لقد اعتدنا كسودانيين تطويع اللامعقول و تليين اللامنطق فصرنا محل تندر و عبث حكامنا الذين استغلوا الأمر ليمتصوا الدماء ليزدادوا هم غني وثراء وتطاولا في البنيان ونزداد نحن بؤسا و فقرا. وهذا غير جرائمهم في مصادرة الحريات وتكميم الأفواه وقد جعلوا منا قطيعا في سجن كبيرا. .وان كان شعب السودان صعب المراس لا يقبل الكبت والأسوار الحديدية أن تكون حاجزا يطوقه. فمشاعره أشبه كثيرا بمشاعر ذلك الطير الذي يودع في قفص ليكون محبوسا أو كذلك المريض الذي يظل طريحا في أسرة المستشفيات يتمنى عافية. فشعب السودان هو معلم كل الشعوب وقد فجر عديد الثورات. فهو شعب يدرك جيدا أن الحريّة هي اكسير الحياة ودونها الموت. وان الحرية ان تعيش كما تريد في أرض الله الواسعه. وان الحرية ان تذهب لكل مكان يستهويك في الوطن دون منع من أهل البزات البنيه. وان الحرية ان تلتقي بكل من تحب . وان الحرية ان تتنفس الهواء النقي بطريقتك. وان الحرية أن تختار الطريق الذي تسلكه. وان الحرية أن تأكل ما تحب وبمشاركة من تحب،وان الحرية ان تستيقظ كل يوم دون قيود. والكل يعرف تضحياته وتفجيره لاعظم الثورات في التاريخ الحديث. ثورة خرجت فيه جموع الشعب ليملؤوا الشوارع وهم يهتفون بحناجرهم القوية حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب. وان كان بعض المراقبين قد ترجموا تلك الثورة بمفاهيم مُختلفة. حتى أصبحت الثورة السودانية فلسفة وأيديولوجية متفردة . وقد وصل بهم الأمر إلى إنشاء مذاهب ومدارس تكتب وتتحدث وتناظر عن الثورة المجيدة. وكيف لا فلقد تصدى الشعب لكل الاسلحته الفتاكة التي كان يستخدمها الجيش. حتى سقط العشرات شهداء من أجل الحصول على الحريه. وفي أمثالهم قال الإمام الشافعي: "جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ وَإنْ كانت تغصصني بِرِيقِي وَمَا شُكْرِي لهَا حمدًا وَلَكِن عرفتُ بها عدوّي من صديقي". فلقد دفع شعب السودان ثمنا غاليا لنيل الحرية شبابا قتلوا بدم بارد أمام القيادة العامة وإلقي ببعضهم في النيل بعد ربطهم بالحجارة. ولن تزول كل هذه القصص الأليمة من القلوب ابدا ما لم يتم القصاص من المجرمين. وحتي يتحقق ذلك الامر لابد من ان يتحرر الشعب من خوف لا يأتي منه إلا قهر الرجال واضمحلال الأمم ،ولابد كذلك من وحدة حقيقية وقبول للآخر وعمل مشترك يكون سرا لبقاء نهضة اهل السودان ،كما يجب اخوتي ان نضع حدا لتغول العسكر في مصير شعبنا بان يعودوا للثكنات كما كل عسكر العالم المتحضر .فالعسكر هو حامي الوطن وليس حاكمه. الحياة اخوتي وبكل تقلباتها القاسية في السودان ليست سوى قصة قصيرة تبدأ وتنتهي مع رحيلنا فنسجل خلالها مواقفا وإنجازات وطنية تكون فخرا للشرفاء. ثم تنتهي كل محطاتها ويذهب طغاتها و أبطالها ويأتي غيرهم وقد ذهب عبود وذهب النميري وذهب الصادق وذهب البشير وقوش ونافع وعلى عثمان وقد يذهب البرهان ويذهب حميدتي والكباشي و حمدوك وغيرهم . فبعض هؤلاء قد تسقطهم الذاكرة مع كل الأدوار القذرة التي لعبوها على مسرح حياتنا قبحا. وبعضهم قد يظلون في قلوبنا نسقيهم سلافة الحب فلا يغيبون عن خاطرنا لحظة . َومن هنا فإنّ الدور الملقى على عاتقنا جميعا كسودانيين أن نكون اقوياء على الدوام متحدين. وأن نعمل بكل جد ونشاط وبكامل طاقاتنا وكل في مجاله يدا بيد لاستكمال مسيرة الثورة حتى ينهض السودان و يخرج من كبوته. فالوطن اخوتي ليس مجرد اهزوجة أو شعارات أو نشيد للعطبراوي او لوردي (وانا سوداني انا) نردده للحظات. الوطن اخوتي هو السكينة والسكن والانتماء والملجأ وهو الحضن الدافئ. فالتحية لكل سوداني يخرج صباحاً وهو يعلم أنه متجه إلى عمله من أجل هذا الوطن ملتزما بكل قيمه العليا ومبادئه. فكل التحيه لشعبنا البطل من عمال وزراع وموظفين وطلاب و كادحين وغيرهم. ودمت يا وطني..