أجبر الخلاف بين القوى الثورية إلى اللجوء لمراجعات في المواقف السياسية المحكمة لقطع الطريق أمام انهيار الاتفاق الدستوري. وباتت الفرصة مواتية لإنهاء حالة الفراغ المستمرة عبر دمج طلبات الحركات المسلحة مع الحرية والتغيير لتقديم صورة كاملة لما يأمله الشارع السوداني. الخرطوم – أحرزت المفاوضات التي تجريها قوى الحرية والتغيير السودانية والجبهة الثورية، التي تضم بداخلها أهم الحركات المسلحة، تقدما ملحوظا بعد يومين من اللقاءات التي بدأت الجمعة- بعد انضمام الوسيط الأفريقي محمد حسن لبات إليها- ومن المتوقع أن تستمر الأحد. وقالت مصادر مطلعة حضرت الاجتماعات، ل"العرب"، إن الطرفين اتفقا على تشكيل لجنتين؛ الأولى ستكون مهمتها إعادة الهيكلة السياسية لقوى الحرية والتغيير من الداخل بما يسمح بتمثيل كافة الأطراف الموجودة داخلها باللجان التنسيقية والتفاوضية لتمثل المرجعية الأساسية للتواصل مع جميع الأطراف الخارجة عنها. واللجنة الثانية لمناقشة رؤية السلام التي طرحتها الجبهة الثورية تمهيدا للوصول إلى توافق بشأنها ومحاولة إلحاق بنودها بالإعلان الدستوري. وأضافت المصادر ذاتها أن قيادات الجبهة الثورية استمعوا إلى دوافع قوى الحرية والتغيير للإقدام على توقيع الاتفاق السياسي من دون الرجوع إليهم في وقت كانت هناك مشاورات مستمرة بين الطرفين منذ 12 يوليو الجاري للوصول إلى اتفاق سلام يفضي إلى مشاركة الحركات المسلحة في مؤسسات المرحلة الانتقالية. وأوضحت أن الاجتماعات توافقت على أن يكون هناك مراجعة لجملة من المواقف السياسية التي تسببت في زيادة الفجوة بين قوى الحرية والتغيير وانعكست على هشاشة الاتفاق السياسي الذي جرى توقيعه الأربعاء الماضي. ويضاف إيجاد حلول توافقية حول كيفية إدراج ما ستتوصل إليه تلك الاجتماعات كبنود ملحقة في الاتفاق الموقع مسبقا والإسراع في مناقشات الإعلان الدستوري على أسس توافقية من قبل المعارضة قبل المكوث مجددا على طاولة المفاوضات مع المجلس العسكري. ويشارك في مفاوضات أديس أبابا كلاَ من الحركة الشعبية لتحرير السودان فرع الشمال بقيادة مالك عقار وياسر عرمان وخميس جلاب ومبارك أردول، التي تقاتل في منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق، وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي والعدل المساواة بقيادة جبريل إبراهيم- وهما اللتان تقاتلان في إقليم دارفور- بحضور وفد من قوى الحرية والتغيير انضم إليها مؤخرا عمر الدقير رئيس حزب "المؤتمر السوداني" وعضو الوفد المفاوض مع المجلس العسكري. وكانت حركة العدل والمساواة قد أعلنت رفضها خطوة توقيع الاتفاق السياسي، في أعقاب الإعلان عنه مباشرة، وقالت إن الوثيقة لم تتضمن قضايا الحرب والسلام والنازحين واللاجئين والعدالة. واستنكرت إقدام بعض مكونات قوى الحرية والتغيير على تلك الخطوة بعيداَ عن الجبهة الثورية. ويرى مراقبون أن مشاركة الاتحاد الأفريقي في المفاوضات التي تجريها القوى المدنية والحركات المسلحة هدفها الأساسي تفويت الفرصة على حدوث انتكاسات للاتفاق السياسي الموقع والحفاظ على ما جاء فيه من بنود والإضافة إليها إن اقتضى الأمر ذلك، وأن قوى الثورة حرصت على هذا التواجد للسبب ذاته لإدراكها أن استمرار حالة الفراغ الحالية تصب في صالح الثورة المضادة التي تنتظر الفرصة المناسبة لاستعادة حضورها. مشاركة الاتحاد الأفريقي في المفاوضات التي تجريها القوى المدنية والحركات المسلحة هدفها الأساسي تفويت الفرصة على حدوث انتكاسات للاتفاق السياسي الموقع وقال محمد زكريا، الناطق باسم الجبهة الثورية، إن الاجتماعات تستهدف أولا إعادة الثقة بين الحركات المسلحة والقوى المدنية باعتبارهما شركاء في الثورة، وذلك يجري الآن من خلال الاستماع إلى دوافع الحرية والتغيير نحو توقيع الاتفاق السياسي وإبراز النقاط الإيجابية بداخله. وأضاف، في تصريحات ل"العرب"، أن اللقاءات تسعى إلى التعامل مع بعض التعقيدات التي أفرزها الاتفاق السياسي، والذي سيكون هناك صعوبة في تنفيذه من دون توافق القوى الثورية والشارع، وبالتالي سيكون هناك ملحق على الاتفاق السياسي يحمل رؤية مشتركة بين الحرية والتغيير والجبهة الثورية ووضع بنود مشتركة للإعلان الدستوري لتلافي ما حدث في السابق. وتواجه اجتماعات أديس أبابا عدة تحديات وتطرح جملة من التساؤلات حول ما إذا كان الاتفاق السياسي نهائيا وأصبح أمرا واقعا أم أن مسألة إدخال تعديلات عليه ستكون غير مقبولة من المجلس العسكري؟ وهل سيتم التعامل مع رؤية السلام التي من المتوقع أن تصل إليها الأطراف المجتمعة في أديس أبابا ضمن الإعلان الدستوري أم ستكون منفصلة عنه؟ وأفصح زكريا، ل"العرب"، عن أبرز بنود السلام التي تطرحها الجبهة الثورية، "أولها إعمال مبدأ التمييز الإيجابي للحركات المسلحة بشأن بعض النصوص الواردة في الاتفاق السياسي، كالنص الخاص بحظر ترشح المشاركين في هياكل المرحلة الانتقالية في الانتخابات التالية لها، ونطالب بأن يكون ذلك ساريا على الأطراف المدنية باعتبار أن مشاركة الحركات المسلحة في الفترة الانتقالية ستكون من أجل الإشراف على إنفاذ بنود اتفاق السلام في المناطق المتضررة من الحروب (دارفور والنيل الأزرق)". وتنص بنود السلام أيضا على الإسراع في إجراءات بناء الثقة بين الحركات المسلحة والمجلس العسكري تمهيدا لدخول قيادات تلك الحركات إلى الداخل، وذلك من خلال إسقاط البلاغات الكيدية ضدها من قبل نظام البشير وإعادة النظر في البلاغات الجنائية. ويعتبر زكريا أن مجمل هذه البلاغات القانونية سياسية بالأساس، ويستهدف إسقاطها مشاركة الجبهة الثورية في المرحلة الانتقالية من الداخل مع بقية المؤسسات والكيانات السياسية. وأوضح أن أحد بنود السلام يحتوي على ضرورة إرجاء تشكيل هياكل المجلس السيادي والتشريعي والتنفيذي إلى ما بعد اتفاق السلام. وترى الحركات المسلحة أن فترة الشهرين كافية للوصول إلى هذا الاتفاق، وبالتالي يستمر الوضع على ما هو عليه وإبقاء سلطة المجلس العسكري وإن اقتضت الضرورة تشكيل حكومة تصريف أعمال لحين توقيع الاتفاق الذي ستنتقل الحركات المسلحة بموجبه من الخارج إلى الداخل. غير أن مصادر بالحرية والتغيير أكدت، ل"العرب"، رفضها هذا المقترح ومعتبرة إياه تمديدا لتواجد المجلس العسكري ويشكل إرباكا للمرحلة الانتقالية بشكل عام، موضحة أن الاجتماعات التي بدأت في ساعة مبكرة أمس السبت، تناقش ذلك البند تحديدا ومن المتوقع أن تكون هناك حلول توافقية بشأنه عبر إسناد تلك المهمة إلى الحكومة الانتقالية المشكلة لإنجاز ملف السلام بشكل كامل خلال 6 أشهر. وقال حيدر إبراهيم، رئيس مركز الدراسات السودانية بالقاهرة، إن هناك روحا إيجابية تسود اجتماعات أديس أبابا للتوافق على تلك النقاط بالإضافة إلى إدراج ملاحظات قوى الإجماع الوطني والحزب الشيوعي ضمن الوثيقة التي ستخرج بها تلك المفاوضات وسيتم الإعلان عنها عند التوافق بشأنها. وأضاف، ل"العرب"، "من المتوقع أن يصل المجتمعون إلى ما يمكن تسميته بالملحق السياسي سيتم عرضه بوساطة الاتحاد الأفريقي على المجلس العسكري تمهيدا لدمجه بالاتفاق السياسي، من دون أن يمس ذلك بالنقاط الأساسية التي قام عليها الاتفاق المعلن عنه".