قفز الشاب عالياً و(ركز) على عصاه عاري الظهر بينما كانت إيقاعات الدلوكة الحامية تبعث فيه حماساً كبيراً.. إنهالت السياط على ظهره حتى أدمى وسط زغاريد النسوة.. إنه (البُطان) عادة تنتشر وسط الجعليين وتأبى الإستسلام لموجات العولمة وتُعد مصدر فخر وإعزاز ونبل وشجاعة و لأن (البُطان) أو (الجلد) إرتبط بتلك القيم والمفاهيم لم يتخلى عنه الجعليون رغم الإنتقادات الكثيرة التي وجهت إليهم بإعتبار أن (البُطان) عادة غير متحضرة ولا تمت إلى المدنية بصلة وفيها من الوحشية وإراقة دماء (الظهور) ما فيها.. قمنا بإستطلاع مع العديد ممن مارسوا (البُطان) لنتعرف عن كثب مدى إرتباطهم به أو إمكانية تخليهم عنه.. وقد كانت لنا بعض هذه الآراء من الشباب والشابات.. يقول (أيمن) موظف، أنا جعلي من شندي والبطان عادة جميلة و(مية المية) وتميزنا عن بقية القبائل ونحن نعتبرها نوع من الشهامة والفخر بالنسبة لنا ولا يمكن لنا التخلي عنها فنحن ورثناه عن أجدادنا وأباءنا. ويضيف (علي محمد) عامل: هو عبارة عن عادة وتراث تركه لنا أجدادنا ولكنه وفي حد ذاته يعتبر غلط كبير فهو قد يتسبب في بعض الأمراض الجلدية التي قد تنهي حياة الكثير من الشباب. وأنا أيضاً نلت ما نلت من هذه السياط في بعض حفلات زواج أقاربي.. ولا أظن أن الجعليين سوف يتركون (البُطان) مهما تطور العالم.. وفي ذات السياق تقول (صفاء) طالبة: هو عادة يقررها الأجداد وقد تكون في وقتها جميلة أي في الحفلة ويرآها الناس أي (الجعليين) فخراً لهم وأنهم متفردون بشيء حصرياً عليهم وبالذات إذا كانت الحفلة في مدينة أخرى غير مدينة شندي مثلاً هنا في العاصمة ترى الجعليين مندمجين ومبتهجين ويطربون مع أصوات الدلوكة و(الشتم) وغيرهم من الأصحاب والجيران في غاية الغرابة من هذا المنظر منظر السوط والدماء التي تملأ الملابس البيضاء الجميلة. وبحدة في كلامها تقول (سار السر) طالبة: البُطان عادة غير حميدة وما عندي أي معنى (يعني شنو الزول يأخذ ليه كم ضربة من السوط هذا في رأيي ضرب من ضروب التخلف وعادة ينبغي أن يتخلى عنها أهلنا الجعليين ويلحقوا بركب التقدم والتطور. ويتحدث (أسعد عبد الله) أعمال حرة.. أنا جعلي ولكني لم أمارس (البُطان) إطلاقاً وأنا شخصياً لا أرى أنه جميل ولا قبيح فهو مجرد عادة وتراث وقد يندثر بمرور الزمن أو لا يندثر.. ولكني أتمنى أن يتركه أهلنا الجعليين ويواكبوا العولمة.. وفي ختام استطلاعتنا التقينا أحد أعمامنا الجعليين (محمد أحمد) وسألناه عن البُطان أي الجلد..والذي قال لنا: أهلنا الجعليين من عشاق الغناء الأصيل ومعظم أبناء الجعليين مغنيين يغنون للتراث والجمال بتلك الآلات البسيطة وهي الدلوكة و(الشتم) فهم أهل (عرضة وصقرية )ومن أهم ما يميز هذا الغناء (السوط) ويعتبر من أهم العادات عندنا فلا تكون هناك دلوكة بلا سوط أو (جلد).. فهي عادة نشأ عليها أجدادنا وأباءنا.. ففي مناسبة الزواج يقوم العريس بجلد أصحابه وأقرانه وكل من يود ذلك فهي حالة لا يستطيع الرجل مقاومتها فعندما (تنقر) أو (تدق) تلك الدلوكة يحس برعشة في جلده ولا يتماسك حتى ينال ضرباً من ذلك السوط ومن العجائب سبحان الله أنه لا يحس بذلك الضرب ولو كانت عشرة سياط.. ويزيدهم الفنان عطشاً لذلك الجلد عندما يتغنى الفنان ويقول: العريس ( شكى صوتكم ما بكى) فلا ترى أحد يجلس فالكل يطير معلقاً في العرضة ويحزم جلبابه في وسطه حتى يأخذ نصيبه من ذلك السوط.. وهو عادة قد تكون مؤذية فالسوط الذي يستخدم فيها لضرب الحيوانات ورغم ذلك لا نستطيع التخلي عنه لا عولمة ولا تطور فهي إرثنا وعاداتنا وتقاليدنا من الله خلق الدنيا. وسميت بالبُطان لأن الذي يضرب بالسوط على ظهره لا يستطيع أن ينام عليه لذلك يلجأ للنوم على بطنه وقد يستمر على هذا الحال لمدة تطول شهر بحاله.. الخرطوم : سماح علي الأمين