على مدى عقود، ظلت قطر، رغم عضويتها في مجلس التعاون الخليجي، تشتغل بمعزل عن دول التعاون، في محاولة منها للاستفراد بالمنطقة. وعلى الرغم من مساحة هذا البلد الصغير وقلة نسمته السكانية، إلا أن قدراته الاقتصادية والمالية الضخمة والدبلوماسية العدوانية وقوته الناعمة، جعلته يختار نهجا مغايرا وشاذا عن قاعدة حسن الجوار والسلم والأمن العالميين. ففي الوقت الذي بسطت يدها لتنويع الاقتصاد والاستثمار في أوروبا في مجالات عدة، بحثا عن بديل ناجع للمحروقات، اختارت أن تلعب على وتر الشعوب وأفيونها، فعززت شوكة الإسلام المتعصب، ومثلما مدت يدها للاستثمار ونشرت صورة الدولة المسالمة الآمنة، مدت يدها الأخرى «للإرهاب» وللتنظيمات الإخوانية وتعزيز التطرف في كل الاتجاهات. في أكتوبر 2014، قال وكيل وزير الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب ديفيد كوهين إن «في قطر مموليين للإرهاب ويحظون بحماية القانون القطري، لاسيما اثنان من الشخصيات المقربة من الأسرة الحاكمة (آل ثاني)، وهما خليفة آل سبيع وعبدالرحمن بن عمير النعيمي». وتأكيدا على ما قاله كوهين، فقد أشار تقرير الاستحبارات الأوروبية إلى أن هذه الشخصيات النافذة في قطر ساهمت وتحت أعين السلطات القطرية في تمكين الإخوان المسلمين من الانتخابات في الدول العربية سواء الرئاسية أو التشريعية. اسما النعيمي والسبيع ظهرا في القوائم السوداء للإرهاب الجهادي التي وضعتها واشنطن في ديسمبر كانون الأول عام 2013 ومن قبل الأممالمتحدة في أغسطس 2014. أما بالنسبة للنعيمي، الأكاديمي ورجل الأعمال القطري الذي تستهدفه العقوبات الأمريكية منذ ديسمبر 2014، فقد كان على القائمة السوداء الإرهابية التي أعدها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةوالأممالمتحدة، وكان المؤسس للجماعة الإسلامية السنية اللبنانية أنصار - الأسباط ثم الخلايا العراقية لتنظيم القاعدة منذ عام 2003 وحركة الشباب في الصومال. يشرف النعيمي على إرسال دفعات شهرية تصل إلى مليوني دولار لتلك الحركات. ومع ذلك، لم يسبق أن ألقي القبض عليه من قبل السلطات القطرية، بل يحظى دوما بالحماية التي يوفرها عن طريق علاقاته مع النخب في قطر. كان النعيمي قياديا بارزا في جامعة قطر - التي أسستها العائلة المالكة في عام 1973، وانتخب في 2004، رئيسا للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وقد شغل أيضا مناصب مهمة في مؤسسة التعاون الخيرية، محمد بن عيد آل ثاني، والبنك الإسلامي لقطر والاتحاد القطري لكرة القدم، التي أنشئ بموجبها المنظمة غير الحكومية العالمية «الائتلاف ضد العدوان». والتي ساندت لسنوات «المقاومة» في العراقوالصومال وغزة، وشكلت الجماعات السلفية الجهادية الإرهابية. ووفقا لاستنتاجات تقرير مركز (Center on Sanctions and Illicit Finance)، فإن هذين الشخصين هما حالة توضح اللعب المزدوج لدولة قطر. لم تتوان قطر في تجهيز طائرات كاملة محملة بالأسلحة وإرسالها إلى الحركات الجهادية الإسلامية سواء في العراقوالصومال وغزة وسورية والسودان أو مالي. وكانت الداعمة والممولة الأساسية للائتلاف الإسلامي المشكل من السلفيين والإخوان المسلمين، والذي يدعى «فجر ليبيا» الذي استفاد كثيرا من السلاح القادم من الدوحة. وفي إطار التحقيق المخابراتي البريطاني في قضية الجهادي الإنجليزي، الجهادي جون، الذي يعتبر الجلاد الرسمي ل«داعش»، اكتشف أيضا أن أحد اللاعبين في قصة جون الذي يجند المتطوعين الجهاديين البريطانيين سابقاً، ويقيم بانتظام وبأمان في الدوحة. ويفيد تقرير (Center on Sanctions and Illicit Finance) أن قطر تدعم وتمول شبكة تهريب الأسلحة لتسليح الميليشيات الجهادية في ليبيا وقد زودتهم بصواريخ مضادة للطائرات وفعلت نفس الشيء في سورية. ووفقا لنفس التقرير المذكور أعلاه، فقد حصد أكثر من 10 شخصيات بارزة في قطر الملايين من الدولارات للجهاديين، وقد تم ذلك علنا أمام السلطات القطرية. قطر تستضيف العديد من القادة الإسلاميين والدعاة، وتوفر المأوى والمساعدات المالية والعمل والخدمات اللوجستية، ووسائل الإعلام وتسمح للأحزاب السياسية بإعادة التشكل وترعى جماعات إسلامية متشددة في أفريقيا والشرق الأوسط والغرب وآسيا. وبشكل رسمي، وعلى عقود من الزمن، تقوم الدوحة بدعم تنظيم الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم. وتعتقد الدوحة أنها ستكسب الكثير جراء علاقتها الوثيقة مع الإخوان، والحركات الإرهابية، وتضمن بذلك توسيع «العمق» الإستراتيجي لها من خلال اعتلاء الإخوان لسدة الحكم في بلدانهم الأصلية، التي قد ترد لقطر الجميل في حال وصل تنظيم الإخوان للحكم في بلدانهم الأصلية.