ظل القطاع الصحي يتعرض لإهمال فظيع، في العهد البائد، مما أدي إلى ظهور وبائيات كثيرة، نجح الأطباء وعبر جهود ذاتية وبمساعدة منظمات المجتمع في الحد منها. ولجنة أطباء السودان المركزية عملت، ولا تزال، على النهوض بالوضع الصحي، الذي لم يتعافي بعد. إذ انتشرت خلال الفترة الماضية الكوكيرا وظهرت حالات لأمراض غريبة. وقد أعدت لجنة الأطباء دراسة كاملة حول كيفية النهوض بالصحة، يُحدثنا أمينها العام د. عمر أحمد صالح، عن ملامحها. وتطرقت (الراكوبة) في حوارها مع الأمين العام، لعدة جوانب في القطاع الصحي، من بينها التحديات التي توجه وانعدام الخدمات الصحية في كثير من مناطق السودان والتدهور المريع في المستشفيات، وغيرها من القضايا التي نطالعها في حوارنا معه، فإلى مضابطه. حوار – مشاعر دراج *حدثنا في البداية عن رفع اللجنة لشعار اصلاح القطاع الصحي؟ في عام 2015م رفعت لجنة أطباء ولاية الجزيرة شعار إصلاح القطاع الصحي، ثم تحولت إلى لجنة أطباء السودان المركزية خلال عام 2016م. ومنذ ذاك الوقت بدأت حركة واسعة وسط الأطباء من أجل خلق كتلة لديها نفس الأهداف والإيمان بالقضية، بالتالي نتج من هذا الحراك رفع مذكرة في فبراير لنفس العام تحتوي على تحسين بيئة العمل بالمستشفيات وتحسين الوضع التدريبي، بالإضافة إلى سن قانون لحماية الطبيب خاصة أن في ذلك الوقت كانت هناك اعتداءات كثيرة على الأطباء. *ما هي أسباب الاعتداءات على الأطباء؟ ناتجة بسبب عدم تأهيل المستشفيات بشكل كامل، كما أن المريض عندما يأتي للمستشفي لا يجد ما يحتاجه لدي الطبيب، لذلك بدأنا البداية الصحيحة وهي تحسين بيئة العمل، بعد ذلك مسألة الاعتداءات، كان هناك مقترح لقانون لحماية الأطباء، باعتبار أي اعتداء على الطبيب يمثل توقف الخدمة، بالتالي استمرار الخدمة في الحوادث أو العنابر بالمستشفيات تصبح في غاية الصعوبة للوضع الأمني بشكل كامل. *متى بدأت اللجنة الدخول في إضراب عام؟ خلال شهر أكتوبر عام 2016م، دخل أطباء السودان بكل درجاتهم العلمية والمسميات الوظيفية في إضراب عام عن العمل، وكان إضراب كبير جداً، ودفعوا بنفس مذكرة فبراير من ذات العام التي تجاهلتها وزارة الصحة ولم تسجيب لها، بالتالي رفعت مرة أخرى للوزارة وأتبنتها رئاسة الجمهورية بالنظام البائد ولم تحدث استجابة، حيث انتهي الأمر باعتقال المكتب التنفيذي للجنة أطباء السودان المركزية، وهو أكبر إضراب مهني في تاريخ السودان الحديث في ذلك الوقت، حيث توقفت الخدمة عن أكثر من (89) مستشفي في مختلف ولايات السودان، وكان عليه إجماع في قضية عادلة وأيضا التفاف كبير من جموع الأطباء. *(مقاطعة) هل دونت بلاغات في مواجهة الأطباء المضربين؟ دونت بلاغات في نيابة أمن الدولة من قبل اتحاد (عشميق ،كبلو ،عبدالله عبدالكريم )، وتم اعتقال رئيس اللجنة د. حسن كرار، واستلم د.محمد ياسين بعد اعتقال كرار رئاسة اللجنة، ودونت بلاغات مفتوحة في بقيه أعضاء المكتب التنفيذي . *هل الإضراب هو السبب في تكوين تجمع المهنيين السودانيين ؟ خلال تلك الفترة بدأت الرؤى المختلفة تتضح للأطباء بعد إمكانية قطاع الأطباء وحده قيادة عملية الإصلاح في البلاد، فكان أول ميثاق للمهنيين في أكتوبر عام 2016م ،ووقع عليه شبكة الصحفيين السودانيين وتحالف الديمقراطي للمحاميين ولجنة أطباء السودان المركزية، كتفاهم بين ثلاثة أجسام في القضايا، بالفعل كان لديهم ادوار كبيرة ،شبكة الصحفيين عن طريق تسليط الإعلامي للأحداث المصاحبة لتلك الفترة والإضراب، رغم الرقابة الكبيرة من الأمن على عدم نشر أخبار الإضراب، في نفس الاتجاه المحاميين قاموا بعمل كبير في الدفاع عن الأطباء في المحاكم وقضية نيابة أمن الدولة . *(مقاطعة ) متى تم الاتفاق على تكوين التجمع؟ بالفعل بدأت المناقشات والتداولات حول ضرورة قيام تحالف عريض للأجسام والقطاعات المهنية، ولابد من استنهاض القطاعات التي ليس لديها أجسام، بأن تكون جزء من التحالف، وفعلا بدأت الأجسام في زيادة من ثلاثة إلى (6) أجسام ،حينما أتي التوقيع على الميثاق أصبحت (8) أجسام ،وفي شهر مايو عام 2018م عقدت ورش حول التخطيط الاستراتيجي لتجمع المهنيين السودانيين والخطة العامة للتجمع وتم تبني قضية الأجور باعتبارها قضية تمس كل أجسام تجمع المهنيين، ومسألة الأجور كانت الخطة يتم تنفيذها في شهر ديسمبر لنفس العام مع الميزانية، واندلع الحراك في التاسع من ديسمبر وهو تاريخ مهم لتجمع المهنيين بعد عقد مؤتمر الصحفي حول مسألة الأجور، واتبعتها الوقفة الاحتجاجية وهي أول فعالية جماهيرية وميدانية لتجمع المهنيين ،وفي نفس الوقت قدمت دراسة الأجور للبرلمان . *ما هي التحديات التي تواجه لجنة أطباء السودان المركزية في قطاع الصحة؟ هذا هو الجانب المهم للجنة هو كيفيه إصلاح القطاع الصحي، خاصة مع وجود خلل كبير فيما يخص الميزانية الصحة وشروط الخدمة بالنسبة للكوادر الطبية والصحية، أيضا ما يخص علاقته بالوزارات ذات العلاقة بالصحة مثل وزارات البيئة والتنمية والعمل، وزارة الصحة ذات تداخل مع قطاعات أخرى كثيرة، لذلك لابد من تنظيم العلاقة مع كل الجهات. ومن أكبر التحديات كل العالم يتجه نحو مسألة الطب الوقائي أكثر من العلاجي، باعتبار شعار (الوقاية خير من العلاج)هو شعار حقيقي يمكن تنفيذه. وكل العالم يخصص ميزانية كبيرة للطب الوقائي أكثر من العلاجي، لكن في السودان الصورة مقلوبة، حتى على مستوى الطب العلاجي يخصص للرعاية الصحية الأولية أكثر من الرعاية في المستوى الثاني أو الثالث، بمعني لدينا مشكلة كبيرة في إعادة التوازن للهيكل الصحي، بالنسبة للجنة المرحلة المقبلة هي مرحلة تحدي كبير؟ *(مقاطعة )بالضبط حدد التحدي الأساسي ؟ أهم حاجة مفترض زيادة ميزانية الصحة في الموازنة الجديدة، على الأقل خمسة أضعاف الميزانية القديمة، من ضمن الأشياء التي اكتشفت في موضوع الميزانية وجود (49%) من ميزانية الصحة تخصص لمستشفيات الشرطة والجيش والأمن ،وهي قضية تحتاج للنقاش من الناس أنه يخصص حوالي (70%) تذهب لتلك المؤسسات، كان أولي الصرف على مستشفياتها من ثم ضرورة وجود حاكمية على تلك المستشفيات حيث كان التعامل معها على أساس قطاع يخص النظاميين والعسكريين. *هل وضعت اللجنة الخطة الجديدة نسبة محددة لميزانية الصحة؟ بدأت السياسات البديلة من قبل سقوط النظام، قدمت الهيئة النقابية لأطباء السودان في بريطانيا ورقة عمل خلال فبراير الماضي عن السياسات الصحية البديلة، بعدها استمرت لجنة أطباء السودان المركزية مع شركاءها في المكتب الموحد في عمل الورش حول السياسات الصحية البديلة. المقترح المقدم مضاعفة الميزانية إلى ما لا يقل عن خمسة أضعاف ميزانية القديمة، بجانب ترتيب أولويات الصرف حسب الحاجة الموضوعية العاملة في كل العالم. هناك معلومة مهمة هي (90%) من المشاكل المتعلقة بالصحة ممكن حلها في مستوى الرعاية الصحية الأولية بحيث لا تحتاج للوصول إلى المستوى الثاني أو الثالث، لكن هنا لدينا خلل المراكز الصحية شبه تجاوزها الزمن، وذلك بسبب الإهمال التام، رغم أنها أساس الخدمات. المستشفيات من المستوى الثالث مثل (جعفر ابنعوف) والخرطوم للجراحات الدقيقة تعتبر مستشفى الدخول لها ليس من الحوادث بل يتم تحويل إليها من مستشفى أخرى. *(مقاطعة) هل يعني هناك خطة لتوفير الخدمة الصحية في كل منطقة؟ الهم الأساسي مسألة الخدمة من الخصائص المهمة بالنسبة للخدمة الصحية العلاجية بالذات إمكانية الوصول، كونه مريض يأتي من أقصى أم درمان لمستشفى جعفر ابنعوف في عرف الصحة غير مقبول. والسليم وجود مركز صحي يمر به المريض قبل تحويله مثلا لمستشقى أم درمان، بالتالي لا يوجد سبب لحضور كل المرضي لجعفر ابنعوف، خاصة أن هناك مستشفى البلك يمكن أن يتم تجهيزه بنفس الطريقة، وأيضا أبو سعد ويقدم نفس الخدمات. بالتالي نحن لدينا مشكلة في توزيع الخدمات بطريقة عادلة، واعتقد عدالة التوزيع من المشاكل التي تواجهنا تاريخياً في السودان، مسألة التنمية المتوازنة والعدالة في توزيع الخدمات، وخدمة الصحة من المفترض التركيز عليه خلال الفترة القادمة في التوزيع العادل بمدن السودان المختلفة. *هل المستشفيات بولايات السودان المختلفة مؤهله لتوفير الخدمات؟ اعتقد كل إقليم من أقاليم السودان ال(6) يجب أن تكون مستشفياته مؤهله وجاهزة لاستقبال المرضي. في حال اعتبرنا الخرطوم إقليم مفترض يكون قادر على تقديم كل الخدمات من الرعاية الصحية الأولية حتى الرعاية من المستوى الثالث، كما لا تحتاج بأن تأتي الخرطوم، وفي حال فشلنا في ذلك معناها لم ننجز التغيير المطلوب، لأن مركزية الخدمات الصحية من العوائق الكبيرة والمشاكل المفترض يتم التقلب عليه خلال الفترة المقبلة. حتى توزيع الخدمات بالمناسبة لديه علاقة بتوزيع الكادر نفسه، معظم الكوادر المؤهلة في السودان موجودة في الخرطوم وهي مسألة لابد من يتم معالجتها عن طريق خطة لجذب العمل في الولايات، أو صيغة بحيث كل ولاية تحقق نسبة اكتفاء. *هل خطة اللجنة حددت عدد الأطباء في كل ولاية ؟ أكدت الإحصائية كل طبيب مقابل مائة مريض، لا توجد نسبة واضحة لعدد الأطباء موجودين، ممكن توجد إحصائية لعدد الأطباء العاملين في وزارة الصحة وهو عدد بسيط جداً، بسبب عدم وجود رغبة في الوظائف الحكومية، بالإضافة إلى الهجرة خلال الفترات الأخيرة خصوصا لدول الخليج بمعدلات كبيرة جداً. مثلا أطباء السعودية يقدر عددهم بحوالي عشرة ألف طبيب سوداني، لذلك لا توجد إحصائية ثابتة تحدد عدد الأطباء في السودان، بجانب وجود خلل في توزيع الأطباء في البلاد. ممكن تجد ولاية كبيرة عدد الأطباء موجودين فيها لا يتجاوز مائة طبيب أو أقل من ذلك بكثير. عدد الأطباء في ولاية جنوب كردفان حوالي (78) طبيب بينما عدد الأطباء بالخرطوم لا تستطيع حصره من الحجم الكبير الموجود . *ألا تتفق مع حديث الكثيرين حول عدم تدريب الأطباء خلال الأعوام الماضية ؟ الأطباء خلال مسيرتهم العملية والمهنية لديهم علاقة بالتفاصيل مهمة وهي مسألة التدريب. المفترض أي ولاية من ولايات السودان تكون مؤهلة لتدريب أطباء الامتياز أو نواب الأختصاصيين. وأيضا تكون المستشفيات مهيئة تماما لعملية التدريب، لتكون عندها نتائج جيدة، وطالما اتجهنا في اتجاه توزيع عادل بالنسبة للخدمات بالجودة والكفاءة المطلوبة، بالتالي نضمن إعادة توزيع وانتشار للخارطة وجود الأطباء في السودان، والأطباء غير مبسوطين بوجودهم في زحمة الخرطوم ووقت ضائع ويقطنون في ميز بائس ويعملون في مستشفيات سيئة. ممكن العمل في ولاية أخرى مقابل حافز أفضل ووضع أحسن بكثير، ويتلقي نفس التدريب والعوائد، السبب الرئيسي لتكدس الأطباء في الخرطوم هو المكان الوحيد الذي يتم فيه تدريب جيد من وراءه عائد أفضل، خاصة الخرطوم تقدم الخدمة لأكثر من (90%)من سكان السودان، كما نحتاج لإقناع المرضي بأن الخدمة تم تفريغها للأطراف وهي البداية الصحيحة خلال الفترة القادمة. *ما هو تعليقك على الانتشار الكبير للحميات في ولايات السودان؟ موضوع الحميات والكوليرا مرتبط بشكل أساسي بصحة البيئة، بالتالي مرتبط بقطاعات أخرى، كما ذكرت في بداية الحوار.الصحة ليس مسوؤلية وزارة، بل هي مسوؤلية الدولة بشكل كامل. مسوؤلية الدولة تأتي من مسألة إصحاح البئية والتوعية والتثقيف الصحي بالنسبة للمواطنين، كونه نحن في الالفية الثالثة ونعاني من عدم توعية المواطنين بالوقاية من الكوليرا والتعامل مع الحميات بأي شكل، يعتبر ذلك قصور من قبل الدولة، فلابد أن تضع الدولة الصحة أولوية. كل جهاز الدولة في حالات الطوارئ والوبائية تتحول لوزارة صحة وتعمل وتخدم في نفس المسار، الوضع الآن هو وضع مكرر، رغم الانفراج الحديث في الإعلام وحرية الحركة والتنقل استطعنا تسليط الضوء بشكل كبير على تلك المسائل، والآن هو تكرار لسيناريوهات ظلت تحدث لفترة طويلة بمعدلات كبيرة. مثلا الكوليرا والحميات لم تنقطع من السودان، وهو تحدي يواجه الدولة، لا يمكن وزارة الصحة وحدها تنجح في محاصرته، ما لم الدولة أتعاملت مع المسألة كأولوية، لأنه تهديد الصحة بالنسبة للكادر البشري هو تهديد لنجاح الدولة ككل، في النهاية المورد البشري هو المورد الأساسي الذي تتمحور عليه كل التفاصيل الأخرى ،بالنسبة للجنة الصحة رقم واحد من ثم تأتي التنمية. *ما هي أسباب المشاكل التي تعاني منها عدد من المستشفيات؟ مشاكل المستشفيات مرتبطة ببيئة العمل في الأساس. المستشفيات حالياً تعاني من عدم توفير الخدمة للمواطن وأيضا تفتقر لأبسط معينات العمل من أجهزة ومعدات طبية. بعد الثورة والحكومة الانتقالية تفاجأنا بعدم وجود مستشفيات، وتحتاج لبناء وتأهيل من جديد، خاصة كان فعلياً لا يوجد نظام يحكم المستشفيات. لذلك نحتاج لنظام يحكم حركة المستشفيات، خاصة أنها تفتقر للشكل الإداري المضبوط . مثلا قسم ضبط الجودة وهو جسم مهم في أي مؤسسة، لكن في السودان غير معمول به والوظيفة يتم التعامل معها كوظيفة سياسية للاسترزاق فقط، نحن محتاجين لإعادة هيبة والثقة للمستشفيات، خاصة أنه المواطن فقد الثقة في القطاع الحكومي. مشاكل مستشفى الفاشر، بحري، مرتبطة بتحسين شروط الخدمة والظروف التي يعمل فيها الكادر. وانطلاق منصة تجمع المهنيين، كانت حول مسألة الأجور، كما هناك تعسف إداري مازالت معظم الإدارات في المستشفيات تديرها الإدارات القديمة. أما قضية استاك هي مهنية ووارد حدوثه، الفيصل الرجوع للنظام العالمي وتجارب من حولنا، لكن نؤكد على قضية استاك محلولة ويتم إعادة ترتيب في البيت الداخلي، نحن مع الرفاق في المختبرات الطبية التي خاضت العمل السري ضد النظام البائد وأكيد سيتم الوصول إلى توافق في القضايا الموجودة. *ألا تتفق مع رأي الكثيرين حول عدم شفافية وزارة الصحة في الحديث عن الوضع الصحي ؟ دور وزارة الصحة العمل في الحصر والإحصاء للأمراض التي تهدد المجتمع، وتكون شجاعة في عرض ذلك عن طريق المؤتمرات الصحفية. من الأشياء الماخوذة على وزارة الصحة الموجودة حالياً حتى اليوم لم تعقد مؤتمر صحفي للوضع الصحي أو الخطة البديلة. السياسات الصحية عملت عليها الأجسام المهنية والحاضنة السياسية بالنسبة للثورة، لكن من باب أولي يتم التبني بشكل رسمي. اعتقد يوجد قصور إعلامي لأداء وزارة الصحة، لابد من تنوير الشعب بالخارطة الإدارية والسياسات الجديدة .