يُعاني النظام الصحي في السودان من مشاكل مختلفة ومتشابكة أدت الى قصور واضح في البنية التحتية للمرافق الصحية وتقديم الخدمات للمرضى، ويعتبر هذا الوضع إحدى التركات الثقيلة التي خلفتها حكومة المخلوع البشير، ومع بداية عهد الفترة الانتقالية استبشر المواطن خيراً بأحداث تغيير ومعالجة لهذه المشكلات، لكن عدم استقرار الوضع السياسي بشكل عام انعكس على أداء معظم الوزارات بما فيها وزارة الصحة التي واجهت تحديات كبيرة خلال كان ابرزها إنتشارفيروس كوفيد – 19، "كورونا"، بجانب الوبائيات التي ترتبت على الفيضانات والسيول اغسطس المنصرم، وعلى الرغم من الخطط والاستراتيجيات التي اعلنت عنها الوزارة الا انه لا يتم تنفيذها بالشكل المطلوب مما ادى الى حدوث تدهور مُستمر في القطاع الصحي نتج عنه إضراب الاطباء عدة مرات للمطالبة بإيجاد حلول ناجعة. (1) معضلة التمويل وقد حصر عدد من الخبراء في مجال الصحة المشكلة الرئيسية لتدهور النظام الصحي في السودان الي عدد من المسببات علي رأسها، مشكلة التمويل او النسبة المخصصة للصحة من ميزانية الدولة،فضلاً عن غياب مراكز الرعاية الصحية الاولية في المناطق الريفية وفي اطراف الخرطوم مما ادى الى اكتظاظ مستشفيات الخرطوم بالمرضى، كما يعتبر نقص الكوادر الطبية احد التحديات التي تواجه القطاع، هذا بجانب غياب الخطط الاستراتيجية. ويرى البعض مما تحدثوا ل"المواكب"،بان التمويل هو المعضلة الاساسية التي تقف امام الوزارة لمعالجة تدهور الوضع الصحي وهذا ما قاله الدكتور ولي الدين الفكي بان التمويل هو المشكلة الرئيسية لأنه يترتب عليه اشياء كثيرة بداية من حقوق العاملين في هذا الحقل وتطوير البيئة الصحية توفير العلاج، لكن بالنسبة للخطط والسياسات فهي موجودة لدى الوزارة لكن التمويل يحول دون تنفيذها، وأقرب مثال توقف مراكز العزل لمصابي "كورونا"، بسبب عدم صرف مستحقات العاملين ومعظمهم متطوعين، وكذا بالنسبة لتنمية وتطوير المنشآت الصحية والاجهزة الطبية، وقيل ان نسبة الوزارة سترفع الى 26% من ميزانية الدولة الا ان ذلك لم ينفذ وحتى نسبة الوقود التي يتم اعطاءها للوزارات فان الصحة ليس لها نصيب من لذلك فان الحل فقط في حل مشكلة التمويل. (2) استراتيجية الوزير اكرم وقد كان أول وزير تولى شؤون الصحة بعد تشكيل الحكومة الانتقالية هو الدكتور أكرم علي التوم الذي دار حوله جدل واسع وخلافات حول اداءه جعل هنالك فريقين مع وضد، ومطالبات بإقالته وبالفعل تم اتخاذ هذا القرار لكن تم التراجع عنه بعد تدخلات الحرية والتغيير ومجلس الوزراء الى ان تمت اقالته بقرار من رئيس الوزراء في ظل ملابسات حتي هذه اللحظة غير معلومة للجميع، واثناء تولي اكرم للصحة كشف عن مضاعفة ميزانية الصحة التي ارتفعت من 16 مليار جنيه العام الماضي الى 51 مليار جنيه عام 2020م، وقال ان هذه الزيادة تستهدف تقليل تكلفة العلاج، وان وزارته وضعت خمسة اولويات تعمل على تنفيذها وهي (التحكم في الاوبئة، اعادة تشغيل المرافق الصحية، تغيير القيادات السابقة، تطوير منظومة السياسات والاستراتيجيات في القطاع الصحي) وان هنالك عدد من الاستراتيجيات والخطط لتطوير وتشغيل النظام الصحي، وانه سيتم الاستعانة بها لإعداد وثيقة واحدة تمثل رؤية الخبراء. وأشار التوم حينها الى ان المسودة تم تطويرها الى المسودة الثالثة والتي تصلح للحكومات القادمة خلال الثلاثة اعوام القادمة، كما تعهد بإعادة العافية الى القطاع الصحي العام وانشاء بنية صحية مؤسسية تتيح العلاج المجاني للمواطنين. هذه مقتطفات من اهداف الوزير التي اراد تنفيذها، الا ان جائحة كورونا وقبلها تفشي الكوليرا بولاية النيل الازرق وحمى الوادي المتصدع بنهر النيل حال دون ذلك لتدخل البلاد بأكملها في دوامة فايروس "كورونا"، مما ادى الى عدم التنفيذ بل قاد النظام الصحي لمزيد من التدهور نسبة للحالات الكثيرة من مُصابي الفايروس وعدم قدرة القطاع على استيعاب كل هذه الاعداد وخروج عدد من المستشفيات والمراكز الصحية من الخدمة، ثم صدر قرار اقالة الوزير التوم الذي اعتبره البعض نتيجة لتآمر المتضررين من سياساته خاصة فيما يتعلق بالدواء ومجانية العلاج واعادة تأهيل مستشفى الخرطوم. (3) سياسة الوزراء عقب اقالة اكرم تم تكليف سارة عبدالعظيم حسين بإدارة الوزارة الا انها استقالت بعد شهرين فقط من تكليفها وقالت بعض المصادر ان الطبيبة تعرضت لضغوط مكثفة من قِبل جهات لم يتم الكشف عنها قيل انها تتعلق بملفات فساد داخل الوزارة، بعدها مباشرة تم تكليف دكتور أسامة عبدالرحيم بمهام الوزارة وكان من ابرز قراراته هو عدم اللجوء الى الاغلاق بعد انتشار فايروس "كورونا" الموجة الثانية مع الالتزام بالاشتراطات الصحية، مؤكداً على ان الوضع الصحي في البلاد يحتاج الى مراجعة خاصة فيما يتعلق بالمحافظة على استمرار الانشطة الصحية في تقديم الخدمات العلاجية للمرضى، وان السودان يواجه عدد من التحديات متمثلة في الملاريا وندرة الادوية. على الرغم من ان البعض يرمي باللوم والتقصير في هذا الشأن على الوزيروعدم قدرته على وضع او تنفيذ سياسات تنهض بالقطاع الصحي في السودان الا ان البعض الاخر يؤكد على ان المشكلة في توتر الوضع السياسي في البلاد بشكل عام وعدم توفر التمويل والاهتمام الكافي لملف الصحة. هذا ما ذهب اليه دكتور يوسف العاقب في حديثه ل"المواكب" اضافة الى تعاقب ثلاثة اشخاص على الوزارة خلال فترة الحكومة الانتقالية التي لم تتجاوز السنتين أي ان كل شخص لم يأخذ الوقت الكافي حتى يعالج مشاكل متجذرة منذ ثلاثين عام هي عمر النظام السابق، فالنظام الصحي والوزارة التي تعمل على ادارته تحتاج الى عمل كبير واعادة نظر في كل السياسات وطريقة ادارة الملفات الى جانب بعض الاشخاص القائمين على امر الوزارة .
(4) سوء ادارة وقال الدكتور محمد الفاتح البدوي ل"المواكب" ان هنالك مشكلتين اساسيتين فيما يتعلق بهذا الموضوع،الاولي تتعلق بالشأن الاداري حيث تتمثل في عدم توزيع الموارد بشكل جيد مثلاً المريض يدخل المستشفى ويتلقى العلاج مقابل رسوم معينة العمليات كذلك يتم دفع مبلغ من المال كل هذا يذهب الى وزارة الصحة التي بدورها ترسله الى وزارة المالية، لكن المالية لا تعطي الصحة الميزانية الكافية لتوفير احتياجاتها، وبالتالي يحدث القصور والتدهور في النظام الصحي. وأضاف" اذا تمت ادارة المستشفيات ذاتياً أي ان الاموال التي تدخل خزينة المستشفى يتم تسخيرها لتوفير الخدمات للمرضى وصرف مرتبات العاملين بها ، هذا يسهم بشكل كبير في حل جزء من القصور"،. كما أفاد البدوي بانالمستشفيات الحكومية التي ينقصها الكثير ولا توجد بها معينات، واحياناً المريض يموت امام الطبيب وهو عاجز عن مساعدته خاصة اذا كان المريض لا يملك تكلفة الادوية التي يحتاجها واقرب مثال المحاليل الوريدية الواحد منها كان بعشرين جنيه الان بألف جنيه فقد يموت المريض بسبب عدم توفر المحلول، فالوضع بشكل عام في تدهور مستمر معظم المستشفيات الان لا يوجد بها اطباء طوارئ، حيث ان العمليات الجراحية تشهد تعقديات بالغة السؤ ، بجانب تدهور الوضع المالي وتأثيراته علي مرتبات الاطباء، خاصة فئة نواب الاختصاصيين الذين ليس لديهم مرتبات ولا حوافز وهم اكثر فئة تبذل جهد، وتمضي أكثر وقت في المستشفيات دون مقابل مادي مجزٍ. وتابع البدوي خلال ختام حديثه ل"المواكب"،( كل هذه المشاكل تحتاج الى معالجات من الوزارة ومن ثم الحكومة ككل).