أين الوثيقة الدستورية النهائية التي أوصلت حمدوك لرئاسة مجلس الوزراء؟ لماذا لم يتم نشرها على الملأ أو في الجريدة الرسمية أو موقع (قوى الحرية والتغيير) على الانترنت. الجميع خُدِع بالوثيقة الدستورية الموقعة بالأحرف الأولى والتي تضمنت المادة سبعة وعشرين المُطَمْئِّنَةْ التي تقول إن المجلس التشريعي منوط به اختيار رئيس القضاء، وأنه (الى حين تشكيل المجلس التشريعي تؤول كل سلطات التشريع الى مجلسي السيادة والوزراء، وتُتَّخَذْ القرارات بينهما في اجتماع مشترك بالتوافق أو بأغلبية ثلثي الأعضاء). كان العشم يومها أن أغلبية مجلس الوزراء، والستة اعضاء في السيادي، ستضمن اختيار العناصر النزيهة شاكلة مولانا عبد القادر محمد احمد لرئاسة القضاء والاستاذ محمد الحافظ محمود كنائب عام. رفض العسكر قبول المُرَشَحينْ دون الإفصاح عن الأسباب. والعالمون بالبواطن يقولون إن العسكر لا يتحركون من فراغ، فوثيقة (الاحرف الأولى) الدستورية تم تجاوزها في اجتماعات سرية مغلقة. والوثيقة النهائية (السرية) التي تم التوقيع عليها، لا تتضمن أية شراكة بين مجلسي السيادة والوزراء في امر تعيين رئيس القضاء أو النائب العام. وثيقة 17 اغسطس النهائية الموقعة، والتي لا تزال طي الكتمان، تنص على أنه (الى حين تكوين مجلس القضاء العالي، يعين مجلس السيادة رئيس القضاء)، و(الى حين إعادة تشكيل مجلس النيابة الأعلى، يعين مجلس السيادة النائب العام). لذا لا غرابة أن رفض العسكر قبول مرشحي (الحرية والتغيير)، ولا غرابة أن تمت قبل أيام ترقية عشرات من قضاة الاستئناف ليملأوا مقاعد المحكمة العليا. ولا غرابة أن كشف نبيل أديب، متأخرا جدا، أنه تم تهميشه، ولا غرابة أن من ينطق بما لا يفقه، ساطع الحاج المعجب حد الوله بالترابي، في معية قانونية متخصصة في حقوق المعاقين (ابتسام السنهوري)، نفذا بنجاح، وثيقةْ دستوريةْ معيبة، يعرفان تماما أنها عاجزة عن إرساء أية تعيينات قضائية أو قانونية خلال الفترة الانتقالية، وأنها سوف لن تحاسب أيا من المتورطين في الفساد الذي استطال لثلاثين عاماً. المخزي أنه كان هناك من يرشح النكرتين ساطع الحاج وابتسام السنهوري لمناصب عليا في إدارة حمدوك الجديدة، ربما عطفا على اختيار مراهق الموبايل محمد الفكي سليمان في مجلس السيادة. ثورة الكنداكات والشباب مختطفة حاليا من هؤلاء الأقزام وغالبية عناصر الحرية والتغيير المشبوهة. الجميع تحت رحمة العسكر من جديد. كل المطلوب الآن خلق اغلبية في المجلس السيادي، قد يوفرها حميدتي بشراء ذمم أمثال (مدمن الموبايل)، الذي يرى أولوية مراجعة رسائل (الواتس آب) فوق أهمية اجتماع مجلس السيادة. ثورة ديسمبر لم تعد ثورة، بل مسرح عبث، جميع عناصره تُشْترى وتباعْ في سوق النخاسة السياسية الدولية والمحلية. يبقى السؤال: هل قرار أمريكا المفاجئ منع صلاح قوش دخول أراضيها يعني نفض الغبار عن سيناريو (الهبوط الناعم)، ليتم تنفيذه بفريق عمل جديد يرأسه الفاتح عروة بديلا عن قوش، ولوبي أعمال قوامه مليارديرات بثقل أسامة داوود ووجدي ميرغني وأنيس حجار ومحمد إبراهيم، ليرعى الهبوط الناعم ويوصله لغاياته؟ ثورات الربيع العربي من قبل، صنعتها المخابرات العالمية، وضعت السيناريو، واختارت الطاقم الشبابي بعناية، بعد دورات تدريبية، لتنفيذ المطلوب. وثورة السودان لا تختلف. خلعت البشير ويجب أن تمد يدها للعناصر الإسلامية المعتدلة (غازي صلاح الدين والصادق المهدي)، وأن لا تقصي شلة (المغفلين النافعين) المنتفعين من كوادر (البعث العربي الاشتراكي، الناصريين، القوميين العرب، جميع كوادر الاتحاديين، وجواسيس المجتمع المدني)، وأن تعطي السبق والريادة للشباب أمثال الأصم وخالد سلك. الرعب الآن سيد الموقف. لاحظ تصريحات علي الحاج المرتجفة الباكية وتهديداته بإسقاط حكومة ما زالت في علم الغيب. حتى أراجوزات (المجلس العسكري الانتقالي)، اللذين كانوا يسبحون بحمد قوش ويحصون فضله، لم يتوقعوا أو يتحسبوا لاختفاء قوش من المشهد. وستتوالى الهجمات من مختلف الجهات لانتزاع ما يمكن انتزاعه. ثورة الكنداكات والشباب كانت في خطر من قبل، لأن من يفاوض نيابة عنهم، هو الناصري، البعثي، الرجعي الطائفي بشقيه الختمي والأنصاري وجواسيس المجتمع المدني. جميعهم ينفذون أجندة خارجية ويغلبون المصالح الذاتية على الصالح العام. الثورة الآن على شفا الانهيار لأنه ليس هناك من يحاسب لماذا لم تتضمن الوثيقة الدستورية تحديدا واضحا لكيفية اختيار رئيس القضاة. وليس هناك من يعد العدة لكيفية الخروج من هذا المنزلق الخطير. ولأن السكوت عن مبدأ فصل الدين عن الدولة وتجاهل الحديث عن الدولة المدنية، يعني اجهاض أي مفاوضات سلام محتملة بين الحلو وعبد الواحد نور العلمانيين وبين حكومة حمدوك. سيستغل العسكر فوضى الانشغال بالمحاصصات الوزارية الوشيكة لاختيار رئيس القضاة والنائب العام، ليسدل الستار بذلك على صفحة (الإنقاذ) الملأى بالفساد والقتل والاستبداد. وذلك لب المعركة الحالية المشتعلة بين العسكر وثوار السودان. فما يهم البشير، حميدتي، نافع علي نافع، علي عثمان، طارق حمزة، احمد هارون وصلاح قوش هو القتل والمجازر التي نفذوها في اصقاع السودان. وما يهم علي كرتي، البشير، حميدتي، المتعافي، وداد بابكر، اخوان البشير، الطيب مصطفى، مأمون حميدة، عبد الباسط حمزة، عبد العزيز عثمان، عوض الجاز وعشرات القطط السمان الآخرين، مليارات الدولارات التي تم نهبها. وبغير السلطة القضائية والنائب العام المستقلين سوف لن تُنْصَبْ المشانق ولن تمتلئ السجون أو تُسْتَردْ الأموال المسروقة. أضف للقائمة الأخيرة أسماء فريق أمريكا الجديد في السودان، بقيادة الفاتح عروة وعضوية أسامة داؤود ووجدي ميرغني وحجار، لتكتمل لوحة سرقة الثورة وتفريغها من المساءلة التي كانت ستطال الجميع وفق مبدأ من أين لك هذا؟ مالك جعفر