بداية أترحم على روح عبد الرحمن دريسة فهو ممن ناضلوا وكافحوا وما ضنوا بعمرهم ولا وقتهم من أجل الوطن. أود أن أرد على ما كتبه الأستاذ عبد الله علي إبراهيم، وذلك على ما ورد في متن مقاله المعنون.. إلى نعمات مالك: ردي الأمانة إلى صاحب الأمانة! وبداية أتساءل وبدهشة، بأي حق يعتبر عبدالله مكتوب أو مخطوط ما لعبد الخالق حق له، هل هو حق قانوني أم اجتماعي أم ثقافي؟! ما هو السبب الذي يجعل من عبدالله علي إبراهيم صاحب حق على انتاج عبدالخالق؟! هل نسي أم تناسى أن عبدالخالق له أسرة وزوجة وأولاد وهم الوراث الشرعيين والقانونيين لكل ما يليه؟! ثم ثانياً هو يتحدث عن مخطوطات مكتوبة بخط اليد، أي أنها مواد لم تر النور ولم تطبع أو تنشر في كتاب ولم تقدم في منتدى، وعبدالخالق لم يكن شخصاً قليل الحيلة أو التجربة والقدرة على إخراجها وهو ليس الشخص الذي يضع أوصياء غير معنيين على أمر ذي معنى. أما بالنسبة للكراسة فهي مخطوطة خطها الراحل وهو طالب في المرحلة الثانوية، وحينها لم يكن قد أصبح شيوعياً وهو بذلك لم يكتب مخطوطة تنظيمية أو حزبية وبذلك تصبح ملك خاص من حق أصحاب الحق التصرف فيها كما يشاؤون، فبأي حق يسأل عبدالله وبهذه الفجاجة عن مخطوط لا يعنيه البتَّة، أفإن سأل ولم استجب كصاحبة حق أكون قد خنت الأمانة؟! كيف يحكم هذا العبد لله؟! أما بالنسبة لإشارته للمرحومة سعاد إبراهيم أحمد فيعلم كثيرون مدى العلاقة التي ربطتنا كصديقات، وهي طيلة علاقتنا وحتى وفاتها، لم تسلمني شيئاً يخص عبدالخالق إطلاقاً ولم تذكر لي أنها تحتفظ بشيء يخصه خاصة في التواريخ التي ذكرها. أنا لا أكذب وكذلك سعاد، والناس في السودان يعرفونني بأكثر مما يعرفون عبدالله، لأنني لم أغادر هذه البلاد قط ولم أخرج منها في أقسى الظروف، بل بقيت فيها أعاني ما يعاني أهلها وأفرح لما يفرحهم ومنهم وبهم أعيش. أما الموضوع الذي أثاره عن أن عبدالخالق له سلمه هذه المخطوطات لتكون ملكه فلدى عبدالله علي إبراهيم طريقان. الطريق الأول إن كان هذا اتفاقاً تنظيمياً فعليه أن يذهب ويسأل عنها الحزب الشيوعي الذي أتشرف بأنني أنتمي إليه وأعتز بذلك وأعلم طريقة العمل به وكيفية تعامله مع الوثائق، وبالفعل جاءني بعض الزملاء الشيوعيين وهم مستغربون من طلبه لهم بأن يتوسطوا في هذا الأمر وألح بإزعاج لكي يتدخلوا، في الوقت الذي يعلم فيه عبدالله الطريق إلى منزلي وكان يأتي في زيارات متقطعة كلما حط به الرحال في الخرطوم قبل مناصبتنا العداء كأسرة، فلماذا لم يطلب هذا الطلب بنفسه مباشرة طيلة سنوات؟! والطريق الثاني أن ينتظر معجزة من السماء لتثبت له إدعاء على ميتين. وحقيقة الأمر هو راسلني عبر البريد الإلكتروني وقدم طلبه هذا وقمت بالرد عليه بكل تهذيب بأن ما لدي هو أوراق خاصة بالأسرة، وليس لدي ما يطلبه، وحتى هذه الأوراق هي في حرز أمين عند شخص يقيم خارج السودان وهو ممن أثق بهم وليس ممن يستعرضون. ورغم ذلك وعدته أن أسأل هذا الشخص عن الكتاب الذي أشار له، وبالفعل سألته احتراماً للطلب وكان الرد من هذا الشخص المأمون بأنه لم يجد طلب عبدالله بين هذه الأمانات وقمت بالرد عليه. الأمر الآخر الذي أشار له عبدالله فهو إحياء ذكرى عبدالخالق الذي أقيم في بيت التراث في الخرطوم، وحقيقة أنا لم أره بين الحضور، فكيف قدر أن من حضروا أغلبهم فوق عمر السبعين؟! يبدو أن عبدالله بخلاف أنه لم يستوثق من هذه المعلومة، فهو قد أثبت أنه بعيد كل البعد عن ما جرى ويجري في السودان، فهذه الذكرى بالذات أمها جمع مقدر من الناس بمختلف الأجيال ولكن الشاهد أن أكثرهم كانوا في أعمار صغيرة وعمر الشباب وهنا أذكر أنني أشرت لهذا الأمر في مداخلتي وقلت إن هذا هو بالضبط ما يسمى تواصل الأجيال، وهم بمداخلاتهم واهتماماتهم وأفكارهم يتفوقون في كثير من الأحيان على أمثالنا من كبار السن.. على عبدالله أن يعيد حساباته قبل أن ينطلق في تحليلاته وتصوراته من معلومات خاطئة بثها له صديق عبر اتصال أثيري وهو الموثق والمؤرخ، فالشباب في سودان اليوم يدرسون التاريخ ليس فقط من الكتب، لكن من التجربة الثرة والمعاناة في تلقي المعرفة وطرح الأسئلة الحرجة ومقارنة الإجابات وتحليلها واستكشاف المغلوط منها وتتبع المنطقي فيها، هذا هو شباب اليوم الذين أعرف وأجالس الكثيرين منهم، أما الشيوخ الذين في عمر السبعين، فيجب أن نحمد لهم تكبدهم المشاق وحضورهم الفعاليات المختلفة في بلدهم وتفاعلهم ومداخلاتهم والإجابة على أسئلة التاريخ لمن يصغرونهم رغم السن والأمراض المزمنة وصعوبة الحركة، هؤلاء يجب أن نحمد لهم ذلك لا أن نشعرهم بقرب نفاد غرضهم أو يحز في أنفسنا أنهم يأتون هناك. هذا التمازج والتلاقي بين الأجيال يحي الكبار والصغار، فأي قتل عمد يتحدث عنه الكاتب وهو الذي يترصد للكبار بالتأسف على كبر سنهم ويتربص بالصغار بالظن أن القليل منهم يحضرون مثل هذه النشاطات؟! هذه حياة ربما لم يعشها هو بالشكل المطلوب ولذلك يظنها قتلاً، في حين أن التعبير الذي استخدمه وخانه يبين أين تكمن مواضع القتل. بالمناسبة هؤلاء السبعينيون يا عبدالله بعضهم هم من قام على أمر هذا النشاط ولم أكن ضمن ذلك الترتيب بل كنت مجرد مدعوة ضمن آخرين، ويجب أن نشكرهم على ذلك لا أن نتأسف أو يحز في أنفسنا ونحن على كرسي الأستاذية حضورهم وانفعالهم مهما كانت التبريرات. وحتى نضع الأمور في نصابها الصحيح، فإنني أتهم عبدالله على إبراهيم وبشكل مباشر بشن الحرب غير المبررة ليس على نعمات مالك وحدها بل على أطراف أخرى من أسرة عبدالخالق، ولمن فاتتهم إشارتي أذكرهم وأطلب منهم أن يرجعوا لمقال له قبل أيام ذكر فيه عمر عبدالخالق محجوب وحذف اسم عبدالخالق فذكره عمر محجوب عثمان!! وكأنه أراد أن ينزع منه أبوة عبدالخالق! أليس هذا مثار للدهشة الغاضبة قبل أن يكون مدعاة للتشكك في صفة المؤرخ والموثق الذي كثيراً ما يلاحق الناس لأنهم أغفلوا حرفاً أو كلمة عمداً أو جهلاً؟! لا يثأر المؤرخ والموثق والكاتب المجيد وصاحب الأفق الواسع بالمكايدة، ولكن يثأر بالحكمة والمنطق والحجة، وهذا بخل من لا يملك وحسادة من لا يطول فهو لا ولن يستطيع أن يحرم أبنائي من أبيهم. أخيراً كان الأجدر بعبدالله أن لا يحشد مقاله باستشهادات من الأموات، وهو الذي يدعي الحرص على حق الموتى ويعلم بأنهم لن يبارحوا قبورهم لتصديقه أو تكذيبه. كان يمكنني أن اعتبر ما أثاره عبدالله نوعاً من التجني والقذف، ولكنني لا زلت أقدر بعض سعة أفق لديه بما تعلمه من زوجي ووالد أبنائي، كما أنني تحملت الكثير في مسيرة حياتي وخضت معارك عديدة ولا ينقصني الصبر، وأقدر كذلك انشغالي بقضية الوطن رغم مساهمتي القليلة في حضرة الوطن والذي انتصر شعبه في ثورة عظيمة ويحتاج لكل جهد وتفكير من أجل استكمال هذه الثورة التي ضحى من أجل تحقيقها، وكما لم أصافح الطاغية الذي كبس على أنفاس البلد وأهلها ولم أخض معه في حوار وطني أو غيره كما فعل عبدالله علي إبراهيم. وأؤكد نحن كأسرة الشهيد عبد الخالق محجوب نمتلك من الوعي والدراية – وذلك يعلمه كل من له علاقة بنا- ما يمكننا من تقييم ما هو ملك الأسرة وما هو حق الشعب الذي بذل عبدالخالق حياته ليقدم له الوعي ما استطاع لذا لم ولن نحرم الشعب من كتاباته إن كانت بحوزتنا، وفعلنا ونفعل ذلك دون أن نرتزق أو ننتظر شكراً وتهاني وحضور دائم في المجالس وبين الصحف والانترنت وأرفف المكتبات كما يفعل البعض. نعمات مالك زوجة عبدالخالق محجوب وأم ابنيه عمر ومعز.