يحكى أن عمر بن الخطاب كان يتجول بين الأحياء يتفقد أحوال الناس , وأحوالهم المعيشية , وفي إحدى المرات وجد امرأة تضع قدرا على النار توهم أطفالها أنها تطبخ لهم طعاما . ألقى عليها السلام وسألها عما تطبخه , وبعد أن أجابته نظر في القدر فلم يجد فيه أيا من الطعام وإنما وجد فيه بعض الحصى , فأحس بفقر حالها وأنها توهم أطفالها بإعداد الطعام لهم لتهدئ من جوعهم , فتحنن عليها وأكرمها . ومنذ تلك الحادثة أصبح الناس يطلقون على كل عمل لا جدوى تذكر منه ( طبخة حصى ) طبخة الحصى هذه تذكرنا بما يجري اليوم بين واشنطن وحلفائها من جهة وبين إيران وحلفائها من أنظمة ومليشيات منتشرة في المنطقة من جهة أخرى . ومن يتابع أخبار تلك الأطراف يتبادر إلى ذهنه أن حربا طاحنة تقف على شفير الهاوية , وستجلب معها دمارا شاملا قد تغير وجه المنطقة وتوجهاتها السياسية , وما يجري بين الكيان الصهيوني وبين تلك الأطراف إلا جزءا يسيرا محسوبا جدا بدقة وبتطوراته ونتائجه وسير عملياته وبالخطوط التي يجب عدم تجاوزها . إن الجيش الصهيوني بتشكيلاته المختلفة يسرح ويمرح في المنطقة من سوريا إلى العراق مرورا بلبنان , يقتل ويدمر ويزرع الرعب والخوف دون رد أو رادع متوازن يتناسب مع العدوان . وما قامت به دولة الإحتلال مؤخرا بقصف بعض المواقع في الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانيةبيروت , معقل حزب الله إلا لتبرهن على قدرتها بالوصول إلى أبعد هدف تشعر أنه يهدد أمنها . لكن رد حزب الله على الإعتداء لم يتأخر كثيرا بقصفه بعض المواقع الحدودية برشقات من الصواريخ , أشعلت المنطقة لكنها لم تصل حدود التفجير ويجعلها حربا تحريرية شاملة طبقا لحساباته التي اختبرها سابقا . أعقاب حرب 2006 بين الكيان الصهيوني وحزب الله , صرح السيد حسن نصرالله الأمين العام للحزب قائلا : أنه لو كان يدري مقدار حجم الخسائر التي سيتضرر منها لبنان لما أقدم على خطوة خطف الجنود الصهاينة ,رغم الأضرار المادية والبشرية والنفسية التي مني بها الكيان الصهيوني . أما اليوم وبعد مرور 13 سنة على تلك الحرب , وبعد تطور الترسانة الصاروخية التي يمتلكها حزب الله عددا وتقنية , لن تدفع الحزب إلى حرب شاملة مهما كان الدعم الإيراني سخيا , إلا في حالة نشوب مواجهة شرسة بين واشنطن وطهران تهدد سلطة ولاية الفقيه , علما أن إيران لم تعد قادرة على تقديم الدعم الكبير لا لحزب الله ولا لغيره لما تعاني منه من انخفاض مداخيلها المادية وتزايد البطالة وتدهور الإقتصاد وتراجع قيمة عملتها نتيجة الحصار المضروب عليها , كما تخشى ردة فعل المجتمع الدولي ضدها , خاصة الولاياتالمتحدة . إن القنابل الصوتية والتهديدات والمناوشات التي لا تجدي نفعا تضر كثيرا بالقضايا القومية خاصة قضية الشعب الفلسطيني وسكان الأراضي العربية المحتلة الأخرى في كل من سورياولبنان , كما تؤدي إلى ترسيخ اليأس في نفوس العرب وفقدان الثقة بإمكانية المواجهة وكسر شوكة الكيان العنصري وتحقيق النصر واستعادة الأراضي العربية المحتلة , خاصة إذا أدت تلك المواجهات المحدودة إلى تأكيد ارتباط تلك المنظمات التي يمثلها حزب الله اللبناني والمليشيات الأخرى العراقية وغيرها بدولة معتدية على العرب وطامعة في التوسع والإحتلال ومحتلة فعلا لبعض المناطق مثل طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى هي إيران , وتأكيدها على ارتباطها بدولة ولاية الفقيه , ضاربة عرض الحائط مصالح العرب وعدم التزامها بقدسية حدود الوطن العربي , واعتبار قضايا العرب هي قضايا ثانوية مقارنة بقضايا الإلتزام الديني , ولهذا يغيب عن تلك المنظمات الرؤيا المتكاملة والرنامج التحريري , وخطط التنمية وتطلعات الشعب , متعرضة بذلك إلى خسارة الدعم الجماهيري العربي من التفاعل معها , لأنها تمثل أهداف دولة أجنبية معادية وليس أماني الجماهير العربية وأحلامها . إننا الآن أمام مشهد مربك , فبعضنا ينخدع بتصريحات ومواقف نارية يشعرنا أننا اقتربنا من حدود فلسطينالمحتلة واننا على وشك دخولها فاتحين محررين , وبعضنا الآخر يردعه الإلتزام الطائفي المذهبي من التفاعل مع هذه الفصائل ويتهمها بشتى المواصفات غير اللائقة وبعيدة عن المنطق والتبصر ويتجاوز الحدود ليعلن عداءه لها , أما المنطق المتوازن السليم هوالوقوف إلى جانب أي كان يسعى قولا وعملا لوحدة العرب ومنعتهم وتقدمهم وبناء منظومة عربية ذات شأن على الصعيد الدولي . إننا نستطيع أن نزعم أن الأمور التي تبدو حادة وخطيرة بين ألأ طراف المتنازعة لن تتجاوز حافة الهاوية حتى لا تقع في أتون حرب شاملة , ليس بسبب توازن الرعب ووسائله الذي يمتلكه الطرفان فحسب , وإنما بسبب عدم وجود نوايا حقيقية لإيصال الأمور إلى هذا الحد , ولهذا يصح القول فيما يجري أنه طبخة حصى , والجوع يكاد يقتلنا .