البيان الذي أدلى به المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية، تعليقاً على عودة أسرى من القوات النظامية أفرجت عنهم الحركة الشعبية، يؤكد بلا أدنى تردد، أن خارجيتنا تعيش في "غيبوبة" ، أو هي "ساهية ولاهية"، وتعمل بمبدأ المثل السوداني "أضان الحامل طرشا" !! ففي مناسبة عودة أكثر من مائة وعشرين أسيراً من منسوبي الجيش والشرطة والدفاع الشعبي وجهاز الأمن والاستخبارات لأرض الوطن، بعد أن أطلقت الحركة الشعبية قطاع الشمال سراحهم في بادرة حُسن نية، مُلقية "بالسلام" على النظام في الخرطوم، ولا نستبعد أن ترُد الحكومة السلام "بأحسن منه" كما أمر ديننا الحنيف .. أصدرت وزارة الخارجية السودانية بياناً على لسان المتحدث باسمها، كالت فيه التقريظ والشُكر بدأ مما أسمته برعاية رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ومروراً بكل الأجهزة الأمنية، وانتهاءً بالمؤسسات التي قال البيان أنها ساهمت في عملية الإفراج عن هؤلاء الجنود. كما قدمت الخارجية شكرها للرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، "لجهوده المخلصة والصادقة في سبيل إطلاق الأسرى". ودون أن نغمط الرئيس موسيفيني حقه، بل نشكره عليها، نقول أن بيان الخارجية قد جانبه التوفيق في ما أرادت أن تعبر عنه، إذ تجاهلت "عمداً" أو "غباء" أن تذكر الحركة الشعبية بكلمة واحدة لموقفها وقرارها بإطلاق سراح الأسرى، وإعادتهم لحُضن الوطن ولأسرهم الذين غابوا عنها بسبب الحرب اللعينة التي تسببت في غيابهم الطويل. ونستعير هنا المثل العامي الذي يحفظه كل سوداني "الخيل تجلقب والشُكُر لي حماد"، وما حماد هنا، وبحسب بيان الخارجية الهزيل، إلا "يوري موسيفيني"، وليس مالك عقار أو ياسر عرمان أوعبد العزيز الحلو وبقية قادة الحركة ! لقد كان حرياً بمن صاغ أو كتب أو أمر بإصدار ذلك البيان الهزيل، أن يقدم شكره للحركة الشعبية التي كان هؤلاء في قبضتها، فقط من باب رد التحية بأحسن منها، كقيمة دينية، وعُرفاً سودانياً أصيلا تجاهلته خارجية "غندور" بكل استفزاز لمشاعر السودانيين الذين روا في هذه الخطوة "كُوة" وبادرة حُسن نية من الحركة الشعبية تجاه بلدهم وأسرهم، وهو في النهاية ضوء في نهاية النفق. ولعل أبلغ رد على هذا البيان، مقطع الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، للأسرى وآسريهم وهم يودعون بعضهم البعض بابتسامات وأحضان، في مشهد يهز مشاعر الجبال، ليؤكد مرة أخرى أن السودان وطنٌ يسع الجميع بكل أعراقه وألسنته وسحنات وجوه وطيبة أهله وسماحتهم، فليرجع وزير الخارجية أو طاقم وزارته، أو المتحدث باسمه الذي أصدر البيان، إلى تلك المشاهد الإنسانية المؤثرة، ليعرف أنه قد "دقس" (!) .. وما أخيب أن "يدقس" من يمثل وزارة الخارجية في شأن كهذا. فقد كان حرياً به أن يقدم شكره بنفس العبارات لأصحاب الفضل بعد الله سبحانه وتعالى، لأن موسيفيني لم يكن وحده من ساهم في تحرير هؤلاء، فالعملية سبقتها رحلةٌ طويلة، وجولات مرهقةٌ من التفاوض والرسائل، ولم يكن ل"موسيفيني ، إلا أجر المناولة" ويُشكر عليها ! ينبغي أن تكون هذه البادرة ضربة البداية في اتخاذ قرار سياسي وعسكري شجاع من قبل الطرفين "الحكومة والحركة الشعبية" بإيقاف الحرب اللعينة التي أودت بمئات الآلاف من أرواح شبابنا، وهم وقود البناء والتعمير لما دمرته الحرب. التي أكلت الأخضر واليابس في وطننا. ونقول في الختام، أن الكرة في ملعب الرئيس البشير، فهو، وليس غيره من يستطيع إيقاف نزيف الدم الغالي، ويعيد السلام والوئام لهذا البلد الذي "هدتَ حيله" الحروب التي تتناسل كالأميبيا والفيروسات. فبقرار شجاع بدون "لجلجة ولا تردد"، يستطيع البشير أن يخرجنا ووطننا من دائرة الحرب والنزاعات الجهنمية التي أقعدت البلاد. وبإشارة منه، وهو رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة ومن بيده الأمر، ينبغي أن يبادر بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، والموقوفين في قضايا سياسية بالسجون، وإلغاء أحكام الإعدام الصادرة في حق قادة الحركة الشعبية، عنواناً لفتح صفحة جديدة شعارها "نعم ، نستطيع" قوامها ومبدؤها أن الدين لله، والوطن للجميع. وأن كفى تنازعاً واقتتالاً ودماً. فهل يفعلها، أم سيستمر الطرفان في تبادل كرة التردد والتعنت "وقوة الرأس" في ميدان الحرب التي أهلكت الحرث والنسل ؟! وعليهم تذكر أن اتخاذ قرار وقف الحرب أصعب من بدئها، وأن كل من تناحروا في مشارق الأرض ومغاربها وشهروا السلاح في وجوه بعض، رضخوا في النهاية لتفاوض والجلوس إلى بعضهم وإحكام العقل، فلا غالب ولا مغلوب، والسلاح لم يُؤد إلا للدمار ونشر روح الكراهية والبغضاء وغل الصدور برغبة في الانتقام ! [email protected]