حصد السودان مؤازرة لافتة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ال74، من أجل رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي عقوبة أثرت عميقاً في اقتصاد البلاد وسمعتها السياسية. وأجرى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لقاءات مكثفة على هامش اجتماعات الأممالمتحدةبنيويورك مع مسؤولين دوليين وزعماء، من بينهم مساعد الأمين العام لدعم بناء السلام، أوسكار فرنانديز تارانكو ومدير البنك الدولي ديڤد مالباس ورئيس برنامج الغذاء العالمي اخيم شتاينر. كما التقى حمدوك أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان، وكذلك الرئيس الرواندي بول كيجامي ورئيسة وزراء مملكة النرويج ارنا سولبرك. وتأمل حكومة حمدوك في الاستفادة من زخم ثورة ديسمبر/ كانون الأول لرفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب المستمر منذ 26 سنة. وبحسب القيادي في قوى الحرية والتغيير عادل خلف الله، فإن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش منح مساعي الخرطوم القوة اللازمة وهو يوزع قبل انعقاد الجمعية العامة بنيويورك مقترحاً لخروج السودان من القائمة السوداء. وينبه إلى أن إجراء غوتيريش نادر الحدوث، وربما كان ناجماً عن اعتراف الأممالمتحدة في وقت سابق بأن ثورة السودانيين تعد أعظم حراك سلمي شهدته الإنسانية أخيراً. نظرة متفائلة ويقول خلف الله للجزيرة نت، إن مسارعة زعماء قطر ومصر لتأييد موقف غوتيريش، مؤشر بحدوث إجماع لرفع السودان من قائمة الإرهاب، مضيفاً: "مؤشرات رفع العقوبات واضحة بالنظر لنشاط حمدوك الدبلوماسي". وقال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أثناء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء الماضي: "في هذه المناسبة أدعو الإدارة الأميركية إلى شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب"، وجدد وقوف بلاده بجانب السودان وطالب المجتمع الدولي بدعمه. كما أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال كلمته ضرورة رفع السودان من قائمة الإرهاب نظراً للتحول الإيجابي الذي حصل أخيراً. وبالرغم من أن العقوبة أحادية أميركية لكنها تحولت إلى عقوبة دولية بسبب سطوة الولاياتالمتحدة. تحرك دبلوماسي ويرى الباحث والمحلل السياسي الدكتور الصادق أبو نفيسة في حديث للجزيرة نت، أن الثورة السودانية حظيت بترحيب كل العالم الذي أثنى على مبادئها القائمة على الحرية والسلام والعدالة ما يمهد لرفع أي عقوبات. ويشير إلى أن رفع الخرطوم من قائمة الإرهاب يفتح الباب أمام كل دول العالم لمساعدتها مثلما تعهد أمير قطر بالدفع في هذا الاتجاه ودعم حكومة السودان اقتصادياً. ويقول أبو نفيسة إنه في ظل حكومة جادة بالسودان ومجتمع عربي وإقليمي ودولي مساند، فإن رفع العقوبات سيساعد في فتح الأبواب ليتحرك السودان في كل الاتجاهات. ويضيف أن تردي الدبلوماسية السودانية خلال النظام السابق حرم البلاد من أي دعم خارجي عدا دعم بعض المحاور، لكن الدبلوماسية الآن يمكنها لعب دور لدعم السودان اقتصادياً وسياسياً طالما هناك حكومة تراعي متطلبات حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب. مكاسب اقتصادية ويؤكد عادل خلف الله وهو أيضاً رئيس اللجنة الاقتصادية في حزب البعث العربي الاشتراكي، أن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب تترتب عليه إيجابيات كثيرة في مقدمتها معالجة الدَّين الخارجي. ويقسّم الدين الخارجي للسودان إلى ديون سيادية يمكن أن تجدول من قبل صندوق النقد الدولي ومجموعة نادي باريس وديون لدول على السودان يمكن أن تقسط بشكل مريح. ويقول إن الدبلوماسية السودانية إذا عملت بشكل جيد بعد الثورة يمكن إسقاط الدين السيادي وبرمجة سداد ديون الدول، ما يفتح الفرص لانطلاق الاقتصاد عبر استقبال منح وقروض واستثمارات. وينبه إلى أنه ووفقاً لتقارير بنك السودان المركزي والبنك الدولي فإن أصل الدين 12.4 مليار دولار لكنه وصل بتراكم الفوائد إلى 57 مليار دولار جراء تلكؤ النظام السابق في السداد. ويشير إلى دراسة أجراها أثبتت أنه كان بالإمكان الوفاء بالديون خلال فترة ازدهار إنتاج النفط بين عامي 1994 و2012 ووصول إنتاجه إلى 480 ألف برميل يومياً. فك الحصار ويقول خلف الله إنه حال رفع العقوبات المترتبة عن قائمة الإرهاب فإنه سيكون متاحاً للسودان التعامل مع الجهاز المصرفي الدولي الذي توجد بورصته في نيويورك دون وسطاء يتولون الآن شراء حوالي 40% من المشتريات الحكومية. ورفعت واشنطن، في أكتوبر/تشرين الأول 2017 عقوبات اقتصادية وحظراً تجارياً ظل مفروضاً على السودان منذ 1997، لكنها تستمر منذ 1993 بإدراج اسمه في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو ما يعيق الاستفادة من رفع العقوبات. ويشير إلى أن قائمة الإرهاب عطلت الصناعة والزراعة وقطاع الطاقة والنواقل الوطنية متمثلة في الخطوط الجوية السودانية "سودانير" والخطوط البحرية والنقل النهري، لكن برفع العقوبات يمكن انتعاش جميع هذه القطاعات بتوفير التمويل والتقنيات. وتبعاً لذلك يمكن معالجة ارتفاع تكلفة المنتج الوطني الذي تسبب في خروج السلع الوطنية من المنافسة العالمية فضلاً عن قلة الإنتاج وتفاقم عجز موازنة الدولة إلى نحو سبعة مليارات دولار. ورفع السودان من قائمة الإرهاب كفيل طبقاً لخلف الله بفك عزلة سياسية واقتصادية تأثر بها السودانيون أكثر من النظام البائد الذي أدخل بلادهم في نفق التناقضات السياسية. أمل قريب ورهن وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفد هيل في تصريحات الشهر الماضي رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب بتحوله إلى حكومة مدنية وتحقيق السلام والاستجابة لهواجس أميركية تتعلق بمكافحة الإرهاب. لكن حمدوك بدا متفائلاً هذا الشهر وهو يعلن عن إجراء تفاهمات مع واشنطن لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لافتاً إلى إحراز تقدم كبير في سبيل ذلك. ووفقاً للصادق أبو نفيسة فإن رفع العقوبات يلبي حاجة السودان لإنعاش موارده الضخمة وتنمية صادراته بصرف النظر عن الاحتياطيات النفطية، مؤكداً أن للسودان موارد تحتاجها البشرية. ويقول إن فتح باب الاستثمار لاستغلال الموارد والاستفادة من الخبراء السودانيين سيخلق اقتصاداً قائما على الإنتاج ويعزز قيمة العملة الوطنية ويوقف تدهورها، وبالتالي ينخفض التضخم وتستقر أسعار السلع والخدمات. الجزيرة