الكشف عن المرشحين للفوز بجائزة الكرة الذهبية 2025    عزيمة وصمود .. كيف صمدت "الفاشر" في مواجهة الهجوم والحصار؟    مناوي يُعفي ثلاثة من كبار معاونيه دفعة واحدة    المريخ يختار ملعب بنينا لمبارياته الافريقية    تجمع قدامي لاعبي المريخ يصدر بيانا مهما    بالصور.. تعرف على معلومات هامة عن مدرب الهلال السوداني الجديد.. مسيرة متقلبة وامرأة مثيرة للجدل وفيروس أنهى مسيرته كلاعب.. خسر نهائي أبطال آسيا مع الهلال السعودي والترجي التونسي آخر محطاته التدريبية    شاهد بالفيديو.. بالموسيقى والأهازيج جماهير الهلال السوداني تخرج في استقبال مدرب الفريق الجديد بمطار بورتسودان    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    شاهد بالصورة والفيديو.. سيدة سودانية تطلق "الزغاريد" وتبكي فرحاً بعد عودتها من مصر إلى منزلها ببحري    حادث مرورى بص سفرى وشاحنة يؤدى الى وفاة وإصابة عدد(36) مواطن    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس يصل مطار القاهرة الدولي    شاهد بالفيديو.. بعد عودتهم لمباشرة الدراسة.. طلاب جامعة الخرطوم يتفاجأون بوجود "قرود" الجامعة ما زالت على قيد الحياة ومتابعون: (ما شاء الله مصنددين)    الشهر الماضي ثالث أكثر شهور يوليو حرارة على الأرض    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    شاهد بالفيديو.. بعد عودتهم لمباشرة الدراسة.. طلاب جامعة الخرطوم يتفاجأون بوجود "قرود" الجامعة ما زالت على قيد الحياة ومتابعون: (ما شاء الله مصنددين)    يؤدي إلى أزمة نفسية.. إليك ما يجب معرفته عن "ذهان الذكاء الاصطناعي"    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    عمر بخيت مديراً فنياً لنادي الفلاح عطبرة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (روحوا عن القلوب)    الجمارك تُبيد (77) طنا من السلع المحظورة والمنتهية الصلاحية ببورتسودان    12 يومًا تحسم أزمة ريال مدريد    الدعم السريع: الخروج من الفاشر متاح    التفاصيل الكاملة لإيقاف الرحلات الجوية بين الإمارات وبورتسودان    بيان من سلطة الطيران المدني بالسودان حول تعليق الرحلات الجوية بين السودان والإمارات    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    رواندا تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال ما يصل إلى 250 مهاجرًا    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستثمارات في السودان وانقاذ البلاد... خواطر جيل مودع

لمرة رابعة وربما أكثر نقول " لا خير فينا ان لم نقلها " حتى بعد فوات الأوان بعد أن كنا نقول "لا خير فينا إن لم نقلها قبل فوات الأوان " . هذه خواطر مختصرة جدا حول بعض مشاريعنا "الاستثماريه" التي تعلن أو تفتتح بالأهازيج ودق الطبول آملين أن ننبه الى بعض مخاطرها لعلنا نتدارك ما يمكن تداركه من مخاطر أو محاذير قد تلحق ببلادنا ، فنحن ننتمى الى الأجيال التى رعاها محمد احمد دافع الضرائب - منذ مرحلة المدرسة الأوليه " الأساس الآن " الى الجامعية وما فوق الجامعية والى مابعد الدكتوراه ولذلك نرى أنه واجب علينا، بل فرض عين، أن نكرر التحذير تلو التحذير من كل ما يمكن أن يصيب هذا الوطن الشامخ ذي التاريخ العريق الضارب فى القدم من مكاره ومصائب قد تلحق به ، وذلك هو أضعف الايمان.
سوف أتناول فى هذه العجالة بعض المشاريع " الاستثماريه" فى مجالات مختلفة و باقتضاب أرجو ألا يكون مخلَا، تاركا المجال للاخوة المتخصصين من زملائنا ومن الذين تخصصوا من طلابنا وطلاب طلابنا للدخول في تفاصيل كل موضوع بالدقة العلمية المطلوبة ، فأنا على يقين أن هنالك الكثيرين الذين يستطيعون تناولها باقتدار أكبر مما أستطيع ،ولنبدأ من الآخر كما يقال.
1- الاستثمارات الزراعيه:
أولا بعض الحقايق:
العقول والخبرات السودانيه في مجالات الزراعة الواسعه وفى مجالات مشروعات الري الكبرى خبرات مشهود لها عالميا ولاتتوفر للدول التي نحتفىى بخبراتها أو رؤوس أموالها ، كما أن خبرة المزارع السوداني في مشروع الجزيرة أو أي مشروع آخر لا تتوفر لأى من الذين نستقدمهم بدون وجه حق أو أى سبب يدعو لذلك، فعمالة بلادنا ومهنيوها مقتدرون وهم أولى بفرص الاستخدام والاستشارة ، والأجيال الجديدة منها قابلة للتدرب وأولى بفرص التدريب.
لم نستنفد بعد حقوقنا المشروعة من مياه النيل سواء في مشاريع النيل الأزرق أو الجزيرة أو النيل الأبيض وهي مشاريع حطمناها بأيدينا ونوالى هدم ما تبقى منها ، و يعرف الدانى والقاصى أنها كانت نماذج يحتذى بها فى فن ادارة المشاريع الزراعية الكبرى الناجحة وقد كانت عصب اقتصاد السودان ونماذج فى التنمية الاجتماعية،ولذلك فلنتوقف قليلا قبل أن نفكر فى مشاريع جديدة حولها كثير من علامات الاستفهام ، ولتكن اُولى أولوياتنا إعادة تاهيل هذه المشاريع التى تهدمت بفعل فاعل ، فالعقول والأيدى التى حافظت على هذا الارث العظيم ما زال بعضها موجودا وقادرا على العطاء فلنلحق بها قبل أن تلحق بمن سبقوهم من كوادر وخبرات فى مجالات اخرى كثيرة مثل السكة حديد الموؤودة والكهرباء وغيرهما .
خزان مروى وأراضى الشمالية:
كان العشم أن يكتمل سد مروى باكتمال القناتين االشرقية والغربية واللتين تستزرعان الأراضى الخصبة الشاسعة الى الشرق من النيل والى الغرب منه والتى قد تمتد الى تخوم معتمدية حلفا فهى مناطق ذات شتاء معتدل وطويل نسبيا يسمح بزراعة محاصيل شتوية يمكن أن تنتج وبانتاجية عالية ونوعية متميزة القمح والفول والبسلة والخضر والفاكهة ونباتات الزينة وغير ذلك بكميات تكفى البلاد وتفيض للتصدير وبخاصة اذا علمنا أن شتاءنا الخفيف هو وقت الثلوج والعواصف فى اوربا وبقية دول النصف الشمالى للكرة الأرضية فهى لذلك تستورد هذه السلع من أماكن بعيدة بينما نحن الأقرب لهذه الأسواق ، ومن العار الَا يكتمل السد الذى فرحنا ببنائه وهللنا لافتتاحه بإنشاء القناتين ، وإن لم يحدث ذلك فكأننا قد بددنا مواردنا وراكمنا الديون الثقيلة على أكتاف أجيالنا القادمة لتخزين المياه لغيرنا دون مقابل ولتوليد قليل من الكهرباء كان يمكن أن يولد فى أماكن اخرى وبتكلفة أقل.
المياه الجوفية التى حبانا الله بها ( فى الحوض النوبي وغيره ) هي ثروة ناضبة غير متجددة ، غالية لا تقدر بثمن ، ينبغي الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها لأنها ملك لأجيال قادمة، واجب علينا بل فرض أن نحفظها لهم دون السماح لأحد أن يعبث بها في مشاريع لن تفيد السودان شيئاً ، وعلينا أن نتذكر أن دولة مثل المملكة العربية السعودية تحرم استغلال المياه الجوفية فى زراعة القمح أو الأعلاف ، فمن الخير أن نعمل على تحديث مراعينا الطبيعية وتطويرها فى مناطق السافنا وغيرها حيث تتواجد ثرواتنا الحيوانية ، وبخاصة بعد انفصال الجنوب وما صاحب ذلك من تقليص للمراعى ، لكى نكون بذلك من منتجىى ومصدرى أجود أنواع اللحوم بدل أن نؤذى بلادنا مرتين ، مرة باستهلاك مواردنا المائية الناضبة وأُخرى بتعريض ثروتنا الحيوانية للهلاك أو البوار.
2- مشاريع الطاقه:
أولاً: مشروع توليد الكهرباء من الطاقه النوويه : مواضيع الكيمياء النووية والطاقة النووية لها بعض علائق بدراستى الأكاديمية ولذلك اكتسبت فيها من العلم قليلا وان لم يكن كل هذا القليل فى توليد الطاقة الكهربائية منها، فصحيح أن الطاقة النووية تعتبر من الطاقات غير الناضبة والرخيصة نسبيا وهى طاقة هائلة كامنة فى أنوية بعض النظائر "Isotopes" لبعض العناصر وهذه الطاقة عملاق نائم ويلٌ لمن يوقظه دون اتخاذ التحوطات الكبرى اللازمة ، ولذلك أُوجز رأيى فى هذا الأمر بكلمات قليلة هى أن " السودان ليس جاهزاً للدخول في مشروع يحتاج الى تقانة عالية وذي مخاطر كبيرة ، فالطاقة النووية تبدو رخيصه لمن لا يعرف مخاطرها إذ أنها قد تقود الى كوارث لا نستطيع أن نتعامل معها بظروفنا العلمية والتقنية والبنى التحتية الراهنة ولذلك أرجو أن نصرف النظر فورا، واليوم قبل الغد ، عن مثل هذا المشروع والتحول الى مشاريع الطاقه المتجدده الأُخرى الأكثر أمانا".
ثانيا: مشاريع الاستفادة من طاقة الرياح وطاقة الشمس و كلتاهما من البدائل الآمنة جدا وللسودان فيها بعض تجارب وتاريخ اذ أن معظم قرى الجزيرة وبعض مدنها كانت تشرب المياه النقية المرفوعة بمضخات تعمل بطاقة الرياح وذلك لزمان ليس بالبعيد ، وكذلك لنا بعض التجارب في توليد الكهرباء من طاقة الرياح اذ كانت البطاريات السائلة لتشغيل أجهزة الراديو فى المنازل ومكاتب البريد الريفية فى زمان مضى تشحن بمولدات كهربائية تعمل بقوة الرياح ولنا أيضا بعض الخبرات فى توليد الكهرباء من ضوء الشمس ، فلنحمد الله على شمسنا الساطعة على مدار العام ورياحنا التي لا تتوقف ، ولنبذل جهدنا في استغلال هذه الموارد الميسرة والتي لا تكلف غير أدواتها ، فالتقنية قد تطورت كثيرا و الحصول عليها والامساك بناصيتها أصبحا ميسرين ، وكثير من الدول قطعت أشواطا مقدرة للتحول الى هاتين الطاقتين الآمنتين - والمتوفرتين لنا- مستبدلين بهما طاقة الوقود الأُحفورى الملوث للبيئة والطاقة النووية ذات المخاطر الأكبر.
3- النيل وشواطؤه :
النيل هبة من الله أوجدنا الله على شواطئه لننعم بمائه وخصبه لكننا الآن وللأسف نعبث بمياهه وخصبه ومجاريه ، وقد ظللنا ننبه لبعض هذه الامور مرارا ولأكثر من من عقدين من الزمان فينبغي أن ننقذ ما يمكن انقاذه ونوقف هذا الاستغلال العبثي لشواطئ النيل في الخرطوم وحولها ، ونوقف أي تحويل لهذه الشواطئ الخصبة والجميلة فعلا الى شوارع أسفلت و عمارات وفلل وأندية و صالات وكنا قد ضربنا مثلا في مناسبات سابقة بسلطات مدينة "بيرث" في غرب أُستراليا والتى تمنع قيام أية إنشاءات (سواء أكانت مبان رسمية أو فنادق أو غيرها) على بعد أقل من ثلاثة كيلومترات من شاطئ نهر اسوان (Swan River) وتركت كل المساحات حول النهر كمتنزهات رائعة ومفتوحة للمواطنين والزائرين ، وجدير بالذكر أن هذا النهر الصغير لا يمكن أن يقارن بنهر النيل ، أحد أعظم أنهار العالم وذى التاربخ العريق والهيبة البازخة والذى عبثنا بشاطئيه وجعلناهما مسخا مشوها.
شواطئ النيل قد بيعت فعلا أو هى معروضة للبيع في قرار لا يمكن أن يوصف الا بالجنون فنحن نرى بعض أجزاء النيل يردم بالتراب المجلوب من الصحراء لبيع الأرض الناتجه كأراض سكنية بدل أن يؤخذ شيء من ماء النيل لتحويل جزء من الصحراء الى خضرة تسر الناظرين وتنفعهم (فانظروا الى مايحدث للشاطئ جنوب كبرى الفتيحاب وما يحدث من تخريب لغابة السنط وهى محمية طبيعية وانظروا الى ما حدث ويحدث لشاطئى النيل الأزرق والنيل الرئيس والى عدم اكتراثنا للمخاطر البيئية والكوارث المحتملة من العبث بمجارى الأنهار)
4- أبراج العاصمه:
هل شاهدتم الأبراج الشاهقه التي بدأت تزحم سماء العاصمه وهل سألنا أنفسنا أين تذهب النفايات السائلة وشبه السائلة لهذه الأبراج علما بأنه لايوجد لدينا نظام صرف صحي قائم وسليم ؟ فأغلب الظن – وليس كل الظن اثما- أنها تضخ الى جوف الأرض لتلوث المياه الجوفيه والتي يشرب منها معظمنا،واذا ما عمت الأمراض نلوم المكروبات والجراثيم "مجهولة المصدر" مثل الوافد الجديد الذى بات يعرف بجرثومة المعدة والتى بات يشكو منها- بالحق أو بالباطل- الكثيرون ممن نلقاهم،ولا نبحث فى المسببات الحقيقية لما نعانى منه ، وأرجو أن لا يظنن أحد أننى أضع اللوم على جهة واحدة او سبب واحد لتردى أوضاعنا الصحية لكنه موضوع مهم يحتاج الى علاج ناجع.
5- السدود:
نعود لموضوع السدود مرة اخرى ونقول إن أي سد يقام على نهر فهو يعيق سير النهر وبالتالي فإن قاعدة لوشاتلييه المعروفه فى علم الفيزياء تستدعي أن يتحرك موضع التوازن الى موضع جديد مع ما يصاحب ذلك من مشكلات لاحصر لها (ناقشناها فى مناسبة اخرى )
فلكل سد ( أو مشروع مصاحب له) مستفيدون كما أن له ضحايا ينبغي أن ننظر فيما يمكن أن يصيبهم من أضرار، فبعض هذه السدود المقترحة ( كجبار، دال، الشريك ) لا نعرف لها فائدة تذكر إذ أننا لم نطلع على كتاب أبيض نشر عن أى من هذه المشاريع ليطلع عليه الجمهور، والمتأثرون خاصة ، ليبدوا آراءهم عن علم و معلومات دقيقة ولذلك ينبغى ألا نلومهم عندما يتشككون فى جدواها ويرون أن الدافع الحقيقى وراء الاصرار على بنائها هو أن تكون مخازن خلفية للسد العالى الذى فقد جل سعته التخزينية نتيجة الاطماء، ربما لتسديد بعض الفواتير .
6- تعدين الذهب:
هذه مصيبة كبرى نحتفي بها، فتعدين الذهب أو اللهاث خلفه وبالطريقه التي تتم بها بواسطة أفراد ومجموعات لاتعرف حتى القليل عما يقومون به هو في حقيقة الأمر كارثة بيئية إنسانية ووطنية كبرى، فقلوبنا مع المتضررين الذين يعملون في هذا المجال إذ أن بعضهم يموت تسمما بأول اكسيد الكربون أو غرقا فى ثانى اكسيد الكربون داخل الآبار ) وهذا تحليل شخصى لبعض الأنباء التى ترد وبالصورة التى ترد بها فى الصحف المحلية ( والبعض الآخر من العاملين يفقد عافيته وربما حياته بفعل الغبار والأمراض الأُخرى الناتجة عن الوضع الصحي البائس حول المناجم ، بالاضافة الى التسمم بالزئبق الذى يتعرض له بعض العاملين وغيرهم فالزئبق من السموم التى تتراكم فى الجسم ولا يمكن التخلص منها .
أما الخطر الاكبر الذي يتعرض له العاملون و مواطنو كل المناطق المجاوره ، وربما في نهاية الأمر معظم أهل السودان فهو التسمم بمادة السيانايد "Cyanide " وهي ماده عالية السمية وعليه يمكننا أن نتصور ما يمكن أن يحدث اذا ما انتقل هذا السم مع الغبار والرياح الى المناطق المجاورة والى المياه الجوفيه أو السطحية بواسطة الأمطار والسيول ومعها الى الأنهار، فالنتيجة حتما كارثة محققة ، فهلا توقفنا قليلا وتركنا الأُمور لجهات ذات دراية ، فهى أكبر من أن تترك لمنقبين عشوائيين أو رأسمالية طفيلية و شركات مشكوك فى نواياها و مقدراتها .
قلوبنا وأقلامنا مع أهلنا فى شمال السودان وغربه ووسطه وشرقه فإنهم محقون اذا ما عارضوا وقاوموا مثل هذه المشروعات العشوائية القاتلة والمدمرة بيئيا بصورتها الراهنة .
ويجدر بنا كذلك أن نكررمخاوفنا على الآثار وتاريخ هذه الأُمة فى بعض مناطق التنقيب اذ أن بين التنقيب عن الذهب بواسطة بعض الجهات والتعديات الخطيرة على الكنوز الأثرية خيطا رفيعا لا يكاد يبين.
الأمن الحقيقى والثروة الحقيقية يأتيان بالانفاق على التعليم والاستثمار فى البشر:
لا أود أن ادخل فى مقارنات كثيرة ، فدول عديدة مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة وغانا كانت فى عقد الستينات الماضية فى مستوى السودان أو أقل فى مؤشرات التنمية المختلفة ، ويوجد الآن بيننا وبينها أمد بعيد ، فماليزيا كمثال ظلت تنفق أكثر من ربع موازنتها السنوية على التعليم والتدريب على مدى الثلاثة العقود التى تولى فيها دكتور محاضير محمد رئاسة الوزارة كما ورد ذلك على لسانه قبل سنوات فى اجابة على سؤال أحد الصحفيين عن كيف استطاع أن يحول بلاده خلال أقل من ثلاثة عقود من احدى دول العالم الثالث الى دولة متقدمة ، وقد أشار كاتب هذه السطور الى هذه الاجابة لوزير التنمية البشرية فى ماليزيا و هى امرأة شابة كانت فى زيارة للسودان قبل عامين ،ذكر لها تعليقا على حديثها القيم لنخب سودانية فى جامعة الأحفاد ما قاله د.محاضير قبل أعوام ، فكانت اجابتها التى فاجأتنا جميعا هى"نحن الآن ننفق أربعين فى المئة من موازنتنا السنوية على التعليم والتدريب".
هذا ما حدث ويحدث فى ماليزيا ،أما كيف صارت جارتها الجزبرة الصغيرة سنغافورة - والتى لا تتعدى مساحتها مساحة جزء من الخرطوم - والتى تفتقد الى أية موارد مادية طبيعية كيف صلرت أحد أقوى الاقتصادات فى العالم فانما حدث بسبب الانفاق على التعليم والاستثمار فى تنمية البشر، وما أظن اننا نحتاج الى كبير جهد لنعرف الى أين أوصل الانفاق الكبير على التعليم كوريا الجنوبية اذ يكفى أن تنظر الى الهاتف الذكى الذى تحمله فى يدك أو الى الثلاجة والتلفاز فى بيتك أو الى أنواع السيارات التى تجوب شوارعنا لتعرف الى أي ذرى يقود الانفاق على التعليم وتقارن ذلك بما يحدث عندنا و الى أية كارثة يقود تبديد موارد البلاد فيما يضر ولا يفيد .
خلاصة القول ان الأفكار المذكورة فيما سبق هى رؤوس مواضيع تتناول بايجاز شديد غيضا من فيض ما حدث لبلادنا الحبيبة ، وما زال يحدث فيها، دون أن يرمش جفن للفاعلين ، ولذلك أرجو أن يأخذ أهل العلم والقلم هذه المواضيع وغيرها بتوسع أكثر وبشكل علمى رصين ، كل فى مجال اختصاصه واهتماماته فالوطن ومستقبله ومستقبل أجيالنا القادمة أمانة فى أعناقنا جميعا.
وأخيرا نقول إن الأوطان لا يبنيها الا بنوها وان هذا الزمان هو زمان العقول المتفتحة عالية الدربة الناتجة عن تعليم جيد منفق عليه بسخاء ، ولا نحتاج أن نؤكد أن العقول لا تتفتح الا فى أجواء من الحرية الكاملة، وألَا حرية دون ديمقراطية حقيقية، ولذلك فلنعمل جميعا لتحول ديمقراطى حقيقى لا علاقة له بشمولية يحاول البعض أن يضع على وجهها مساحيق تجميلية لن تزيدها الا قبحا ، فالقوانين التى تحكم سير التاريخ - وهى مثل قوانين الفيزياء - تؤكد لنا أن الشموليات لا تقود الاَ الى كوارث كبرى، وها نحن الآن قد بلغنا حافة الكارثة إن لم نكن قد هوينا الى قاعها ، فهلَا عملنا على إنقاذ بلادنا أو ما تبقى من بلادنا وأن نحاول اللحاق بالامم التى كان فى الامكان أن نكون بمستواها أو خيرا منها.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
*صلاح الدين محمد الأمين : بكلاريوس علوم,دبلوم تربية )جامعة بيروت الأمريكية( ،دكتوراة الفلسفة فى الكيمياء الفيزيائية ) جامعة لندن(
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.