وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنشاء مفوضية مكافحة الفساد من أجل سودان نزيه وديمقراطية مستدامة (1-3)
عبد الرحيم خلف الله محمد علي
نشر في الراكوبة يوم 11 - 10 - 2019

الفساد وباء غادر تترتب عليه الكثير من الآثار الضارة في المجتمعات، فهو كما ورد في مقدمة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد United Nations Convention Against Corruption يقوِّض الديمقراطية وسيادة حكم القانوني ويؤدي إلى إنتهاك حقوق الإنسان وتشويه الأسواق، وبالرغم من أن ظاهرة الفساد توجد في جميع الدول إلاَّ أن آثارها تكون أكثر تدميراً في الدول النامية حيث يضر الفساد بالفقراء نتيجة هدر الأموال المعدة للتنمية وبالتالي تقويض قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية، وكذلك يؤُدي الفساد إلى التحيز والظلم ويثبط الإستثمار الأجنبي والمعونة الأجنبية ويعتبر الفساد عنصر رئيس في تدهور الاقتصاد وعقبة كبرى في طريق التنمية وتخفيض حدة الفقر. لاشك أن المجتمع السوداني عانى من كل آثار وويلات الفساد المدمرة المذكورة أعلاه جراء الفساد المتفشي إِبان العقود التي جثم خلالها النظام البائد على سدة الحكم حيث لم تكن لذلك النظام رغبة صادقة وإرادة سياسية ماضية في مكافحة الفساد، وذلك رغم الحملات والمناورات التي كان يجريها النظام البائد بين الفينة والأخرى لإمتصاص الرفض والغضب المتراكم لدى الشعب ضد تفشي الفساد، وعندما فاض الكيل لم تجد تلك المحاولات نفعاً فخرجت الملايين عاقدة العزم بألاَّ تراجع قبل إقتلاع ذلك النظام وتشييعه إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه.
إمتثالاً لتطلعات الثورة وسعياً لإنفاذ تدابير مكافحة الفساد وإستعادة الأموال المنهوبة حسبما ورد في ديباجة الوثيقة الدستورية ، فقد نصت المادة 39 (4) (ب) من الوثيقة الدستورية على تشكيل مفوضية مكافحة الفساد وإسترداد الأموال العامة و التي ينعقد لمجلس الوزراء تعيين رئيسها وأعضائها، وهي مثل غيرها من المفوضيات الأخرى المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية تتمتع بالاستقلالية ويرشح لها شخصيات من الخبراء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة ويتم تشكيلها وتحديد إختصاصاتها وفق القانون الذي يتم إنشاؤُها بموجبه .أما من حيث التسمية التي وضعتها الوثيقة الدستورية لهذه المفوضية وهي "مفوضية مكافحة الفساد وإسترداد الأموال العام" ، فمن الأوفق أن تقتصر التسمية على "مفوضية مكافحة الفساد" ، ذلك أن نطاق عبارة "مكافحة الفساد" يشمل تدابير كثيرة من بينها إسترداد العائدات المتأتية من جرائم الفساد proceeds of crime و بالتالي فأنه لا معنى لاقتران أسم المفوضية بعبارة "و استرداد الأموال العامة ". كذلك ما يعيب التسمية الواردة بالوثيقة أن الأموال التي سيكون من إختصاص المفوضية إستردادها لا تقتصر فقط على المال العام بل يشمل الاسترداد أموال القطاع الخاص متى كانت متحصلة نتيجة إرتكاب جريمة من جرائم الفساد. كذلك لم يحالف التوفيق في تقديري عبارة " الأموال المنهوبة" الواردة في ديباجة الوثيقة الدستورية ، ذلك أن الأموال المنهوبة في السياق القانوني تقتصر على الأموال المتأتية جراء إرتكاب جريمة النهب المنصوص عليها في المادة 175 من القانوني الجنائي وهي جريمة السرقة أو السرقة الحدية مع إستعمال القوة الجنائية أو التهديد بها ، و بالطبع فان الأموال التي قصدتها الديباجة تشمل كل الأموال المتأتية جراء ارتكاب أي جريمة من جرائم الفساد و ليس فقط الأموال المتحصلة عن جريمة النهب.
فضلا عن الاستجابة لتطلعات الثورة كما سلف، فإن إنشاء هذه المفوضية يأتي أيضا امتثالا لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المشار اليها أعلاه و التي وقع عليها السودان بتاريخ 14 يناير 2005م وصادق عليها بتاريخ 5 سبتمبر 2014م ، و غني عن القول أن التأخير في المصادقة على تلك الاتفاقية بعد توقيعها يجسد انعدام الرغبة وإفتقار الإرادة السياسية لدى النظام البائد في مكافحة الفساد . كذلك يجسد عدم الرغبة في مكافحة الفساد أن النظام البائد لم يقم مباشرة بعد مصادقته على الاتفاقية بإنشاء هيئة/هيئات لمكافحة الفساد حسبما تنص عليه تلك الإتفاقية ، و من المفارقات أن النظام البائد كان قد أعلن في 2 يناير 2012 عن آلية لمكافحة الفساد برئاسة د. الطيب أبو قناية ، وقد نص أمر تشكيلها على أن يكون مقرها بالقصر الجمهوري وكذلك الأمر بالنسبة لمرجعيتها الأمر الذي يجردها من أية استقلالية فضلا عن عدم انشائها بموجب قانون ، لذلك لم يكن لها أثر في مكافحة الفساد المستشري و عليه فقد تم الغاؤها بعد مدة قصيرة من انشائها !!
تجدر الاشارة أن عدم رغبة النظام البائد في مكافحة الفساد تتجاوز انشاء مفوضية لمكافحته الى الحماية المقننة للفساد بالتوسع في منح الحصانات القضائية و التي تعيق ملاحقة و معاقبة المفسدين ، و من المفارقات أن الرئيس المخلوع رغم ما يبديه في لقاءاته الجماهيرية من تشنجات و غيرة مفتعلة حول تطبيق الشريعة الإسلامية الا أن ممارسته العملية للسلطة تفضح زيف تلك الادعاءات،و من أمثلة ذلك أن المجلس الوطني أجاز بتاريخ 2 يناير 2016م "قانون المفوضية القومية للشفافية والإستقامة ومكافحة الفساد" إلاّ أن الرئيس المخلوع رفض الموافقة على ذلك القانون معترضاً على المادة 25 منه التي نصت على ألا يتمتع أي شخص بأي حصانة في أي إجراءات تحقيق تتخذ بواسطة المفوضية ، فإضطرت الهيئة التشريعية بغرفتيها آنذاك للإنصياع لرغبة الرئيس المخلوع فقامت بتاريخ 22 يونيو 2016م بتعديل تلك المادة الأمر الذي أفرغها من مضمونها ، وبالرغم من أن ذلك القانون تم الموافقة عليه بتاريخ 30/6/2016م من قبل الرئيس المخلوع بعد تعديل تلك المادة بالابقاء على الحصانات القضائية كما هي ، لكن لم يتم انشاء المفوضية، بل لم يتذكرها النظام البائد الا بعد فوات الأوان اذ حاول النظام عبثاً بتاريخ 6 يناير 2019م إجترار سيرة تلك المفوضية علها تجدي في كبح جماح الجماهير الثائرة وهتافها الداوي "سلمية … سلمية ضد الحرامية" ، حيث أعلن الناطق الرسمي باسم النظام البائد أن اللجنة التنسيقية العليا لمتابعة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني في إجتماعها برئاسة المخلوع بتاريخ 6 يناير 2019 وافقت على تشكيل مفوضية مكافحة الفساد برئاسة المراجع العام وعضوية رئيس نيابة الثراء الحرام ورئيس ديوان الحسبة والمظالم ورئيس ديوان العدالة القومية ورئيس اللجنة المختصة بالبرلمان ، ويصدق هنا القول "تمخض الجبل فولد فأراً" ذلك أن الذين تشكلت منهم المفوضية جميعهم يتبعون لجهات حكومية تخضع لأحكام قانون المفوضية الأمر الذي يفقد المفوضية إستقلاليتها ، تلك الاستقلالية المفترضة و التي لم ينص عليها أصلاً قانون تلك المفوضية في مخالفة صريحة لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد!!!
كما سلفت الإشارة فأن السودان صادق على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بتاريخ 5 سبتمبر 2014م والتي تكمن أغراضها في ترويج وتدعيم التدابير التي ترمي إلى منع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجع وكذلك ترويج وتيسير ودعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية في مجال منع ومكافحة الفسادأن أأن
، بما في ذلك مجال إسترداد الموجودات asset recovery وأيضا تعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشؤون والممتلكات العامة ، وعليه فإن قانون مفوضية مكافحة الفساد وإسترداد الأموال العامة التي نصت على إنشائها الوثيقة الدستورية ، سواء أكان ذلك بإلغاء القانون الحالي وإصدار قانون جديد أو بإجراء التعديلات اللازمة على القانون الحالي ، يجب أن يأتي ناجًعا وفعالاً في مكافحة الفساد وملبياً لأغراض إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وعلى رأس تلك الأغراض التدابير الوقائية اللازمة لمنع الفساد ابتداءا وذلك بالنص على وضع استراتيجية وطنية تمكن من صياغة و تنفيذ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد و تعزز مشاركة المجتمع في مكافحة الفساد وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشؤون والممتلكات العامة والنزاهة والشفافية والمساءلة ،و ذلك من أجل منع هدر المال العام ولإعادة وتعزيز الثقة لدى المستثمرين والمانحين الأجانب الذين يعوَّل عليهم كثيراً في المرحلة القادمة.
بحكم المصادقة على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فقد أصبح السودان عضواً في مؤتمر الدول الأطراف في إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ، وقد أنشأ هذا المؤتمر آلية لإستعراض ومراجعة تنفيذ تلك الإتفاقية من قبل الدول الأطراف ومقر الأمانة الخاصة بهذه الآلية هو مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة – فيينا ، وهذه المراجعة هي عملية مستمرة تدريجية الغرض منها مساعدة الدول الأطراف على تنفيذ الإتفاقية بكاملها ، ووفقاً للقرار 3/1 لمؤتمر الدول الأطراف في إتفاقية الأمم المتحد ة لمكافحة الفساد فقد تقرر أن تتألف كل مرحلة إستعراضية من دورتين إستعراضيتين مدة كل منهما خمس سنوات ، يستعرض في كل سنة من السنوات الأربع الأولى من كل دورة إستعراضية ربع عدد الدول الأطراف ، وأن يستعرض خلال الدورة الأولى الفصل الثالث من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المتعلق ب"التجريم وإنفاذ القانون" والفصل الرابع المتعلق ب "التعاون الدولي" ، على أن يستعرض خلال الدورة الثانية الفصل الثاني من الإتفاقية المتعلق ب "التدابير الوقائية" والفصل الخامس المتعلق ب "إسترداد الموجودات". ويقوم بإستعراض كل دولة طرف دولتان أخريان من الدول الأطراف تكون إحداهما منتمية إلى المنطقة الجغرافية التي تنتمي إليها الدولة الطرف المستعرضة. بناءاً على هذا فقد خضع السودان إلى إستعراض حول تنفيذه للفصل الثالث "التجريم وإنفاذ القانون" والفصل الرابع "التعاون الدولي" وذلك في عام 2016م من قبل دولة أنغولا ودولة فلسطين ، وبكل أسف لم يتم نشر خلاصة الإستعراض الخاص بالسودان من قبل امانة مؤتمر الدول الأطراف في إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد حتى يتسنى معرفة أوجه عدم تنفيذ الإتفاقية فيما يلي "التجريم وإنفاذ القانون" و"التعاون الدولي" ، ويبدو أن عدم النشر أعلاه أملاه مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الذي تؤكد عليه إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، حيث نجد أن الأمانة بدلاً من نشر خلاصة وافية عن الإستعراض الخاص بالسودان كما هو الحال مع غالبية الدول الأطراف ومنها دول إقليمية مثل المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة ، نجد أن الأمانة فيما يلي ملف السودان تحيل إلى الإطلاع على ملف السودان لدى "نيباد" NEPAD التابعة للاتحاد الأفريقي وكذلك ملف السودان لدى مجموعة العمل المالي Financial Action Task Force (FATF) بإعتبار أن المنظمتين المذكورتين معنيتان أيضاً بمكافحة الفساد وأن السودان يخضع لهما أيضاً فيما يلي مكافحة الفساد ، ذلك أن جريمة غسل الأموال الخاضعة لمراقبة FATF تترتب بالضرورة على إرتكاب جريمة أخرى (الجريمة الأصلية) من جرائم الفساد المنصوص عليها في إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، و بإستعراض ملف السودان لدى FATF نجد أن السودان كان يقبع منذ عام 2010 ضمن قائمة الدول الخاضعة للمراقبة فيما يلي مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب FATF's On-Going Glotoal AML/CFT Compliance Process ، ولم يخرج من تلك القائمة إلاً في 23 أكتوبر 2015م .
بالرغم من عدم نشر خلاصة الإستعراض الخاص بالسودان حول تنفيذ إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد كما ورد آنفاً ، إلاً أنه يتضح من بيان وفد السودان المنشور بالموقع الإلكتروني لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة UNODC أن وفدا من خبراء الأمانة وخبراء الدولتين المستعرضتين أنغولا وفلسطين زار السودان في نهاية شهر أكتوبر 2016م وأصدر توصيات فيما يتعلق بتنفيذ السودان للفصل الثالث من الإتفاقية الخاص ب "التجريم وإنفاذ القانون" حيث قام السودان وفق ما ورد في بيانه بإدخال تعديلات على القانون الجنائي تم بموجبها تعديل المادة المتعلقة بتجريم رشو الموظف الخاص وتجريم إساءة إستغلال الوظائف وفق متطلبات إتفاقية مكافحة الفساد ، كما تم إجراء تعديلات على قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب إتساقاً مع المعايير والمتطلبات الدولية ومنها المتعلقة بإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وتوصيات FATF . كذلك تم وفق البيان الإمتثال لمتطلبات الفصل الرابع من الإتفاقية المتعلق ب "التعاون الدولي" وذلك بإصدار قواعد إجراءات التعاون الدولي حيث تم تحديد إجراءات تلقي طلبات التعاون الدولي بالإضافة إلى مسؤولية ومتابعة الأموال المصادرة والمحجوزة كما تم إصدار عدد من اللوائح التنظيمية التي تنظم حركة الأموال وتحسين نظام المشتريات العامة، كما تمت الإشارة في البيان إلى إستحداث الإيصال الإلكتروني بدلاً من الإيصال الورقي (أرنيك 15) . وكعهد النظام البائد في الخداع والتضليل فقد ورد في البيان الآتي: "أنشأت بلادي مفوضية وطنية للشفافية ومكافحة الفساد بمشاركة كل الجهات ذات الصلة وبصلاحيات واسعة / وسيشكل إنشاء المفوضية خطوة قيمة في سياق نشر ثقافة الشفافية، وتقوية نظم مكافحة الفساد ، والتوعية بمخاطره وأنواعه" والثابت أن هذه المفوضية لم تشكل مطلقاً ، وكما سلفت الإشارة فإن النظام البائد عندما إلتفت إلى هذه الموضية عسى ولعل أن تنجيه من الطوفان ، كانت براكين الثورة قد فاض بها الكيل وتفجرت حمماً ملتهبة في وجه الإستبداد والفساد غير آبهة بمثل هذه المسرحيات والمناورات السياسية المستهلكة !!
بإستعراض مدى إمتثال الإطار القانوني السوداني legal framework للفصل الثالث من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد "التجريم و انفاذ القانون" يمكن القول فيما يتعلق بالتجريم أن كافة الجرائم المنصوص عليها في ذلك الفصل مضمنة في عدد من القوانين السودانية تتمثل في قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه والقانون الجنائي وقانون مكافحة غسل الأموال والإرهاب وقوانين أخرى ، وتشمل تلك الجرائم الرشوة والإختلاس والإثراء غير المشروع وغسل العائدات الإجرامية ، ولكن تكمن المأساة في عدم " انفاذ القانون" لانعدام الإرادة السياسية في مكافحته و يتمثل ذلك في وضع النصوص القانونية التي تعيق الملاحقة و العقاب مثل التوسع في منح الحصانات القضائية و التعسف و التعقيد في اجراءات رفعها، بالرغم من أن هذه الحصانات لا أصل لها في الشريعة الأسلامية التي يتشدق النظام البائد بتطبيقها!! لذلك ان كان لابد من الحصانات القضائية فانه يتعين إعادة النظر في الحصانات القضائية المنصوص عليها في القوانين الحالية لتتسق مع إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تنص على أن تتخذ كل دولة طرف، وفقاً لنظامها القانوني ومبادئها الدستورية ،ما قد يلزم من تدابير لإرساء أو إبقاء توازن مناسب بين أي حصانات أو إمتيازات قضائية ممنوحة لموظفيها العموميين من أجل أداء وظائفهم وإمكانية القيام ، عند الضرورة ، بعمليات تحقيق وملاحقة ومقاضاة فعالة ضدهم في حال إرتكاب أي من الأفعال المجرمة وفقاً لتلك الإتفاقية. أيضا من النصوص القانونية التي تعيق ملاحقة المفسدين و معاقبتهم المادة 13 من قانون مكافحة الثراء الحرام و المشبوه لسنة 1989 و التي تجيز لكل فاسد أثرى ثراءا حراما أن يحلل نفسه أو زوجه أو أولاده القصر في أي مرحلة قبل فتح الدعوى الجنائية ضده و ذلك برد المال موضوع الثراء، و للمفارقة فان الشرط الذي وضعته هذه المادة ليستفيد منها كل فاسد هو فقط أن يوضح الكيفية التي تم بها الاثراء !!! و السؤال الذي يثور: بما أنه لا يتم فتح دعوى جنائية و بالتالي لن تأخذ التحريات مجراها من قبل النيابة المختصة ، فكيف اذا يجوز عقلا الأخذ بما يدلي به ذلك الفاسد حول حقيقة قيمة المال الذي أثرى به ؟ و كيف يتسنى الركون الى مصداقيته حول بيان الكيفية التي تم بها الأثراء ؟ لاشك أن هذه المادة بنصها الراهن تفتح ثغرة كبيرة للعبث بالمال العام أذ أنها توفر ملاذا آمنا لكل فاسد في حال انكشاف أمره ، و قد شاهدنا تطبيقا سيئا لها فيما عرف بقضية مكتب الوالي.
كذلك من المسائل التي تتطلب إعادة النظر مدة التقادم المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية بحيث تتسق تلك المدة مع ما نصت عليه اتفاقية الامم المتحدة بأن يتم تحديد فترة تقادم طويلة فيما يخص الجرائم المنصوص عليها في تلك الإتفاقية وعلى أن تحدد فترة تقادم أطول أو يعلق العمل بالتقادم في حال إفلات المتهم من يد العدالة.
أختم بالقول أن تجريم القوانين السودانية لكل أفعال الفساد المنصوص عليها في إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد رغم أهميته، إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، إلا أن مجرد النص على تجريم تلك الأفعال لا يكفي لمكافحة الفساد ما لم يقترن برغبة صادقة وإرادة سياسية أكيدة لتطبيق وإنفاذ تلك النصوص في الممارسة العملية ، وهوما كان يفتقره النظام البائد مما أدى إلى تفشي الفساد بصورة هيكلية جعلت السودان يتذيل مؤشرات الفساد العالمية حيث إحتل السودان المركز 172 من182 دولة وبمعدل درجات 16 من 100 وفق مؤشر منظمة النزاهة الدولية Transparency International عن العام 2018م .
في مقال لاحق – باذن الله – سأتناول إسترداد الموجودات/الأصول المتأتية من جرائم الفساد وفقاً لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، مع إستعراض لمذكرات أمانة مؤتمر الدول الأطراف في تلك الإتفاقية بخصوص تنفيذ بنود الإتفاقية المتعلقة ب "التعاون الدولي" و "إسترداد الموجودات" من قبل الدول التي يعتقد على نطاق واسع أن رموز النظام البائد حولوا إليها عائدات جرائم الفساد التي إرتكبوها .
عبد الرحيم خلف الله محمد علي
مستشار قانوني،،،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.