ما لا يعلمه البعض بان لإسرائيل يد وان كانت غير مباشرة في ان ينال السودان استقلاله من دولتي الحكم الثنائي بسبب الخلاف الذي وقع بينهما في اطار التعامل مع دولة اسرائيل الوليدة في ذلك الوقت حتي وصل الخلاف لان تقرر بريطانية الجلاء حتي لتمنح السودان قراره الكامل في سياسته الخارجية يقول المؤرخ الإسرائيلي المختص في تاريخ السودان (جابريل واربورج) إن السودان كان يتمتع بعلاقات تجارية طيبة ومنتظمة مع إسرائيل منذ العام 1949 وهي مسألة اثارت حفيظة الحكومة المصرية التي كانت تعتبر أنها صاحبة السيادة على السودان وفي هذا الإطار أوقفت سفينة إيطالية عام 1950 تحمل بذور القطن من السودان متجهة لإسرائيل وبعد احتجاج من روما ردت القاهرة أنها تعتبر بورتسودان ميناء مصري لأغراض التجارة. وكتبت الخارجية البريطانية في حينها تقريرًا محذرة فيه من أن قبول الحجة المصرية والتي ستعطي شرعية للمزاعم المصرية أن السودان جزء من الأراضي المصرية وستكون ضربة للجبهة الاستقلالية وشددت الخارجية البريطانية أن لا قانون أو مرسوم أو لائحة تصدرها القاهرة لها أي صفة الزامية على السودان الا بإذن وموافقة الحاكم العام للسودان وهو المنصب الذي ظل حكرًا على بريطانيا منذ بداية الاحتلال وعليه فإن الحكومة البريطانية رفضت المطالب المصرية بأن يخضع السودان لقرارات المقاطعة لإسرائيل واستندت لاتفاقية 1899 أن مصر ليس لديها حق في أن تامر حكومة السودان تحت قيادة الحاكم العام بأي شيء ناهيك عن إيقاف تجارة السودان مع اي دولة وأمرت الخارجية البريطانية في يونيو 1950 الحاكم العام للسودان سير روبرت هاو بالتصرف بحزم ضد المطالب المصرية بوقف تجارة السودان مع إسرائيل ومن ضمن الأشياء التي شددت عليها بريطانيا السماح باستمرار الرحلات الجوية بين السودان وإسرائيل خاصة وأن طيران العال كان له حق الهبوط في بمطار الخرطوم الصراع البريطاني المصري حول احقية توجيه سياسات السودان الخارجية حمل بريطانية الي اقرار منح السودان استقلاله بالكامل ولم يكن امام مصر ايضاً سوي القبول بذلك فهي لا تستطيع(استعمار) السودان وحدها ولكن وضعت شرطاً لخروجها بان يوقع السودان علي قانون مقاطعة إسرائيل والذي احيز كتعهد من الحكومة السودانية في أوائل العام 1958 وظل سارياً بعد ذلك دون مراجعات رغم توقيع مصر علي اتفاقية (كاب ديفيد) وتوقيع كافة الدول العربية علي اتفاقيات مماثلة سراً وعلنية والان وبعد كل السنوات عاد السودان الي (العقلانية) والابتعاد عن الانقياد الاعمي .. فكيف لنا ان نعارض هذه العقلانية بعد ان امتلكنا قرارنا بصورة حقيقية