جبرون يؤكد أن الموقف الأخلاقي للمسلمين، اليوم من الحداثة يعدّ في نهاية التحليل أحد نتائج تعليم الدين في المدرسة العربية. ميدل ايست أونلاين بقلم: محمد الحمامصي تمزق ثقافي خطير ومكلف يحمل هذا الكتاب "تجديد التعليم الديني.. سؤال الرؤية والمنهج" ملفا بحثيا يتناول بالبحث والتحليل قضية تجديد التعليم الديني، وذلك من منظورات منهجية متنوعة، هذه المقصودات الجديدة، ويقترح عدداً من الإجابات والتوجيهات للمعنيين بممارسة التعليم الديني وتطويره، والمعنيين - بشكل عام - باستعادة المبادرة الحضارية، وتحقيق الذات الجماعية للعرب والمسلمين بين الجماعات الإنسانية. وقد شارك في الملف الذي أشرف عليه ونسقه د. امحمد جبرون أربعة عشر باحثا ومتخصصا عربيا من مشارب علمية مختلفة: د. عبدالعالي المتقي، د. رشيد الراضي، د. سعيد منتاق، د. المصدق الجليدي، د. يحيى بولحية، د. عبدالكريم غريب، د. عبدالواحد أولاد الفقيهي، د. عبدالسلام الجعماطي، د. مصطفى عطية جمعة، عبدالواحد العلمي، ياسين ساوير المنصوري، وفيصل البقالي. وقد توزعت أعمال هذا الملف الصادر عن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" بين عدد من المحاور، بعضها تاريخي تناول تجربة التعليم الديني في التاريخ العربي، وفي بعض التجارب الشرقية والغربية؛ وبعضها مفاهيمي وفلسفي سعى لتعريف موضوع التعليم الديني وخصوصيته؛ وبعضها تربوي تطرق لديداكتيك التعليم الديني، والأساليب البيداغوجية المناسبة لتدريس المادة الدينية. وتحقيقاً لقيمة الانفتاح، ورغبة في الإفادة من تجارب الآخر، تم دعم الملف بترجمتين نوعيتين، تتعلق الأولى بتجربة التعليم الديني في أوروبا، والثانية تتعلق بالمنظور الأميركي للتعليم الديني في العالم الإسلامي. وفي مقدمته للملف التي حملت عنوانا "تجديد التعليم الديني.. من المقصودات الكلاسيكية إلى المقصودات الحديثة قال د. امحمد جبرون "إن مسألة تجديد التعليم الديني، في السياقين العربي والإسلامي، من المسائل الحيوية المتفرعة عن إشكالية المعاصرة والتحديث التي فرضت نفسها على العقل العربي، منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي، فتحديات النهضة والتقدم المتصلة بتطوير العمران، وتدبير المعاش، والمتصلة، أيضاً، باستعادة التوازن الحضاري اقتضت اقتضاء ضرورة مراجعة نظم وغايات وأساليب التعليم الديني، وتوجيهها التوجيه الصحيح لخدمة أهداف النهضة والتقدم، وقد تمثلت هذه المراجعة في عدد من المبادرات الإصلاحية التي همت مؤسسات الأزهر، والزيتونة، والقرويين". وأضاف "لقد دلت ألفاظ الإصلاح والتجديد في علاقتها بالتعليم الديني، في طوره الأول، على ربط هذا التعليم باستحقاقات التقدم والنهضة، حيث أدخلت مجموعة من المواد الحديثة ضمن برامج الجامعات التقليدية، وأعيدت هيكلته، وأخرجته – أيضاً - من نزعته الشمولية التي ضيقت على كثير من مظاهر التعليم، ومواده التي تخرج عن معنى "الديني"، حيث تم التأسيس لما سمي ب: "التعليم الحديث والعصري"، الذي تعلق أكثر بأهداف وغايات التقدم المادي. غير أن هذه الدلالة في عبارة تجديد التعليم الديني، لم تعد مقصودة اليوم بعد التحولات الكبيرة التي مر بها العالم العربي، والاستقرار التنظيمي والهيكلي الذي عرفه، فتحديات أواخر القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين تمخضت عنها حاجات ومطالب جديدة، شكلت المقصودات الجديدة لعبارة تجديد التعليم الديني، وحجبت، في الآن نفسه، المقصود الأول. وأهم هذه التحديات: تحدي الهوية، وتحقيق الخصوصية الأخلاقية والدينية "تحقيق وصف الإسلامية" للمنجز المادي، ومجال المعاملات الإنسانية الحديثة، فالتعليم الديني - الصورة الموروثة - لم يعرف تجديدات على مستوى المحتوى، وحافظ على مقررات القدامى وآثارهم، ولم تمس إصلاحات القرنين السابقين هذا المحتوى، ووقفت عند الجوانب التنظيمية والهيكلية والمؤسساتية. وقد نجم عن هذا التحدي تمزق ثقافي خطير ومكلف، تجلى، بصورة أساسية، في اعتقاد جمهور عريض من المسلمين بلا شرعية المنجز النهضوي العربي على مستوى الدولة، والاقتصاد، والمجتمع، وإن كثيراً من المظاهر الواقعية لهذا المنجز، في نظرهم، تفتقد الشرعية الأخلاقية اللازمة". وأكد د. جبرون إن الموقف الأخلاقي للمسلمين، اليوم، من الحداثة، الموسوم بالتردد والحذر، يعدّ في نهاية التحليل أحد نتائج تعليم الدين في المدرسة العربية، وترجمة لمحتوياته التقليدية، التي تغذي التوتر وسوء التفاهم مع الحداثة والمعاصرة، ومن ثم لا مجال لتصويب الموقف الإسلامي من التحديث وتبعاته دون مراجعة جدية وعلمية للتعليم الديني مضموناً، وطرائق، وأساليب. وبناء عليه، فالمقصودات الجديدة من الحديث القوي عن تجديد التعليم الديني في العالم العربي هي غير المقصودات الكلاسيكية "عصر النهضة وما تلاه"، ويمكن إجمال أهم هذه المقصودات في عدد من النقط، من أبرزها: أولا: مفهوم التعليم الديني، وتمييزه عن غيره من أنواع التعليم، وخاصة بعد التطور والتشعب الذي عرفه هذا المجال. ثانيا: تجديد محتويات التعليم الديني، وإنتاج مضامين تعليمية - تعلُّمية قادرة على بناء الوجدان التوافقي مع الحداثة، وليس العكس، وهو ما يجعل من تجديد التعليم الديني أحد لوازم ومستلزمات الإصلاح الديني. ثالثا: تجديد طرق ووسائل تعليم الدين في المدرسة العربية، حتى يحقق أهدافه التربوية والأخلاقية، وهو ما يفسح المجال لبناء وتبني ديداكتيك حديثة في التعليم الديني. رابعا: الإجابة عن حاجات الإنسان الروحية المتجددة والماسة في الفترة المعاصرة، والتي تتخذ صوراً مختلفة، لا تتطابق مع الحاجات الإنسانية التقليدية.