السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منظمة كفاية: الأسباب الداعية لإيجاد مسار سياسي جديد بين الولايات المتحدة والسودان
نشر في الراكوبة يوم 22 - 06 - 2017


إعداد مشروع كفاية
من المقرر أن تتخذ إدارة ترامب في مطلع يوليو قراراً محورياً بشأن السودان مفاده أنه يمكن للإدارة الأمريكية أن تلغي كلية العقوبات الشاملة التي تم تعليقها في الأيام الأخيرة من حكم إدارة أوباما، أو تعيد تلك العقوبات، أو ترجيء البت في ذلك القرار إلى حين جمع المزيد من المعلومات والسماح للأشخاص المعيّنين الجدد بشغل مقاعدهم قبل التوصل إلى أي استنتاجات.
وتجدر الإشارة إلى أن القرار المزمع اتخاذه في مطلع يوليو يمثل جزءاً من خطة خماسية المسارات تفاوضت بشأنها إدارة أوباما مع الخرطوم في محاولة منها لتحقيق تقدم ملموس بشأن مجموعة محدودة من القضايا ألا وهي: الشراكة في أولويات مكافحة الإرهاب، وهزيمة حركة جيش الرب للمقاومة، وإنهاء الدعم السوداني لجماعات المعارضة المسلحة في جنوب السودان، وإصدار تشريع ينص على وقف الأعمال القتالية والعدائية، فضلاً عن توسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية.
وفي الحقيقة فإن كلاً من مؤيدي ومنتقدي برنامج العقوبات السوداني الحالي المعيب وغير المواكب للفترة الراهنة يتفقان على أن هذه السياسة لم تعجل بالتغييرات الجذرية اللازمة لإحلال السلام والاستقرار الدائمين في السودان. هذا ويذكر أن الخطة خماسية المسارات في حد ذاتها لن تحقق هذا الهدف أيضاً. وعلى الرغم من أن الخطة تضم العديد من القضايا الحاسمة، إلا أنها لا تصل إلى صميم وجوهر ما يعاني منه السودان: من نظام كليبتوقراطي عنيف يستثني الكثير من أبناء الشعب السوداني، ولا سيما قاطني المناطق المهمشة، وهو الأمر الذي يشكل مصدر معاناة هائلة.
وبغض النظر عن القرار المتعلق بالمسارات الخمسة المزمع اتخاذه في يوليو (الذي تحلله منظمة كفاية Enough في موجز سياسي منفصل)، فإنه من الضروري أن تسعى إدارة ترامب، بالتعاون مع الكونجرس والمجتمع الدولي الأشمل، إلى مواجهة الإخفاقات الحكومية للنظام السوداني بشكل مباشر ودعم خلق حيز سياسي يمكن للجهات الفاعلة السودانية أن تشغله. ويمكن القول بأن أفضل فرصة للقيام بذلك تأتي من خلال طرح مبادرة دبلوماسية جديدة تستند إلى الخطة الحالية خماسية المسار إلا أنها لا ترتبط بها ارتباطاً مباشراً.
وحتى يتسنى معالجة القضايا الأساسية المتسببة في أعمال العنف واختلال الدولة في السودان- فإنه يتعين على إدارة ترامب الشروع على الفور في تصميم وتنفيذ مسار جديد للتعاون مع الخرطوم يركز على السلام وحقوق الإنسان. وينبغي ربط هذا المسار الجديد بمجموعة عقوبات ذكية وحديثة جديدة تستثني الشعب السوداني وتستهدف من يتحملون أكبر قدر من المسؤولية بشأن وقائع الفساد والممارسات الوحشية الكبرى، المتمثلة في الضربات الجوية على القرى، والهجمات على دور العبادة، وعرقلة المساعدات الإنسانية، وسجن وتعذيب شخصيات المعارضة وقادة المجتمع المدني، وتقويض جهود السلام.
لا شك أن إستراتيجية حديثة بقيادة الولايات المتحدة تضم ضغوطاً مالية هادفة سوف تستفيد من الدروس القيِّمة للحالات الأخرى الأكثر بروزاً فضلاً عن الاستفادة من مجموعة العقوبات التي تفرضها الشبكة، وهذا لا يعني استهداف العقوبات لعدد قليل من الأفراد فحسب بل أيضاً استهداف شركائهم في الأعمال التجارية، وميسري الأعمال لهم، والشركات التي يملكونها أو يسيطرون عليها، بجانب الاضطًلاع بتدابير مكافحة غسيل الأموال المصممة خصيصاً لتجميد أصول من يتحملون أكبر قدر من المسؤولية عن العنف والفساد في السودان وإبعادهم تماماً عن النظام المالي الدولي. وينبغي أيضاً ربط هذا المسار الجديد من أجل إحلال السلام وتعزيز حقوق الإنسان بحوافز جديدة للحكومة السودانية، بما في ذلك إعادة النظر في إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، في حالة استيفاء السودان لمعايير تحولية معينة. وعلى الرغم من أن هذا المسار الجديد الهادف إلى إحلال السلام وتعزيز حقوق الإنسان يُعد عملاً ضخماً يتطلب استثماراً كبيراً لرأس المال الدبلوماسي، والمشاركة والإشراف المستمرين للكونجرس والتنسيق القوي متعدد الأطراف – إلا أنه يوفر أفضل فرصة للمواجهة المباشرة للمسببات الأساسية لعدم استقرار السودان، فضلاً عن خلق حيز سياسي يتيح للشعب السوداني ممارسة ضغوطات من أجل إحداث إصلاح حقيقي.
عين الهدف: الإصلاحات المطلوبة عاجلاً
ينبغي أن يركز مسار التعاون الجديد على ماهية الأهداف السياسية الأكثر إلحاحاً للولايات المتحدة في السودان: الدعم القوي للتقدم السوداني في مجال حقوق الإنسان، والحرية الدينية، والإصلاحات الديمقراطية الأساسية، والحكم الراشد ، وتحقيق سلام شامل في جميع أنحاء البلاد في المحصلة. وبغياب التقدم الجاد والمجدي باتجاه تلك الأهداف، فإن الحكومة السودانية سوف تحتفظ بالأنماط والسلوك القديمين اللذين وسما حكمها على مدى ال28 عاماً الماضية، وسوف تواصل الخرطوم في السياسات التي أدت للحرب المدمرة المستمرة، والاضطهاد الديني، والحكم الاستبدادي، والهجرة الجماعية لأوروبا، والفساد الكبير، والارتباط بالمنظمات الإرهابية ودعمها. وفي حين أشارت إدارة ترامب لعدم اتخاذها لهموم حقوق الإنسان كأولويات على الصعيد العالمي، وذلك لصالح التركيز على الاستقرار، فإن الدروس القاسية المستفادة من السودان تشير إلى أن السبيل الوحيد لدعم الاستقرار هو القيام بمعالجة الإخفاقات في مجال حقوق الإنسان والحوكمة بشكل مباشر.
سوف يكون هناك الإغراء بأن تركز العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان على قضايا متفق عليها تبادلياً مثل مكافحة الإرهاب، والجهود العسكرية قصيرة المدى لاحتواء الهجرة، ولكن مثل هذا التركيز ضيق الأفق سوف يعمل فقط على السماح للخرطوم بإدامة السياسات التي تعمل في المحصلة ضد أهداف الولايات المتحدة حتى بالنسبة للمسائل المذكورة.
إن الخطة الحالية خماسية المسارات لا تتطرق للعلل الداخلية الموجودة في السودان والتي تديم نظام الكليبتوقراطية العنيفة، والذي يتجلى في هجمات وحشية على المدنيين بمن فيهم المسيحيين وغيرهم من الأقليات، ويتضمن هجمات مرصودة لقوات الدعم السريع – والتي تتألف من العديد من مقاتلي الجنجويد السابقين- في دارفور. ذلك أن ثلاثة من المسارات الخمسة (مكافحة الإرهاب، وجنوب السودان، وجيش الرب للمقاومة) تخاطب لحد كبير قضايا إقليمية ومتعددة الأطراف. فالمسارات لا تحفز خلق حيز سياسي داخل السودان- مثلاً، عن طريق الإفراج عن المعتقلين السياسيين أو وقف الممارسة المعتادة بإغلاق الصحف ومنظمات المجتمع المدني المستقلة. كما أن المسارات الخمسة لا تحفز قيام عملية سياسية شاملة يمكن فيها للشعب السوداني بجميع فئاته أن يناقشوا علناً ​​مستقبل بلادهم. إن غياب الضغوط والحوافز لمعالجة تلك القضايا في السودان قد أتاح لنظام الخرطوم أن يستمر في هجماته المتواصلة على الحريات الدينية – بما في ذلك هدم الكنائس، والحرمان من حرية العبادة، ومن حرية التعبير، ومن الحق في تكوين الجمعيات والتجمع السلمي. كما مضى النظام قدماً في عملية سياسية أحادية وذلك من خلال حوار وطني صمم لفرض أمر واقع على المعارضة ومجمل السكان، ومواصلة تأمين قبضة النظام على السلطة. وقد اختتمت هذه العملية في مايو بتعيين حكومة جديدة، ضمت العديد من الرموز المعارضة المنصاعة في مواقع وزارية غير أساسية ولكن تهيمن عليها نخبة النظام القديمة مما يشير بوضوح لنية النظام في الاحتفاظ بسيطرة كاملة على رافعات السلطة.
إن الإصلاحات المتوخاة في هذا المسار الجديد للسلام وحقوق الإنسان تشكل مشروعاً كبيراً سوف يستغرق وقتاً طويلاً. وتنضوي هذه الإصلاحات على إعادة تشكيل أساسية للدولة السودانية واعتماد أسلوب جديد للحكم، لا أقل من ذلك. وحتى الآن، لم يبد نظام الخرطوم مقدرة أو رغبة في متابعة هذه الإصلاحات، وهذا هو السبب في أن هذه الإصلاحات تحتاج لأن تُربط بضغوط كبيرة وحوافز مغرية معاً. ونظراً للمخاطر المحدقة بالوضع فإن الحجم والنطاق (اللذان تقدم بهما الضغوط والحوافز) مهمان. إن الضغوط والحوافز الجزئية محصورة النطاق لن تنتج سوى القليل جداً، مثلما أثبتت السنوات ال20 الماضية.
وللأسف، فإن عملية حوار وطني مثل تلك التي قادتها الحكومة السودانية سابقاً لا تعد طريقاً صالحاً للإصلاح. لقد فشلت عملية الحوار الوطني في السودان بسبب هذه العملية التي سيطر عليها الرئيس عمر البشير وحزب المؤتمر الوطني، مما لا يوفر مجالاً حقيقياً للمناقشة حتى داخل الحزب الحاكم، ناهيك عن الحركات والمجموعات السياسية المختلفة في البلاد. وبالرغم من أن الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي ضغطوا على الأحزاب السياسية السودانية المعارضة لتنضم لعملية الحوار الوطني، فإن تلك الأحزاب السياسية المعارضة رفضت لأنها لم تر أن عملية الحوار ذات مصداقية، ونظرت لمشاركتها على أنها تعطي العملية درجة من الشرعية لا تستحقها.
ويمكن لمؤتمر دستوري أن يعمل كآلية إصلاح بديلة، وقد توفر مثل هذه المنصة للشعب السوداني منبراً ليناقش فيه مسائل الحوكمة وقسمة السلطة التي يسعى معظم أفراده لحلها فيما بينهم. ويمكن للولايات المتحدة، وغيرها من الشركاء المهتمين، أن يستخدموا نفوذهم السياسي ومشاركتهم في مسار السلام وحقوق الإنسان الجديد، للترويج لمؤتمر دستوري في السودان يقوده أصحاب الشأن السودانيين، ويمكن أن يشرف عليه مراقبون دوليون مستقلون، مثل فريق الاتحاد الأفريقي التنفيذي رفيع المستوى، أو آلية ضامنة مماثلة تابعة لطرف آخر.
ويحتاج أي مؤتمر لأن يكون شاملاً وذا مصداقية كافية لضمان جذب مشاركة الجماعات السودانية المسلحة، واستعداد جميع المشاركين لتقديم تنازلات صعبة واحترام التزاماتهم. لقد ظل فريق الاتحاد الأفريقي التنفيذي رفيع المستوى يقود المفاوضات بين النظام والجماعات المسلحة على مدى سنوات عديدة. لقد آن الأوان لكي يقوم الفريق الأفريقي رفيع المستوى بتقديم دفعة منشطة أخيرة، تكون مرتبطة بختام ولاية الفريق التنفيذي.
إضافة ضغوط جديدة
ولأن الخطة الخماسية الحالية التي تتخذها الحكومة الأمريكية في التعاون مع الخرطوم لا ترتبط مباشرة بالإصلاح السياسي وإصلاح الحكم في السودان، ولأن نظام العقوبات الشاملة كان معيباً في تصميمه وتنفيذه، فمن الضروري أن ترتبط المجموعة الجديدة من الأهداف بضغوط جديدة وحوافز جديدة معاً.
وينبغي أن تشمل الضغوط الجديدة شبكة عقوبات قوية محددة للغاية تستند إلى أفضل المعلومات الاستخباراتية المالية المتاحة، وتستهدف المسؤولين الرئيسيين الذين يقوضون السلام وحقوق الإنسان في السودان وشبكاتهم، مقرونة مع تدابير مكافحة غسيل الأموال المصممة لتحقيق الأهداف الواسعة للسياسة الخارجية الأمريكية، وحماية سلامة النظام المالي الأمريكي.
هذه الضغوط المالية الجديدة ليست مجرد إضافة للقليل من العقوبات، أو أشكال متنوعة من تدابير الماضي واسعة النطاق. بل سوف تشكل هذه الضغوط الجديدة نهجاً مختلفاً اختلافاً جوهرياً، ينتقل من نهج قائم على الجغرافيا إلى آخر قائم على السلوك. في هذا النهج الجديد، فإن الضغوط الجديدة سوف تركز على الأفراد والكيانات المسؤولة عن الانتهاكات الأساسية لحقوق الإنسان، والفساد الكبير، والاضطهاد الديني، وتجارة الذهب، وتصدير الأسلحة، وتقويض أية عملية سلام. ويستهدف هذا النهج بشكل محصور الأفراد والكيانات الأكثر تورطاً في ارتكاب الفظائع الجماعية ضد السكان، وتحويل موارد السودان الغنية لأغراض خاصة، ومن ثم يسعى لتعطيل الشبكة الميسرة من المؤسسات والمصارف التي تدعم هؤلاء الأفراد وتلك الكيانات. وتسعى هذه الضغوط المالية الجديدة صراحة إلى الحد من التأثيرات على أفراد الشعب السوداني العاديين، كما أن برنامج العقوبات الشاملة أعطى النظام السوداني كبش فداء مناسب يصرف النظر عن سوء إدارته الاقتصادية والمالية والفساد الكبير الذي هبط بالاقتصاد السوداني إلى الحضيض.
إن الولايات المتحدة تعرف كيف تستهدف هذا النوع من النظم الكليبتوقراطية وكيف تنفذ هذا النوع من الإجراءات التي فُرضت لمواجهة تهديدات إيران، وبورما، وكوريا الشمالية.
وقد تشمل الضغوط الرئيسية التي ينبغي تنفيذها والخطوات الواجب اتخاذها بعضاً مما يلي:
عقوبات تجمد أصول جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني وشبكة شركاته، مع استخدام عتبة ملكية (للجهاز) تساوي 25 في المئة كنسبة تؤدي لفرض العقوبات.
عقوبات قطاعية تركز على قطاعي الذهب المتأثر بالنزاع، والتصنيع الحربي.
عقوبات قاصدة موجهة ضد الشبكات المرتبطة بعمليات الفساد العام وانتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة في جميع أنحاء السودان، وضمان أن يكون التركيز على مُستهدفين لهم حيازات من أصول و/ أو شركات ضخمة. وينبغي ألا تركز شبكة العقوبات هذه على مجرد الأفراد الرئيسيين بل وأيضاً شركائهم، والميسرين لأعمالهم، والشركات التي يملكونها أو يسيطرون عليها.
مطالبة الأفرع الأجنبية التابعة للشركات الأمريكية بالامتثال لهذه العقوبات منعاً للمراوغة.
قيام الشركات التي تعمل في السودان بالإبلاغ العام لضمان قيام الشركات بعناية لازمة بالإجراءات الملائمة.
توجيه وحدة الإنفاذ المعنية بالجرائم المالية (FinCEN) التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية للتحقيق فيما إذا كان قطاع الذهب أو غيره من الشبكات في السوان يشكل حالة "مثيرة للقلق بشكل خاص فيما يتعلق بمسألة غسيل الأموال"، وأن تصدر الوحدة تعاميم تتعلق بتحقيقاتها، وأن تعمل مع المؤسسات المالية وغيرها من الولايات القضائية للتحقيق بشأن "الشخصيات السياسية السودانية البارزة" وغيرها من الأهداف. هذه الجهود سوف تقصر تركيز القطاع المالي على القضايا الأساسية في السودان، وتساعد على التقليل من التوسع في تجفيف المخاطر (de-risking) مستقبلاً ( تجفيف المخاطر مصطلح يطلق على تجميد الأرصدة المشتبه ضلوعها في الإرهاب أو غسيل الأموال وغيرهما من الأنشطة غير الشرعية- حريات).
اعتماد الكونجرس لأموال الوكالات المعنية، لا سيما داخل إدارات الخزانة والدولة، للقيام بهذا العمل الذي كانت الحاجة إليه ماسة لسنوات عديدة ولكنه لم ينجز أبداً.
وينبغي مواءمة هذه الضغوط الجديدة الأكثر قصدية مع أهداف الإصلاح قصيرة وطويلة المدى. فإذا لم توجد مؤشرات مبكرة قوية على التزام الحكومة السودانية بالإصلاح السياسي وإصلاح الحكم – وهو أمر غير مرجح – ينبغي التبكير بتطبيق بعض هذه الضغوط، كتلويح بالنية وإثبات لفعالية هذه التدابير. ولكن ينبغي أيضاً أن يكون هناك مجال لتصعيد العقوبات، واستهداف الشبكات الأقرب لمراكز السلطة.
وحوافز جديدة أيضاً
في حين أن الخطة ذات المسارات الخمسة تقترح إلغاء العديد من الضغوط الحالية المفروضة على السودان، فإن هناك ضغوط أخرى تتوق الخرطوم لإزالتها وهي غير مدرجة في الخطة. في مقدمتها إدراج السودان، إلى جانب إيران وسوريا، بقائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب (SST). وقد أضيف السودان لأول مرة لهذه القائمة في عام 1993م، خلال الفترة التي استضافت الخرطوم فيها أسامة بن لادن. إن تسمية الدول الراعية للإرهاب لها مغزى بسبب الوصمة المرتبطة بها، ولكن تسمية دولة راعية للإرهاب مهمة بشكل خاص بالنسبة للخرطوم لأنها مرتبطة بإعفاء الديون بشكل مباشر. إذ يحظر القانون الأمريكي على الولايات المتحدة التصويت لصالح تخفيف عبء الديون بالنسبة للبلدان المدرجة في قائمة الدول الراعية للإرهاب، مما يمنع فعلياً أي تحرك يتعلق بإعفاء الديون (مثل المشاركة في عملية البنك الدولي لإعفاء ديون البلدان الفقيرة المثقلة بالديون).
فإلى جانب سوء الإدارة الجسيم للاقتصاد والذي مارسه النظام السوداني على مدى السنوات ال 28 الماضية، تشكل ديون السودان الضخمة عقبة رئيسية أمام النمو الاقتصادي. وقد تضخم هذا الدين إلى أكثر من 50 بليون دولار، مما جعل السودان ثاني أكثر البلدان المثقلة بالديون في أفريقيا. وقد طالب السودان منذ فترة طويلة بإعفاء الديون، خاصة من خلال عملية انفصال جنوب السودان والمفاوضات حول تقاسم الديون (تحمل السودان كامل الدين بموجب اتفاق دعا السودان جنوب السودان للاتصال معاً بالدائنين للضغط من أجل تخفيف الديون، والتي لم تكن بسبب الحرب الأهلية في جنوب السودان). وفي حين أن السودان قد حقق بعض النجاح مؤخراً في جذب منح وقروض من شركائه في الخليج، فإن الديون تعرقل أي إقراض جديد من مؤسسات التمويل الدولية، مما يغلق مصدر مهم للتمويل الممكن. مما يخلق نفوذاً حقيقياً للولايات المتحدة وغيرها ممن يتحكمون في صنع القرار داخل المؤسسات المالية الدولية.
وبما أن أهم حافز يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة، هو إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ودعمها لإعفاء الديون السودانية، فإنه ينبغي أن يرتبط فقط بوجود أدلة قوية على إصلاحات سودانية كبرى، مثل إجراء انتخابات مفتوحة وشفافة، وإبرام اتفاقات سلام شاملة مع المعارضة المسلحة المعنية والتوثق من احترامها، واعتماد دستور جديد يتُوصل إليه عبر عملية تشاركية شاملة. هذه الخطوات من المرجح أن تأتي في نهاية أية عملية إصلاح. علاوة على ذلك، فإن إزالة تسمية السودان كدولة راعية للإرهاب ينبغي أن تحدث فقط إذا تأكد أن السودان لا يدعم جهات إرهابية.
وعلى المدى الأقصر، هناك حوافز إضافية يمكن ربطها بمعايير للتقدم. إحدى الحوافز الممكنة يمكن أن تكون تعيين سفير أمريكي مكتمل في السودان، بما أن السفارة الأمريكية في الخرطوم يقودها حالياً قائم بالأعمال. وتسعى الحكومة السودانية لهذا التعيين لسفير مكتمل لما يضفيه من شرعية. إن تعيين سفير أمريكى لدى السودان سيكون تنازلاً متهاوداً من جانب الولايات المتحدة بينما يخدم فى الوقت نفسه مصالح الولايات المتحدة فى السودان، طالما أن التعليمات للسفير هي زيادة قدرة أميركا على إشراك الشعب السوداني خارج النظام.
وهناك حافز أميركي محتمل آخر للسودان يمكن أن يكون زيادة تعزيز التجارة، وذلك إذا رفعت العقوبات في محصلة خطة المسارات الخمسة. البعض في السودان يرسم صورة مفرطة التفاؤل للاستثمار الأجنبي الذي سوف يتدفق للبلاد إذا تمت إزالة العقوبات، ولكن في الواقع، العديد من المستثمرين يحذرون من السودان، لأنه لا يزال لديه بيئة فقيرة محفوفة بالمخاطر التي تهدد إقامة أعمال تجارية، وذلك بسبب الفساد الكبير، والمؤسسات الضعيفة أو المختطفة، وقلة الالتزام بسيادة القانون. وإذا أظهرت السلطات السودانية فعلاً التزاماً بإصلاح سيادة القانون، وهو عنصر أساسي من عناصر الإصلاح السياسي وإصلاح الحكم على نطاق أوسع، فإن الولايات المتحدة يمكنها أن تعزز بنشاط أكبر التجارة والاستثمار الثنائيين.
الخلاصة
هناك مبدآن حاسمان لإنجاح أي خط جديد من التعاون مع السودان.
أولاً، ينبغي لسياسة الولايات المتحدة أن تظل مرنة. لقد كان انعدام المرونة أحد إخفاقات نظام العقوبات الشاملة، بما أن تلك العقوبات كانت نادراً ما يتم تحديثها، ولم تكن هناك قدرة أو إرادة كافية لمعايرة العقوبات بالديناميات الراهنة في السودان. تحتاج الولايات المتحدة وشركاؤها لتحديث العقوبات بصورة منتظمة – إما بتشديدها أو تخفيفها – للتصدي للإجراءات السودانية (وليس مجرد الوعود). وينبغي لشركاء صنع السلام إقليمياً ودولياً أن يستفيدوا من المعلومات المتعلقة بأنماط الفساد وغسيل الأموال لدى مسؤولي النظام السوداني وشركائهم والتي قدمتها مبادرة "الحارس، The Sentry" (مبادرة أطلقها "مشروع كفاية" و"ليس تحت أعيننا" Not On Our Watch وشريكها التنفيذي، حريات)، من بين المبادرات الأخرى المماثلة. إن المعلومات التي تنتجها هذه البحوث المتخصصة للغاية يمكن أن تساعد في تنوير ودعم سياسات التصدي.
ثانياً، ينبغي للولايات المتحدة اتباع نهج متعدد الأطراف تجاه السودان، ولكن ليس على حساب العمل الفردي إذا لزم. وتكون برامج العقوبات في العادة أكثر فعالية إذا كانت أعداد أطرافها أكبر، ولكن إستراتيجية الضغوط المالية المذكورة أعلاه والتي تنطوي على شبكة للعقوبات وإجراءات لمكافحة غسيل الأموال، يمكن أن تطبقها الولايات المتحدة مباشرة وسوف يكون لها تأثير كبير. وينبغي للولايات المتحدة أن تسعى لدعم هذا النهج، وأن تطور في ذات الوقت أوسع تحالف متعدد الأطراف ممكن.
وفي حين أن مصير الخطة الخماسية والعقوبات الشاملة القائمة سوف يجذب الانتباه، إلا أن ذلك القرار بالنهاية يعد أقل أهمية من وضع خطة مفصلة لما سيأتي بعده – ووضع الوزن الدبلوماسي والسياسي للولايات المتحدة، بالتنسيق مع غيرها من قادة المجتمع الدولي الراغبين في العمل مع الولايات المتحدة، وراء أية خطة جديدة. وحتى لو تم تأخير اتخاذ قرار بشأن الخطة خماسية المسارات، فقد آن الأوان لإدارة ترامب، لكي تعمل بشكل وثيق مع الكونجرس، وتطور وتوضح المرحلة التالية لنهج السياسة الأمريكية إزاء السودان. وينبغي أن يتضمن هذا النهج استخدام أنواع الضغوط الحديثة التي يمكنها أن تولد رافعاً ذا مغزى يحفز التغيير الحقيقي والدائم في السودان، مع الجمع بين هذه الضغوط وحوافز لا يمكن تجاهلها.
ويتطلب التأثير على السلوك السوداني استخدام الأدوات الأكثر فعالية بحوزة المجتمع الدولي، دعماً لضغوط قواعد الشعب السوداني. وينبغي أن تضمن إدارة ترامب أن تكون الضغوط والحوافز المستخدمة مرتبطة بسياسة خارجية واضحة الأهداف، وبإصلاح يمكن التحقق منه. ومن شأن ذلك أن يعطي الحكومة الأمريكية أفضل فرصة لتدعم بفعالية ما ينبغي أن يكون جوهر أهدافها السياسية تجاه السودان.
يونيو 2017
(نص ورقة كفاية أدناه):
https://enoughproject.org/wp-content...inal_small.pdf
حريات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.