في غابر الزمان وحينما كان المخبر الشرطي يسمى ب (البوليس السري) كان من يعين في هذا الجهاز يكون حريصا على الا يتعرف علي وظيفته حتى أقرب الناس اليه .. عم ابراهيم كان واحداً من أفراد ذلك الجهاز .. وفي أحد الأيام سقطت بطاقته المهنية في منزله فالتقطها أحد أبنائه وقرأ فحواها على والدته التي علمت بوظيفة زوجها الحقيقية وكانت تظن أنه يعمل سائقا في مصلحة حكومية ليس إلا ! ذهب عم ابراهيم بعدها وسلم بطاقته وطلب من قائده المباشر أن يجعله يلبس الزي الرسمي للشرطة لآن مهنته السرية قد إنكشف أمرها ولم يعدصالحاً للقيام بمهامها ! وهكذا هي قناة الجزيرة التي كانت تتظاهر بالحياد المهني رغم أن( العالمون ) ببواطن الأمور يدركون أن فكرة قيامها ناشئة من تنظيم الأخوان المسلمين وشارك في صياغتها الدكتور الراحل حسن الترابي و الشيخ يوسف القرضاوي بينما قامت الحكومة القطرية من خلف ستار بتحمل الأعباء المالية الباهظة التي جعلت منها شبكة تماثل دولة بحالها تظرا لمقدرتها على التغطية الواسعة و عدد مراسليها ومكاتبها في شتى أنحاء العالم ! لا يمكن الإنكار بالطبع بأن إنطلاقة الجزيرة بتلك الجرأة قدمثلت فتحاًجديدا ًفي النهج الإعلامي المواكب لعصر العولمة المفتوح الفضاءات والآفاق على كل العيون والمسامع بل هي التي فتحت شهية كل القنوات التي أتت بعدها مقتفية أثرها في استغلال المساحة المتاحة لها من المهنية في عالمنا العربي الذي تجير فيه الأنظمة على مختلف انماطها اجهزة الإعلام لتكون صوتها في الحق والباطل معاً ! في الأزمة الأخيرة سقطت بطاقة الجزيرة التي كانت تلعب بها دور المهنية المحايدة .. فتحولت من قناة كان الكثيرون يظنون أن قطر هي موئلها الجغرافي فقط و لاتملك من زمام قيادها شيئاً وليس لها ولاية مباشرة أو الحق على التحكم في خطها الإعلامي واستقلالية رايها مثلما البي بي سي بالنسبة لبريطانيا أوال س إن إن الأمريكية ..! ولكنها تحولت تدريجياً الى قناة قطرية بامتياز تتبنى وجهة النظر الرسمية بالقدر الذي كشف أكذوبة حيادها المهني ..وباتت تمضي على ذات نهج قناة العربية السعودية و سكاي نيوزالإماراتية في دعم مواقف الفريق المقابل للموقف القطري ! بالأمس خاطبت هذه القناة وكأنها دولة قائمة بذاتها وعبر مدير مكتبها بالخرطوم دولة رئيس وزرء السودان مباشرة محتجة على تصريحات وزير إعلامه التي ندد فيها من القاهرة بما اسماه الدور السلبي للجزيرة في إثارة الفتن والسعي لقلب نظام الحكم المصري عبر التحريض الممنهج.. ورغم أن التصريح في حد ذاته يحرج الحكومة السودانية التي أعلنت موقفا حياديا تجاه الأزمة السعودية القطرية وهذا امر متروك لها كحكومة للنظر في كيفية معالجة أثارتصريح وزيرها وهو من المؤلفة قلوبهم وليس إنقاذياً من ماركة أبو كفة .. إلا أن مخاطبة موظف في مكتب قناةالجزيرة يعتبرتجاوزاً واستخفافاً سافرين بل و وقاحة لا يجروء عليها حتى سفراء الدول المعتمدون لدى البلاد .. ! يحدث هذا في الوقت الذي يحتج فيه رئيس لجنة الإعلام بالمجلس الوطني الطيب مصطفى على تصريحات سفير السعودية بالخرطوم التي طالب فيها حكومة السودان بتوضيح موقفها من تلك الأزمة بمعنى إما أن تكون مع السعودية وإما مع قطر ولابد أن تتحرك بجلاء من مربع الرمادية التي تتمترس فيه حتى الآن ! ونقول لذلك البرلماني المعين حديثا وهو لا زال في شدة الغربال والذي طالب بطرد السفير السعودي ثأرا لكرامة السودان كما تراءى له الأمر .. ماذا سيقول عن تطاول سفارة دولة الجزيرة التي تتجرأ على مخاطبة النائب الأول ورئيس مجلس الوزراء دون تقيد بأدبيات البرتكولات التي قد تجيز لها مهنيا سؤال صاحب التصريح بصورة مباشرة لإستجلاء صحة تصريحاته في شأنها من عدمها مع إنها مسجلة بالصوت والصورة ..فهل سيطالب السيد النائب البرلماني المؤيد لقطر بإغلاق مكتب الجزيرة عقابا لها على هذا التطاول الذي يمثل تجاوزاً لحدود آداب الضيافة و عدم التفيد بتراتيبية التعاطي مع المسئؤلين لاسيما الكبار منهم ! لا يمكن بالطبع أن نؤيد مطلب إغلاق قناة الجزيرة .. كصوت إعلامي بغض النظر عن وجهتها التي تتبناها وهو مطلب كان تعجيزياً بامتياز تراخت عنه حتى ما تسميها القناة بدول الحصار على قطر ..لان في ذلك طعنا لظهرنا كإعلاميين نسعى لتوسيع مساحات الحرية في بلادنا ويجرحنا كثيرا تغول اية جهة على المتاح من هذه المساحة سواء بالمنع الذي يعانيه بعض الصحفيين أو البتر الليلي الذي ينتقص من حرية الرأي أو المصادرة التي تستهدف خراب الدور وإخراجها من سوق النشر بتقليم أظافر مقدرتها على المنافحة من أجل إحقاق الصالح العام ..ونقول للجزيرة طالما أن بطاقتها قد سقطت و تكشفت هويتها الإخوانية أكثر مما كانت عليه فليس من العيب أن تنتزع عباءة الحياد الزائفة الخيوط لتعود قطرية الهوى بالمال القطري وساعتها لا أحد سيلومها في تغريدها بوجهة نظر من تؤيده تقريظاً أو القدح في من تناوئه ذماً..! [email protected]