع الأثرية توزعت في قطاعات جغرافية بعيدة عن نهر عطبرة الحالي حول بحيرة نهر عطبرة القديمة والوديات التي كانت متصلة بالبحيرة ونهر عطبرة. كما كان لنهر عطبرة مجرى قديما محازيا للمجرى الحالي جهة الشرق على مسافة ما بين 5 - 10 كلم. وقال إن من نتائج التصنيف التقني والنوعي لمحتويات مواقع العصور الحجرية في المنطقة يبدو واضحاً ثراء المنطقة بآثار العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث مثيل بما هو موجود في وسط وشمال السودان في معظم السمات ويختلف عنه في سمات أخرى مما يعكس وجهاً جديداً للعصور الحجرية في السودان أكثر شبهاً بجنوب شرق إفريقيا والصحراء. وناشد نصر وخبراء المشروع مجتمع المنطقة بضرورة الحفاظ على هذا الموروث المهم عالمياً لأن المنطقة تمثل الجسر الجغرافي القديم الرابط للسودان بإفريقيا ، مؤكدا أن الأعمال الآثارية ستكشف فيها عن عمق ثقافي يبرز أهمية السودان العالمية ويفتح مجالاً واسعاً للسياحة والدراسات البيئية والآنثروبولوجية والجيولوجية في الصحراء وهو ما سينهض بالمنطقة والسودان منوها إلى أن عمليات التنقيب العشوائي عن الذهب في المنطقة تمثل أكبر عائق ومدمر لهذا الموروث.