مرة أخرى يتصاعد الجدل حول صلاحيات جهاز الأمن، ومن جديد تبرز دعوات تنادي بتكييف جهاز الأمن ليتولى مهام تحليل المعلومات وتقديم التقارير بشأنها الى المشرفين على أمر البلاد. ولكن بالمقابل فإن الدعوة إلى استبقاء الجهاز في ذات صلاحياته تزداد وتيرتُها مع الأيام، فقد رفضت لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان تقليص صلاحيات الجهاز، وهو ما يعني أن ملحق الحريات الذي اقترحه المؤتمر الشعبي والذي تمسك بتنفيذه كاملاً، سيُواجه بموانع برلمانية كبيرة أبرزها لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان، حيث أشار رئيسها الفريق أحمد أمام التهامي إلى أن تقليص سلطات جهاز الأمن، يتعارض مع المهام التي ينبغي أن تُوكل إليه خاصة في الجرائم التي تهدد أمن البلاد. قدسية المخرجات بعد التوقيع على مخرجات الحوار الوطني والوثيقة الوطنية من قبل القوى السياسية والحركات المسلحة المشاركة التي شاركت في الحوار الوطني اتفق جميع المتحاورين على تنفيذ المخرجات كاملة، لم يكن المتحاورون وحدهم من آمن على ذلك، بل رئيس الجمهورية رئيس الحوار الوطني أشار مراراً وتكراراً في عدة مناسبات إلى التزامه الكامل بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، مشدداً على ذلك بقوله إن تنفيذ مخرجات الحوار الوطني مسؤوليته الشخصية، ومضت الأيام منذ العاشر من أكتوبر من العام الماضي لحظة التوقيع على المخرجات والوثيقة الوطنية وحتى اللحظة والترتيبات تمضي دون خلافٍ يذكر يعكر صفو الوفاق المرتقب، وتم في هذه الفترة إنجاز عدد من المهام المتعلقة بترتيبات الحوار إذ أُودع عدد من التشريعات منضدة البرلمان وتمت إجازتها، بالإضافة لتعيين رئيس الوزراء الذي شرع في تشكيل حكومة الوفاق الوطني المتفق عليها، ومن ذلك تبدو الأمور تسير بصورة جيدة قبل أن يتم الحديث عن تقليص صلاحيات جهاز الأمن الوطني، وهو ما أخذ حيزاً كبيرًا من النقاش والمداولات بين الرافضين لتقليص صلاحيات الجهاز والمتمسكين بتنفيذ ما جاء في مخرجات الحوار كما هي والتي تنص على جعل دور جهاز الأمن فقط في جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات الأخرى كالشرطة والقوات المسلحة بالإضافة إلى منعه من الاعتقال والحبس. خط داعم استند الداعمون لإبقاء صلاحيات جهاز الأمن على ما هي عليه على الاضطرابات التي تشهدها المنطقة والسودان، وبحسب رؤيتهم فإن ذلك يحتم وجود دور جهاز الأمن بذات صلاحياته. بل ذهب بعض قادة الجهاز أنفسهم للمطالبة بإعطائه مزيداً من الصلاحيات "قوةً وأسناناً" وهو ما ذكره الفريق أمن توفيق الملثم، مدير الأكاديمية العليا للدراسات الإستراتيجية والأمنية، منوهاً إلى أن ذلك سوف يعين الجهاز ليقوم بدوره الذي تقتضيه الظروف المحيطة بالبلاد. وهو ذات ما جرى على لسان مدير الجهاز الفريق أول محمد عطا. وهو الاتجاه الذي دعمه عدد من القوى السياسية المشاركة في الحوار، إذ أعلن رئيس حزب الأمة الوطني، عبد الله مسار، رفضه تقليص صلاحيات جهاز الأمن في الوقت الحالي، لجهة أن البلاد تمر بوضع استثنائي، وقال: "لا يمكن حصر مهام الأمن في جمع المعلومات وتحليلها فقط، لأن البلاد تمر بظروف استثنائية ومشكلات أمنية داخلية وخارجية، وقال إن الأمن "يساهم في استقرار البلاد ويشارك في العمليات الحربية"، وأضاف: "يستحيل جعله جهازاً لجمع المعلومات حالياً، وأوضح مسار أن المخالفات التي يرتكبها أفراد أو مؤسسة بجهاز الأمن يمكن حسمها بالقانون واللجوء للمحكمة الدستورية بشكاوى من المتضررين، مؤكداً وجود قوانين وآليات محاسبة رادعة بالسودان. وعلى ذات الخط دخلت السلطة القضائية عبر حديث نائب رئيس القضاء عبد المجيد إدريس، الذي أعلن في تصريحات بالبرلمان رفضه تقليص صلاحيات جهاز الأمن وحصر مهامه في جمع المعلومات فقط، قائلاً إن "الجهاز مسؤول عن أمن المواطنين ما يتطلب أشياء لا تتأتى إلا بوجود صلاحيات له، بينما رفض حزب المؤتمر السوداني إبقاء صلاحيات جهاز الأمن كما هي بالرغم من عدم مشاركة الحزب في الحوار الوطني، وقال المهندس عمر الدقير إنه لا اعتراض على وجود جهاز أمن قوي ومؤهل لحماية الوطن، لكن الرفض ينصب على الصلاحيات التي تسمح له بمنع الحراك السياسي السلمي وانتهاك الحريات والحقوق الأساسية، وأضاف الدقير: "الاعتراض على الصلاحيات التي تعطيه حق التدخل في كل شؤون الحياة العامة لحماية دولة التمكين الحزبي وليس لحماية الوطن". بين الرفض والقبول ويرى أمين الاتصال التنظيمي بحزب المؤتمر الشعبي الأمين عبد الرازق أن الحديث عن جهاز الأمن هو حديث دستوري كما هو موجود من قبل في اتفاقية نيفاشا، وأشار الأمين خلال حديثه ل(الصيحة) إلى أنهم مصرون على إجازة جميع ما تم الاتفاق عليه في مخرجات الحوار الوطني، مشدداً على ضرورة إدخال ما يختص بجهاز الأمن كمادة في الدستور القادم، وزاد إن التعديلات الخاصة بجهاز الأمن تم رفعها للبرلمان من قبل رئيس الجمهورية، منوها إلى أنه لم يسبق للبرلمان أن ناقش قانوناً رفعه له رئيس الجمهورية قائلاً بأن كل من يتحدث الآن عن ضرورة الإبقاء على صلاحيات جهاز الأمن وقعوا على المخرجات التي تدعو لتجريد جهاز الأمن من صلاحياته، وزاد الأمين بأنهم يسعون ليكون جهاز الأمن قوياً في مجال جمع المعلومات دون الانشغال بالعمل المسلح مضيفاً بأنهم لا يريدون رؤية جهاز الأمن يحمل سلاحاً بسبب أن ذلك سيضعفه ولا يقويه، واستدل الأمين بدخول خليل إبراهيم لأمدرمان، مشيراً إلى أن ذلك حدث بسبب انشغال الجهاز عن جمع المعلومات وإقحام نفسه في أدوار القوات المسلحة، وأكد الأمين على أنهم لن يقبلوا بغير رفع التعديلات الدستورية كمجموعة واحدة للبرلمان لإجازتها وإنفاذها لتكون ضمن الدستور. وفي المقابل، رأى رئيس حزب منبر السلام العادل الطيب مصطفى أنه ليس بالضرورة إعمال كل المخرجات التي تتعلق بدور جهاز الآمن الآن، مشيراً إلى إمكانية إرجاء الإمر إلى أن تتوقف الحرب ويعم السلام وينضم المعارضون المسلحون للسلام، وأضاف مصطفى في حديثه ل(الصيحة) أن الفترة الانتقالية التي تم تحديدها لإنفاذ المخرجات تمتد إلى سنة 2020م ولذلك ليس بالضرورة إنزال المخرجات كلها اليوم طالما أن الأوضاع الأمنية تستدعي الإبقاء على صلاحيات الجهاز لحماية البلاد، مشيراً إلى أنه متى ما تم تأمين البلاد يعود الناس إلى تحديد صلاحيات الأمن، ومضى يقول: لا يوجد ما يُلزِم المنخرطين في الحوار بإنفاذ المخرجات اليوم طالما هنالك فترة انتقالية أعدت لإنفاذها وأن إنفاذ المخرجات يتم في الفترة الإنتقالية كلها وما يناسب اللحظة من الممكن أن ينفذ اليوم، وأردف أن ما تقتضي الظروف إرجاءه يؤجل إلى عام 2020م، وقال رئيس منبر السلام العادل إن ما دعانا إلى منح جهاز الأمن هذه الصلاحيات الاستثنائية هو أن البلاد ليست في حالة آمنة والذي يؤمن البلاد هو إعطاؤه هذه الصلاحيات الاستثنائية، وأشار إلى أن وقف الحرب شرط لسحب الصلاحيات من جهاز الأمن. الصيحة