القاهرة – أكدت الزيارة التي قام بها وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني نصرالدين مفرح للقاهرة أخيرا، أن هناك رغبة للتعرف على أوجه التعامل مع الأفكار المتطرفة ومواجهة الحركة الإسلامية بمفهوم شامل يضم الجوانب الأمنية والفكرية، تماشياً مع حالة الانفتاح التي يمر بها السودان، عقب شطب اسمه من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، ومنحه حصانة سيادية مشروطة. ودشن وزيرا الأوقاف المصري مختار جمعة، ونظيره السوداني نصرالدين مفرح، تدريباً مشتركاً لأئمة البلدين قبل أيام، لمجابهة الأفكار المتشددة وتفنيد مفاهيم جماعات الإرهاب المغلوطة، بما يؤسس لوجود آليات مشتركة للتعامل مع نفوذ إسلاميين لا زالوا يتوغلون في ربوع السودان. ومع كثرة أنشطة الزيارة وتعدد فعالياتها، لم تتطرق إلى الفروق الجوهرية بين الحالتين أو كيفية التعامل مع مواطنين لديهم ثقافة دينية متجذرة بالسودان يجري استغلالها من قبل عناصر الحركة الإسلامية للسيطرة على عقولهم، بخلاف مصر التي تتصادم بشكل أكبر مع جماعات الإسلام السياسي بكل أطيافها. ويرى مراقبون أن التنسيق بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية أفسح المجال أمام التعاون على المستوى الفكري والديني، إلا أن فرص النجاح في الجزء الأمني بفعل تركيبة السلطة الحاكمة في الدولتين قد تكون هي الأكثر حظاً من الجوانب الفكرية التي هي بحاجة إلى مراجعات مختلفة تتناسب مع طبيعة البيئة في كليهما. وقال وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني، في تصريحات صحافية على هامش زيارته للقاهرة، إن المباحثات تركزت على دراسة التجربة المصرية في محاربة التطرف وتفكيك خطاب التكفير وانتهاج منهج الوسطية والاعتدال. المباحثات ركزت على دراسة التجربة المصرية في محاربة التطرف وتفكيك خطاب التكفير وانتهاج منهج الوسطية والاعتدال لقاءات متفرقة واحتل تجديد الخطاب الديني وتطور الفتاوى العصرية حيزا من المناقشات في القاهرة، بجانب الاستفادة من تجربتها كي تتم استعادة الأصول والاستثمارات القابعة تحت سيطرة تنظيم الإخوان في السودان. وتفكر وزارة الأوقاف في استعارة هوامش من تجربة القاهرة، حيث وضعت الأولى لائحة لتنظيم دور العبادة، تشمل حل الجمعيات ولجان المساجد، وهو ما ذهبت إليه الثانية التي أنهت هيمنة الإخوان والسلفيين على جزء كبير من المساجد. وأنشأت الخرطوم مركز أبحاث الرعاية والتحصين الفكري بمجمع الفقه الإسلامي المختصّ بالجماعات التكفيرية والإلحادية والمعنيّ فقط بالحوار والنقاش والإقناع، ويتقارب دوره من دورمجلس الشؤون الإسلامية التابع للأوقاف المصرية، إلى جانب مراصد متابعة الفكر المتطرف التابعة للأوقاف والأزهر ودار الإفتاء. وقال المتحدث باسم التحالف العربي من أجل السودان (حقوقي) سليمان سري، إن السير على خطى التجربة المصرية يتطلب إجراءات أمنية مشددة باتجاه التنظيمات التي ترتع في المجتمع دون رقيب أو حسيب، وهو أمر تتردد السلطة الانتقالية في الإقدام عليه، واختارت طريق المهادنة وتجنب الصدام مباشرة، بخلاف القاهرة التي حسمت أمرها بشكل واضح تجاه العناصر المنتمية للتيار الإسلامي. وأضاف ل"العرب"، أن تصدير خطابات دينية تتعارض مع ما يروج له الإسلاميون في ظل حالة السيولة التي تتمتع بها المرحلة الانتقالية بالسودان يؤدي إلى نتائج عكسية، لأن الحركة الإسلامية تُمسك بأدوات مفصلية للتحرك على الأرض وسيكون بإمكانها مقاومة هذا الخطاب، وتصوير ما تقوم به السلطة على أنه عداء للدين، ونقل الحوارات الفكرية إلى معركة سياسية مع قوى الثورة الحاكمة حالياً. وجاءت زيارة مفرح في إطار تعرف السودان على اتجاهات تطوير الفتاوى الفقهية والمسائل التي عليها إجماع بشأن تطبيقها، تماشياً مع العصر الحديث وتطوير المفاهيم الدينية من دون أن تكون هناك إستراتيجية مواجهة شاملة. وهناك توافق سوداني على أن الثورة ضد نظام عمر البشير فكرية، ما يجعل الوصول إلى صيغة مناسبة للتعامل مع الإسلاميين تأخذ أبعاداً متعددة، وفقاً لحسابات قوى سياسية لديها ارتباطات سابقة بالحركة الإسلامية، في حين أن الأزمة في القاهرة ارتبطت بمؤسسات دينية رسمية وفصولها واضحة إلى حد كبير. مواجهة الفكر المتطرف تتطلب رؤية مشتركة بين الدولتين أكبر من مجرد لقاءات متفرقة على مستوى وزراء الأوقاف وثمة رؤى ذهبت إلى أن سيطرة الإسلاميين على نظام الحكم في السودان طيلة الثلاثين عاماً الماضية وانكشاف جرائمهم أمام المواطنين الذين خدعوا في الانجرار نحو أفكارهم، يجعل المواجهة داخل السودان سهلة نسبيا، حال جرى التفاهم حول مقتطفاتها الرئيسية، بعكس القاهرة التي تعاملت مع أشباح تنظيمات قابعة في القرى والنجوع. وحسب البعض من الخبراء في شؤون التنظيمات الإسلامية، فإن إسلاميي مصر اختاروا طريق العنف في مواجهة أجهزة الدولة، ما أسهم في مواجهة أفكارهم وإقناع المواطنين بخطأ ما ذهب إليه هؤلاء، بعكس الوضع في السودان الذي يظل فيه الإسلاميون في حالة من الخمول دون التورط في عمليات إرهابية حتى الآن. وأكد الخبير المصري في شؤون الحركات الإسلامية، سامح عيد، ل"العرب"، أن مواجهة الفكر المتطرف تتطلب رؤية مشتركة بين الدولتين أكبر من مجرد لقاءات متفرقة على مستوى وزراء الأوقاف. وأشار عيد إلى أن ضبط المفاهيم يواجه مشكلات عديدة، لأن خطاب الكراهية وتكفير الآخر ما زال سائداً على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل شخصيات لديها صلات بمؤسسات دينية، ولم يجر التعامل معها بالشكل المطلوب، كما أن دعاوى ازدراء الأديان لا تتوقف بين حين وآخر، وهناك أطراف تجذب أي تطور على مستوى تجديد الخطاب الديني إلى الوراء ما جعله يراوح مكانه منذ عدة سنوات. ولعل تعثر تسليم العديد من المطلوبين للجانب المصري من الهاربين إلى الأراضي السودانية يبرهن على أن السودان لم يحسم موقفه بعد من مسارات مواجهته للتنظيمات المتطرفة، ما ينعكس على التنسيق الفكري بين البلدين. وأوضح المحلل السياسي السوداني، مرتضى الغالي، أن التعاون في المواجهة الفكرية مع القاهرة يخضع لمواءمات متباينة، لأن السودان يريد إثبات نفسه أمام العالم كقوة منفتحة على مواجهة الأفكار المتشددة. ولفت ل"العرب"، إلى أن التعاون مع الجانب المصري بشأن تسليم بعض المطلوبين وتضييق الخناق على تحركاتهم يتضمن أيضاً الإشارة إلى الجوانب الفكرية، في ظل عمليات الهروب التي نفذتها عناصر الإخوان من القاهرة إلى الخرطوم. ويواجه السودان صعوبات على المستوى الأمني يحاول أن يسدها عبر الارتكان إلى استراتيجيات فكرية، في ظل إدراك تام بأن تغول الحركة الإسلامية في الجيش السوداني سابقا، والترتيبات الأمنية مع الحركات المسلحة تعطل دور الإجراءات الأمنية، لأن السودان بلد مترامي الأطراف يصعب السيطرة عليه بشكل كامل. ودخل السودان في مأزق آخر حيال مواجهة الأفكار المتطرفة، يتعلق بأن الكثير من الأئمة والدعاة وموظفي وزارة الأوقاف لديهم صلات مباشرة مع عناصر في الحركة الإسلامية، مع وجود قناعة تامة لديهم بصعوبة الفصل بين الدين والسياسية. كما أن مطالبات تنفيذ آليات مدنية الدولة على الأرض التي طالب بها عبدالعزيز الحلو، رئيس الحركة الشعبية شمال، لا تلقى قبولا لدى دوائر حكومية عديدة، على رأسها المكون العسكري في السلطة الانتقالية، ووزير الأوقاف نفسه.